السبت، 25 أغسطس 2018

فضائح ترامب وحفر سوروس





قاسم شعيب


تنضج الفضيحة أكثر فأكثر، ويجد الرئيس الأمريكي نفسه محشورا في زاوية. كان صعود ترامب مفاجئا للكثيرين ويبدو أنه في طريقه لسقوط ليس مفاجئا هذه المرة ولكنه مزلزل.
 منذ استقلال الولايات المتحدة عام 1776، يصعد الرؤساء إلى الحكم بطريقة واحدة هي الانتخابات، حتى وإن كانت انتخابات صورية يديرها رأس المال المهيمن كما في أي ديمقراطية رأسمالية أخرى.
45 رئيسا وصلوا إلى الحكم عبر صناديق أصوات المندوبين حيث أن أصوات المقترعين لا تأثير لها. وآخر الواصلين هو دونالد ترامب الذي جمع أصواتا أقل بمليوني صوت من منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون. لكن أصوات المندوبين اختارته هو.
صُمِّم النظام الأمريكي بطريقة تضمن سيطرة كبار المصرفيين على الحكم. فقسموا أنفسهم إلى فريقين فريق يدعم الحزب الديمقراطي وفريق يدعم الجمهوري. ومهما كان الفائز فإن عليه أن يراعي المصالح الاقتصادية والسياسية لهذه الطبقة بل عليه أن ينفذ إملاءاتها. وإذا امتنع فإن الاغتيال أو العزل في انتظاره كما حدث لعدة رؤساء سابقين.
ليس الرئيس الحالي ترامب معارضا للمؤسسة المهيمنة بقوة على المشهد الأمريكي. غير أنه جاء لتمشية ما لا يمكن لغيره تمشيته. ومن ذلك الانقلاب على الاتفاقيات الدولية التي وقعها سابقوه ومزقها بدعوى أنها لا تخدم المصلحة الأمريكية.
ورغم أن ترامب لم تأت به صناديق الاقتراع بل أصوات المندوبين، إلا أن التهمة وجهت منذ البداية إلى روسيا بقرصنة تلك الانتخابات واختراق حواسيب منافسته هيلاري كلينتون ونشر مراسلاتها الخاصة ونشر وثائق تدينها عبر ويكيلكس ما أدى إلى تراجع شعبيتها. كانت لعبة متقنة الهدف من ورائها الضغط على ترامب لتنفيذ ما هو مطلوب منه وتوتير العلاقات مع الروس والتمهيد لصدام محتمل بعد أن طرد أوباما 35 ديبلوماسيا روسيا وتلى ذلك طرد عدد آخر منهم.
لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل انتقلت الاتهامات إلى فريق ترامب، وحتى الرئيس نفسه، بالتواطؤ مع الروس. حاول ترامب احتواء الأزمة فرفض الاتهامات مرارا وأقال رئيس الأف بي أي جيمس كومي الذي كان يدير ملف التحقيقات. وفي 30 أكتوبر 2017 وجه مدير التحقيق في قضية الاختراق الروسي روبرت مولر 12 اتهاما تتعلق بغسيل أموال وإخفاء حسابات مصرفية والاتصال مع الروس للمدير السابق في حملة ترامب وشريكه وفرض عليهما الإقامة الجبرية.
بدأ الرئيس الأمريكي يشعر بتدلي الحبل حول رقبته. فتقدُّم التحقيقات ونشر الفضائح بشكل تراكمي يجعلان ترامب يخشى عل مصيره أكثر من أي وقت مضى. والفضائح ليست فقط جنسية تتعلق بمغامراته مع نساء، بل هي أيضا فضائح قانونية واستخباراتية ومالية تتعلق بتمويل حملته الانتخابية. للمرة الأول يقول ترامب لقناة فوكس نيوز التي تدعمه والمحببة لديه إن "الاقتصاد الأمريكيّ سيَنهار في حالِ عَزلِه، وسيُصبِح الجميع فُقَراءً جِدًّا".
كشف المحقق الخاص عن ضربتين جديدين تلقاهما ترامب. الضربة الأولى تتعلق باعتراف محاميه الخاص بارتكابه انتهاكات تتعلق بتمويل الحملة الانتخابية ودفع مبلغ 150 ألف دولار لإسكات امرأتين أقامتا علاقات جنسية مع موكله ترامب. الأولى هي ستورمي دانيالز الممثلة الإباحية والثانية كارين ماكدوغان عارضة مجلة بلاي بوي. والضربة الثانية إدانة المحكمة لبول مانفورت رئيس حملة ترامب الانتخابية السابق بالاحتيال الضريبي والمصرفي والتورط في 12 قضية على الأقل.
يواجه ترامب خطر العزل بشكل جدي. والعزل ممكن بعدة طرق أوضحها من خلال مجلسي النواب والشيوخ. وإذا فاز الحزب الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي فإن إجراءات العزل يمكن أن تأخذ طريقها بشكل فوري. وقد قدم الرئيس السابق باراك أوباما دعمه لـ88 مرشحا ديمقراطيا في أكبر مؤشر على عودته إلى المشهد السياسي. وهو دعم له اهميته بلا شك.
لكن هناك سيناريو أكثر خطورة. فمن أجل تجنب استلام نائب الرئيس بنيس الحكم وتجييش الناس والقضاء على أي تعاطف شعبي مع ترامب يمكن افتعال ثورة ملونة على نحو ما حدث في أوروبا الشرقية وعدة دول عربية من أجل إفساح المجال للبنتاغون للتدخل وتعيين حاكم جديد يختاره هو لإكمال الولاية الرئاسية.
قد يرى المهتمين أن هذا السيناريو مستبعد، لكن من يعرف إصرار جورج سوروس على الإطاحة بترامب حتى قبل إعلان فوزه ودور هذا الملياردير الخزري في ما عرف بـ"الثورات الملونة" الأوروبية والعربية ودعمه المستمر للحزب الديمقراطي وقربه من أوباما لا يمكنه أن يشك في قراره افتكاك السلطة من الحزب الجمهوري لترتيب آثار معينة على ذلك. من المهم جدا افتعال حالة من الفوضى والهستيريا الشعبية وسط اتهامات لترامب بالخيانة وللروس بالتدخل من اجل شرعنة أي "حرب انتقامية" لاحقة. بهذه الطريقة يفكّر المؤسسة الحاكمة التي تسيطر على مراكز القوة الحاكمة في أمريكا مثل البيت الأبيض والبنتاغون والسي آي ايه..
وتحذير الرئيس الأمريكي من انهيار الاقتصاد الأمريكي في حال عزله ليس فقط محاولة لاستعطاف مؤيديه من الحزب الجمهوري والعنصريين البيض والكنيسة الانجيلية التي دعمته، بل إنه شيء حقيقي. فالسياسات المتبعة الآن من شأنها عزل الولايات المتحدة. وعند الإطاحة المحتملة بترامب سيسبب ذلك حالة من الهلع في الأسواق تؤدي الى انهيار البورصات والدولار. وإذا لم يحدث ذلك بشكل طبيعي فمن السهل افتعال ذلك.
امتص ترامب من السعودية 500 مليار دولار أمكن من خلالها خفض نسبة البطالة في الولايات المتحدة من 8% إلى 4 %. لكن تلك المليارات ليس بإمكانها إنقاذه إذا كان كانت هناك خطة مسبقة لإسقاطه من أجل البناء على ذلك الحدث.
تدفع الضغوط المتواصلة الرئيس الأمريكي إلى فعل كل ما يرضي إسرائيل. فقد نقل سفارة بلاده إلى القدس واعترف بها عاصمة موحدة لكيان الاحتلال. وطرح مشروع "صفقة القرن" التي كلف صهره كوشنير بالترويج لها. وهي صفقة لا تعني شيئا سوى تصفية القضية الفلسطينية وإسقاط حق العودة وتهجير الفلسطينيين إلى سيناء والأردن وكردستان والتطبيع العلني بين العرب وإسرائيل.
وستستمر تلك الضغوط عليه لفعل المزيد مما يمكن أن تطلبه منه إسرائيل أو المؤسسة الحاكمة. ومن ذلك افتعال خلافات مع الأوروبيين وحلف الناتو لأهداف لا تتعلق فقط بمساهمة الأوروبيين المالية في الحلف بقدر ما تتجاوز ذلك إلى افتعال توترات دولية.
لا يفيد العرب في شيء سقوط ترامب أو بقاءه. فما هو موجود هو مؤسسة تحكم في أمريكا وليس للرئيس إلا فعل ما يجب عليه فعله. ما يفيد العرب هو فقط الوعي بأنهم محكومون بواسطة طبقة سياسية أثبتت فشلها بسبب خضوعها لهذه الامبراطورية الممتدة على الضفة الأخرى من الأطلسي، ومحاولة البناء على ذلك.



الأربعاء، 15 أغسطس 2018

قانون يهودية الدولة.. من يوقف تقدُّمَ صفقة القرن؟






قاسم شعيب

الخطوة الأخيرة التي أقدم عليها كيان الاحتلال في فلسطين بإعلان يهودية الدولة لم يكن مفاجئا. فطالما تحدث القادة الصهاينة عن ذلك. غير أن توقيت الإعلان الذي جاء بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وتداول فكرة توطين اللاجئين الفلسطينيين في بلدان اللجوء، يعكس تقدما في ما بات يعرف بـ"صفقة القرن" التي أطلقها الرئيس الأمريكي ترامب.  
تدرجت إسرائيل في تنفيذ مخططاتها التوسعية. وإعلانها الآن "دولة يهودية" هو محاولة لنقل الجدل من الرفض القاطع لوجودها باعتبارها كيانا محتلا إلى الجدل حول عنصريتها. يحاول الصهاينة إلهاء العرب عن الموضوع الأساسي في قضية فلسطين وإنتاج موضوع ثانوي لا علاقة له بجوهر القضية.
غير أن ذلك لا يمنع من فهم الأبعاد الأخرى للقانون الجديد. أول تلك الأبعاد تحويل تقرير المصير إلى حق حصري لليهود، بعد الإعلان عن القدس عاصمة لليهود دون بقية المسيحيين والمسلمين. وهذا ما سيفتح أبواب الهجرة أمام اليهود للتدفق من جديد نحو فلسطين، ويطلق العنان للاستيطان.
ومن الناحية الثقافية تصبح العبرية اللغة الرسمية الوحيدة والشرعية بينما تتراجع العربية، وهو ما ستنتج عنه تداعيات كثيرة تتعلق بالتعليم والطبع والنشر وإشارات السير والتصاميم والخرائط والمعاملات الرسمية الخ.. لا يحتاج الإسرائيليون لمبررات من أجل التوسع فقد كانوا يفعلون ذلك طوال العقود الماضية رغما عن القوانين الدولية. غير أن قانون التهويد يسهل لهم الآن مثل هذه الإجراءات.
نشأت إسرائيل على دماء الفلسطينيين ودموعهم. وهي الآن تتحول إلى دولة أبارتايد عنصرية. لم تكتف باحتلال الأرض، بل تريد تصفية الوجود العربي عليها مستعينة بصعود اليمين وتزايد دور الأحزاب والمنظمات الدينية. 
يقضي قانون يهودية الدولة على مزاعم العلمانية والديمقراطية ويؤكد على الخلفية الدينية للاحتلال الصهيوني. ورغم ما قيل عن علمانية «الآباء المؤسسين» إلا أن العمق الديني الذي كان مخفيا ينكشف اليوم. لا ندّعي أن كل يهودي هو صهيوني بشكل مطلق، ولكن ذلك يكاد يكون صحيحا بنسبة ساحقة. لا يوجد سوى قليل من اليهود المعارضين لإسرائيل في العالم. وهؤلاء هم غالبا من الأقلية الأورثدوكسية التي تتحدث عن تحريم دخول فلسطين قبل خروج المسيح اليهودي، أو من اليسار الذي خرج فعليا عن يهوديته وأصبح يفكر من خلال مرجعية غير دينية. ومع ذلك، سيكرس قانون يهودية الدولة منذ الآن وسم كل يهودي بالصهيونية رغم رفض بعض اليهود لذلك.
 يمثل الفلسطينيون نحو 20% من سكان الأرض المحتلة، وهؤلاء سيحرمون من حقوقهم في لغتهم ومدارسهم واقتصادهم ومعيشتهم. وسيمنعون من أي حقوق سياسية كانت ممنوحة لهم مثل دخول البرلمان. لا شك أن تلك الحقوق كانت محاولة إسرائيلية للظهور بمظهر الدولة المدنية التي تراعي حقوق الأقليات. ولكنها الآن تتعرى تماما ويتضح لكل من كان يحاول التبرير لهذه الدولة الغاصبة أنها بعيدة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان التي كانت تدّعيها.
يخشى الفلسطينيون التعرض إلى موجة ترنسفير جديدة لإخراجهم من أرضهم. فتجريدهم من حقوقهم المدنية ليس إلا وسيلة للضغط عليهم لإنهاء وجودهم في أرضهم. وإذا صَحّت الأخبار عن تجهيز ملاذات وملاجئ جديدة لهم في سيناء والأردن فإن ذلك يعني أن قانون يهودية الدولة يأتي منسجما مع صفقة القرن، ولعله أحد بنودها.
لم يكن الحديث عن حل الدولتين سوى ملهاة لكسب الوقت. وقد تبين الآن أن مواقف المعارضين له كانت صائبة ليس فقط لأنه كان خدعة بل لأن هذا الحل ليس ممكنا مع عدو لا يفكر إلا في التوسع المستمر.
نجحت الحركة الصهيونية في السيطرة على القرار الأمريكي وتحويل الولايات المتحدة إلى أكبر داعم لمشاريعها. والمفارقة اليوم هي أن المال الذي يقدمه العرب لأمريكا من خلال صفقات السلاح الضخمة والعقود التجارية الكبيرة هو نفسه المال الذي تقدّم أمريكا جزءا كبيرا منه لإسرائيل.
وإذا أمكن لإسرائيل الوصول إلى هذه النقطة من خلال سياسة التدرّج، فإن استمرار العرب في سباتهم سيعني استمرار المشروع الصهيوني في التوسع ليجد عرب الجوار لاحقا أنفسهم مستهدفون بالتوسع هم أيضا.
شكّل وجود ترامب في البيت الأبيض فرصة، مصنوعة بإحكام، للذهاب بالمشروع الصهيوني خطوات واسعة إلى الأمام. بل إن الدول الغربية الأخرى كانت هي أيضا مساعدة لذلك رغم حديثها عن حماية حقوق الإنسان والدفاع عنها، ومعارضة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وتهويد الدولة.
لكن ما شجع الاندفاع الإسرائيلي أكثر هو غياب العرب عن الفعل وانكفاؤهم نحو الداخل لمواجهة مشاكلهم التي باتت متنوعة ومتراوحة بين الحروب الأهلية والصراعات السياسية والانهيارات الاقتصادية والمالية. وهي مشاكل ليست ناتجة فقط عن مخططات أمريكية سبق لوزيرة الخاريجية الأمريكية أن سمتها "الفوضى الخلاقة"، بل هي ناتجة أيضا عن فشل سياسات أكثر من نصف قرن من الحكم الاستبدادي والفساد بكل أبعاده..
صفقة القرن تتقدّم.. من يقْدر على إيقافها؟