قاسم شعيب
تنضج الفضيحة أكثر فأكثر، ويجد الرئيس الأمريكي نفسه محشورا في زاوية.
كان صعود ترامب مفاجئا للكثيرين ويبدو أنه في طريقه لسقوط ليس مفاجئا هذه المرة ولكنه
مزلزل.
منذ
استقلال الولايات المتحدة عام 1776، يصعد الرؤساء إلى الحكم بطريقة واحدة هي
الانتخابات، حتى وإن كانت انتخابات صورية يديرها رأس المال المهيمن كما في أي
ديمقراطية رأسمالية أخرى.
45 رئيسا وصلوا إلى الحكم عبر صناديق أصوات
المندوبين حيث أن أصوات المقترعين لا تأثير لها. وآخر الواصلين هو دونالد ترامب
الذي جمع أصواتا أقل بمليوني صوت من منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون. لكن
أصوات المندوبين اختارته هو.
صُمِّم النظام الأمريكي بطريقة تضمن سيطرة كبار
المصرفيين على الحكم. فقسموا أنفسهم إلى فريقين فريق يدعم الحزب الديمقراطي وفريق
يدعم الجمهوري. ومهما كان الفائز فإن عليه أن يراعي المصالح الاقتصادية والسياسية
لهذه الطبقة بل عليه أن ينفذ إملاءاتها. وإذا امتنع فإن الاغتيال أو العزل في
انتظاره كما حدث لعدة رؤساء سابقين.
ليس الرئيس الحالي ترامب معارضا للمؤسسة
المهيمنة بقوة على المشهد الأمريكي. غير أنه جاء لتمشية ما لا يمكن لغيره تمشيته.
ومن ذلك الانقلاب على الاتفاقيات الدولية التي وقعها سابقوه ومزقها بدعوى أنها لا
تخدم المصلحة الأمريكية.
ورغم أن ترامب لم تأت به صناديق الاقتراع بل
أصوات المندوبين، إلا أن التهمة وجهت منذ البداية إلى روسيا بقرصنة تلك الانتخابات
واختراق حواسيب منافسته هيلاري كلينتون ونشر مراسلاتها الخاصة ونشر وثائق تدينها
عبر ويكيلكس ما أدى إلى تراجع شعبيتها. كانت لعبة متقنة الهدف من ورائها الضغط على
ترامب لتنفيذ ما هو مطلوب منه وتوتير العلاقات مع الروس والتمهيد لصدام محتمل بعد
أن طرد أوباما 35 ديبلوماسيا روسيا وتلى ذلك طرد عدد آخر منهم.
لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل انتقلت
الاتهامات إلى فريق ترامب، وحتى الرئيس نفسه، بالتواطؤ مع الروس. حاول ترامب
احتواء الأزمة فرفض الاتهامات مرارا وأقال رئيس الأف بي أي جيمس كومي الذي كان
يدير ملف التحقيقات. وفي 30 أكتوبر 2017 وجه مدير التحقيق في قضية الاختراق الروسي
روبرت مولر 12 اتهاما تتعلق بغسيل أموال وإخفاء حسابات مصرفية والاتصال مع الروس
للمدير السابق في حملة ترامب وشريكه وفرض عليهما الإقامة الجبرية.
بدأ الرئيس الأمريكي يشعر بتدلي الحبل حول رقبته. فتقدُّم التحقيقات ونشر
الفضائح بشكل تراكمي يجعلان ترامب يخشى عل مصيره أكثر من أي وقت مضى. والفضائح
ليست فقط جنسية تتعلق بمغامراته مع نساء، بل هي أيضا فضائح قانونية واستخباراتية
ومالية تتعلق بتمويل حملته الانتخابية. للمرة الأول يقول ترامب لقناة فوكس نيوز
التي تدعمه والمحببة لديه إن "الاقتصاد الأمريكيّ سيَنهار في حالِ عَزلِه، وسيُصبِح
الجميع فُقَراءً جِدًّا".
كشف المحقق الخاص عن ضربتين جديدين
تلقاهما ترامب. الضربة الأولى تتعلق باعتراف محاميه الخاص بارتكابه انتهاكات تتعلق
بتمويل الحملة الانتخابية ودفع مبلغ 150 ألف دولار لإسكات امرأتين أقامتا علاقات
جنسية مع موكله ترامب. الأولى هي ستورمي دانيالز الممثلة الإباحية والثانية كارين
ماكدوغان عارضة مجلة بلاي بوي. والضربة الثانية إدانة المحكمة لبول مانفورت رئيس
حملة ترامب الانتخابية السابق بالاحتيال الضريبي والمصرفي والتورط في 12 قضية على
الأقل.
يواجه ترامب خطر العزل بشكل جدي.
والعزل ممكن بعدة طرق أوضحها من خلال مجلسي النواب والشيوخ. وإذا فاز الحزب
الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي فإن إجراءات العزل يمكن أن تأخذ طريقها بشكل
فوري. وقد قدم الرئيس السابق باراك أوباما دعمه لـ88 مرشحا ديمقراطيا في أكبر مؤشر
على عودته إلى المشهد السياسي. وهو دعم له اهميته بلا شك.
لكن هناك سيناريو أكثر خطورة. فمن أجل
تجنب استلام نائب الرئيس بنيس الحكم وتجييش الناس والقضاء على أي تعاطف شعبي مع
ترامب يمكن افتعال ثورة ملونة على نحو ما حدث في أوروبا الشرقية وعدة دول عربية من
أجل إفساح المجال للبنتاغون للتدخل وتعيين حاكم جديد يختاره هو لإكمال الولاية
الرئاسية.
قد يرى المهتمين أن هذا السيناريو
مستبعد، لكن من يعرف إصرار جورج سوروس على الإطاحة بترامب حتى قبل إعلان فوزه ودور
هذا الملياردير الخزري في ما عرف بـ"الثورات الملونة" الأوروبية
والعربية ودعمه المستمر للحزب الديمقراطي وقربه من أوباما لا يمكنه أن يشك في
قراره افتكاك السلطة من الحزب الجمهوري لترتيب آثار معينة على ذلك. من المهم جدا
افتعال حالة من الفوضى والهستيريا الشعبية وسط اتهامات لترامب بالخيانة وللروس
بالتدخل من اجل شرعنة أي "حرب انتقامية" لاحقة. بهذه الطريقة يفكّر المؤسسة
الحاكمة التي تسيطر على مراكز القوة الحاكمة في أمريكا مثل البيت الأبيض
والبنتاغون والسي آي ايه..
وتحذير الرئيس الأمريكي من انهيار
الاقتصاد الأمريكي في حال عزله ليس فقط محاولة لاستعطاف مؤيديه من الحزب الجمهوري
والعنصريين البيض والكنيسة الانجيلية التي دعمته، بل إنه شيء حقيقي. فالسياسات المتبعة
الآن من شأنها عزل الولايات المتحدة. وعند الإطاحة المحتملة بترامب سيسبب ذلك حالة
من الهلع في الأسواق تؤدي الى انهيار البورصات والدولار. وإذا لم يحدث ذلك بشكل
طبيعي فمن السهل افتعال ذلك.
امتص ترامب من السعودية 500 مليار
دولار أمكن من خلالها خفض نسبة البطالة في الولايات المتحدة من 8% إلى 4 %. لكن
تلك المليارات ليس بإمكانها إنقاذه إذا كان كانت هناك خطة مسبقة لإسقاطه من أجل
البناء على ذلك الحدث.
تدفع الضغوط المتواصلة الرئيس الأمريكي
إلى فعل كل ما يرضي إسرائيل. فقد نقل سفارة بلاده إلى القدس واعترف بها عاصمة
موحدة لكيان الاحتلال. وطرح مشروع "صفقة القرن" التي كلف صهره كوشنير
بالترويج لها. وهي صفقة لا تعني شيئا سوى تصفية القضية الفلسطينية وإسقاط حق
العودة وتهجير الفلسطينيين إلى سيناء والأردن وكردستان والتطبيع العلني بين العرب
وإسرائيل.
وستستمر تلك الضغوط عليه لفعل المزيد
مما يمكن أن تطلبه منه إسرائيل أو المؤسسة الحاكمة. ومن ذلك افتعال خلافات مع
الأوروبيين وحلف الناتو لأهداف لا تتعلق فقط بمساهمة الأوروبيين المالية في الحلف
بقدر ما تتجاوز ذلك إلى افتعال توترات دولية.
لا يفيد العرب في شيء سقوط ترامب أو
بقاءه. فما هو موجود هو مؤسسة تحكم في أمريكا وليس للرئيس إلا فعل ما يجب عليه
فعله. ما يفيد العرب هو فقط الوعي بأنهم محكومون بواسطة طبقة سياسية أثبتت فشلها
بسبب خضوعها لهذه الامبراطورية الممتدة على الضفة الأخرى من الأطلسي، ومحاولة
البناء على ذلك.