الأربعاء، 15 أغسطس 2018

قانون يهودية الدولة.. من يوقف تقدُّمَ صفقة القرن؟






قاسم شعيب

الخطوة الأخيرة التي أقدم عليها كيان الاحتلال في فلسطين بإعلان يهودية الدولة لم يكن مفاجئا. فطالما تحدث القادة الصهاينة عن ذلك. غير أن توقيت الإعلان الذي جاء بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وتداول فكرة توطين اللاجئين الفلسطينيين في بلدان اللجوء، يعكس تقدما في ما بات يعرف بـ"صفقة القرن" التي أطلقها الرئيس الأمريكي ترامب.  
تدرجت إسرائيل في تنفيذ مخططاتها التوسعية. وإعلانها الآن "دولة يهودية" هو محاولة لنقل الجدل من الرفض القاطع لوجودها باعتبارها كيانا محتلا إلى الجدل حول عنصريتها. يحاول الصهاينة إلهاء العرب عن الموضوع الأساسي في قضية فلسطين وإنتاج موضوع ثانوي لا علاقة له بجوهر القضية.
غير أن ذلك لا يمنع من فهم الأبعاد الأخرى للقانون الجديد. أول تلك الأبعاد تحويل تقرير المصير إلى حق حصري لليهود، بعد الإعلان عن القدس عاصمة لليهود دون بقية المسيحيين والمسلمين. وهذا ما سيفتح أبواب الهجرة أمام اليهود للتدفق من جديد نحو فلسطين، ويطلق العنان للاستيطان.
ومن الناحية الثقافية تصبح العبرية اللغة الرسمية الوحيدة والشرعية بينما تتراجع العربية، وهو ما ستنتج عنه تداعيات كثيرة تتعلق بالتعليم والطبع والنشر وإشارات السير والتصاميم والخرائط والمعاملات الرسمية الخ.. لا يحتاج الإسرائيليون لمبررات من أجل التوسع فقد كانوا يفعلون ذلك طوال العقود الماضية رغما عن القوانين الدولية. غير أن قانون التهويد يسهل لهم الآن مثل هذه الإجراءات.
نشأت إسرائيل على دماء الفلسطينيين ودموعهم. وهي الآن تتحول إلى دولة أبارتايد عنصرية. لم تكتف باحتلال الأرض، بل تريد تصفية الوجود العربي عليها مستعينة بصعود اليمين وتزايد دور الأحزاب والمنظمات الدينية. 
يقضي قانون يهودية الدولة على مزاعم العلمانية والديمقراطية ويؤكد على الخلفية الدينية للاحتلال الصهيوني. ورغم ما قيل عن علمانية «الآباء المؤسسين» إلا أن العمق الديني الذي كان مخفيا ينكشف اليوم. لا ندّعي أن كل يهودي هو صهيوني بشكل مطلق، ولكن ذلك يكاد يكون صحيحا بنسبة ساحقة. لا يوجد سوى قليل من اليهود المعارضين لإسرائيل في العالم. وهؤلاء هم غالبا من الأقلية الأورثدوكسية التي تتحدث عن تحريم دخول فلسطين قبل خروج المسيح اليهودي، أو من اليسار الذي خرج فعليا عن يهوديته وأصبح يفكر من خلال مرجعية غير دينية. ومع ذلك، سيكرس قانون يهودية الدولة منذ الآن وسم كل يهودي بالصهيونية رغم رفض بعض اليهود لذلك.
 يمثل الفلسطينيون نحو 20% من سكان الأرض المحتلة، وهؤلاء سيحرمون من حقوقهم في لغتهم ومدارسهم واقتصادهم ومعيشتهم. وسيمنعون من أي حقوق سياسية كانت ممنوحة لهم مثل دخول البرلمان. لا شك أن تلك الحقوق كانت محاولة إسرائيلية للظهور بمظهر الدولة المدنية التي تراعي حقوق الأقليات. ولكنها الآن تتعرى تماما ويتضح لكل من كان يحاول التبرير لهذه الدولة الغاصبة أنها بعيدة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان التي كانت تدّعيها.
يخشى الفلسطينيون التعرض إلى موجة ترنسفير جديدة لإخراجهم من أرضهم. فتجريدهم من حقوقهم المدنية ليس إلا وسيلة للضغط عليهم لإنهاء وجودهم في أرضهم. وإذا صَحّت الأخبار عن تجهيز ملاذات وملاجئ جديدة لهم في سيناء والأردن فإن ذلك يعني أن قانون يهودية الدولة يأتي منسجما مع صفقة القرن، ولعله أحد بنودها.
لم يكن الحديث عن حل الدولتين سوى ملهاة لكسب الوقت. وقد تبين الآن أن مواقف المعارضين له كانت صائبة ليس فقط لأنه كان خدعة بل لأن هذا الحل ليس ممكنا مع عدو لا يفكر إلا في التوسع المستمر.
نجحت الحركة الصهيونية في السيطرة على القرار الأمريكي وتحويل الولايات المتحدة إلى أكبر داعم لمشاريعها. والمفارقة اليوم هي أن المال الذي يقدمه العرب لأمريكا من خلال صفقات السلاح الضخمة والعقود التجارية الكبيرة هو نفسه المال الذي تقدّم أمريكا جزءا كبيرا منه لإسرائيل.
وإذا أمكن لإسرائيل الوصول إلى هذه النقطة من خلال سياسة التدرّج، فإن استمرار العرب في سباتهم سيعني استمرار المشروع الصهيوني في التوسع ليجد عرب الجوار لاحقا أنفسهم مستهدفون بالتوسع هم أيضا.
شكّل وجود ترامب في البيت الأبيض فرصة، مصنوعة بإحكام، للذهاب بالمشروع الصهيوني خطوات واسعة إلى الأمام. بل إن الدول الغربية الأخرى كانت هي أيضا مساعدة لذلك رغم حديثها عن حماية حقوق الإنسان والدفاع عنها، ومعارضة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وتهويد الدولة.
لكن ما شجع الاندفاع الإسرائيلي أكثر هو غياب العرب عن الفعل وانكفاؤهم نحو الداخل لمواجهة مشاكلهم التي باتت متنوعة ومتراوحة بين الحروب الأهلية والصراعات السياسية والانهيارات الاقتصادية والمالية. وهي مشاكل ليست ناتجة فقط عن مخططات أمريكية سبق لوزيرة الخاريجية الأمريكية أن سمتها "الفوضى الخلاقة"، بل هي ناتجة أيضا عن فشل سياسات أكثر من نصف قرن من الحكم الاستبدادي والفساد بكل أبعاده..
صفقة القرن تتقدّم.. من يقْدر على إيقافها؟

ليست هناك تعليقات: