الاثنين، 14 نوفمبر 2016

غورباتشوف آخر.. في البيت الأبيض!











قاسم محمد


ثمة شيء غامض في وصول ترامب إلى البيت الأبيض. طوال حملة الانتخابات الأمريكية لم يكن هناك شيء يشير إلى فوزه. حتى الربع ساعة الأخير، كانت كلينتون متقدمة عليه رغم قرار إعادة فتح ملف بريدها الالكتروني. لم يستبعد كثيرون تعرض الانتخابات إلى تزوير فخم وخفي.
لم يتحدث أحد من مرشحي الرئاسة بالصراحة التي تحدث بها ترامب. أطلق لسانه ضد كل المختلفين عنه؛ النساء، والسود، والعرب، والمسلمون.. لكنه كان في الحقيقة يعبر عن آراء طيف واسع من الأمريكيين.
خطاب ترامب المعادي للآخر المختلف عنه يستدعي صورة الزعيم النازي آدولف هتلر. كلاها ألمان. وكما هو معروف في التاريخ الحديث يتباهي الألمان بأنفسهم كثيرا. ربما تعود المسألة إلى فلاسفتهم الذين كانوا غارقين في شوفينية لا تضاهي. فالجرمان حسب هيغل هم نهاية التاريخ. وهم عند نيتشه رمز القوة.. وعندما جاء هتلر استثمر في هذا التراث المفعم بالغرور، وحوّل شعبه إلى أداة في حروبه الكثيرة التي دمّرت ألمانيا ووضعت حدًّا لحياته في النهاية.
تكاد الصورة تكون مشابهة عند ترامب. يتحدث عن إعادة الاعتبار لعظمة أمريكا، ويجاهر بمعاداة المهاجرين، ويقول إنه سيطردهم فور استلامه المنصب، ويعد ببناء سور على الحدود مع المكسيك وجعلها تدفع تكاليفه.
لكنه، في المقابل وعلى عكس هتلر، ألقى الكثير من قصائد الغزل في اليهود. رفض التمويل اليهودي، لكنه ذهب إلى الأيباك مثل أي مرشح أمريكي لنيل صك العبور. قال كلاما عن إسرائيل يفوق ما قاله أي رئيس أميركي قبله. أكد أنه الصديق الأكثر إخلاصا، وأنه سينقل السفارة الأميركية إلى القدس "العاصمة الأبدية لإسرائيل" حسب زعمهم، وأنه سيمزق الاتفاق الإيراني، ويجبر الفلسطينيين على تقديم التنازلات. ثم ختم خطابه الغزلي بالقول إن ابنته متزوجة من يهودي وإن حفيده سيكون يهوديا.
انتقد ترامب الاتفاق النووي مع إيران، وقال إن الولايات المتحدة سمحت لإيران بالوصول إلى 150 مليار دولار من الأموال المجمدة. وقال إن البيت الأبيض لم يتلقّ ضمانات تذكر كجزء من الاتفاق، واقترح إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي، ومضاعفة العقوبات التي تفرضها تاريخيا واشنطن على إيران لحملها على تقديم مزيد من التنازلات. لكن الرد الإيراني جاء سريعا وقويّا على لسان رئيس هيئة الأركان اللواء محمد حسين باقري الذي قال إن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب تلفظ بكلام يفوق قدراته الذهنية وقدرات بلاده العسكرية ونصحه بعدم اختبار قدرات إيران "كي لا يندم". بينما استبعد الرئيس حسن روحاني أن يتمكن ترامب من إلغاء الاتفاق النووي الإيراني "رغم تهديده بذلك" لأنه اتفاق دولي ومصادق عليه من قبل مجلس الأمن الدولي.
أفرح خطاب ترامب أمام الأيباك الإسرائيليين. كان خطابا مطمئنا لليهود الصهاينة. اندفع قادة الكيان الغاصب إلى توزيع الحلوى بعد أن تأكدوا من انتهاء حلم الدولتين والشروع بتوسيع سرطان المستوطنات، والاستعداد للانتقال إلى القدس. وبعد إعلان فوزه احتفى به عدد من أبرز المرجعيات الدينية اليهودية في إسرائيل. قال الحاخام ديفيد كوك، الذي يعد من المرجعيات الدينية في إسرائيل، إن ترامب يشبه يوشع بن نون، الذي قاد اليهود قبل ألفي عام في المعركة التي أفضت للقضاء على "العمالقة". ونقل موقع "واللا"، الأحد 13/11/16، عن مقربين للحاخام كوك، قولهم إن الحاخام “صام لمدة ثلاثة أيام قبل الانتخابات، من أجل الابتهال للرب حتى لا تفوز المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون". أما الحاخام مئير مزوز، الذي يعد المرجعية الرئيسة التي يخضع لها آرييه درعي، رئيس حركة "شاس" ووزير الداخلية، فقال إنه "قد حدثت لنا معجزة، فترامب لن يضغط على إسرائيل كما فعل الرئيس الكوشي (الأسود)". ونقل الموقع ذاته عن مزوز، المغربي الأصل، قوله في موعظة أمام تلاميذه: "بعد انتخاب ترامب فسيكون بوسعنا البناء في كل مكان رغم أنف أعدائنا وكارهينا". وأضاف قائلا لأوباما دون أن يذكر اسمه: "أيها الكوشي، انتهى أمرك، غادرنا، حان وقت من هو أفضل منك". بل إن الموقع ادعى أن عددا من كبار الحاخامات توقعوا فوز ترامب قبل وقت طويل، مثل الحاخام روني هكوهين، الذي توقع قبل نصف عام فوزه، والحاخام نتنئيل شريكي، الذي ادعى أن الأنفاق، التي تحفرها حركة حماس، تنهار بفعل "صلواته"!
لكن فوز ترامب لم يمرَّ بهدوء داخل الولايات المتحدة. ففور إعلان ذلك، دعت منظمة MoveOn.org الأمريكية المؤيدة للديمقراطيين إلى مظاهرات عَمَّت المدن الأمريكية ضد "الرئيس المنتخب" تحت شعار "الديمقراطية تعمل" لأنه يشكل تهديدا للمجتمع الأمريكي بسبب كراهيته للغرباء والمسلمين وتمييزه على أساس الجنس كما قالت هذه المنظمة التي تحصل على تمويلها من عدة مصادر أهمها الملياردير اليهودي جورج سوروس حسب موقع ويكيليكس.
فهذا الملياردير اليهودي متهم بالتورط في تمويل "الثورات" في دول أوروبا الشرقية وجورجيا وأوكرانيا التي قام فيها الرئيس بيترو بوروشينكو في عام 2015، بتقليده "وسام الحرية". لكن هذه المنظمة ليست هي الوحيدة التي تحرك تلك المظاهرات بل هناك منظمات أخرى غير حكومية.
تشعر في قرارة نفسك أن اليهود يحضّرون لشيء ضخم ضد الكيان الأمريكي. فهم الحاكمون الفعليون لها وهم المالكون الحقيقيون لعملتها وبنوكها وذهبها وشركاتها الكبرى. وبإمكانهم فعل أي شيء في أرض يعتبرونها وطنا مؤقتا لأن وطنهم النهائي هو فلسطين كما يزعمون، وهم يملكون أجنداتهم الخاصة التي قد يقومون أحيانا بتسريب أشياء عنها.

تبدو الولايات المتحدة الأمريكية أمام لحظة فارقة ومرحلة جديدة غامضة كما قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. فهل يكون ترامب غورباتشوف الولايات المتحدة الأمريكية؟

ليست هناك تعليقات: