قاسم محمد
يجتمع أعضاء نادي بيلدبيرغ كل سنة في مكان محدد
دون السماح للإعلام بتغطية اجتماعاته المغلفة بالسرية المطلقة. وفي هذا العام ينعقد
اللقاء الرابع والستون لهذا النادي بدريسدن الألمانية خلال الفترة ما بين التاسع من
الشهر الجاري وحتى الثاني عشر منه. وهذه السرية بحد ذاتها تثير الريبة وتطرح أسئلة
كثيرة عن مبرراتها. إذ لو كان هذا النادي ومؤتمراته السنوية التي تعقد لا هدف سوى الحوار
وتبادل الآراء أو خدمة العالم لسمح للإعلام بتغطيتها ولكانت له مقررات وبيانات توضح
نتائجه وقراراته وكواليسه.
كثيرون لا يعرفون شيئا عن نادي بيلدربيرغ، لكن،
ربما، طرق أسماعهم شيء عما يعرف بالحكومة العالمّية الخفية، التي بدأ أسمها يظهر للعلن،
بعد نجاح "الياسمينة الزرقاء" و"الربيع العربي" وما تلى ذلك من
عمليات إرهابية وحروب خاصة في سوريا واليمن وليبيا. نادي بيلدبيرغ هو ما يوصف بحكومة
العالم الخفية. وهو أخطر الأيادي الخفية والمجموعات السرية التي توجه إليها الاتهامات
بافتعال الحروب وممارسة الإرهاب وتنفيذ الاغتيالات وخلق المنظمات المتطرفة والمجموعات
الإجرامية التي تعمل في المخدرات والدعارة وتجارة البشر عبر العالم. وحتى يكون كلامنا
علميا وبعيدا عن أية تخيلات أو شطحات، من المهم التعرف على هذا النادي.
يجتمع أعضاء هذا النادي كل سنة منذ تأسيسه سنة
1954 في فندق بيلدربيرغ في هولندا. والاجتماعات هي دائما مغلقة، ويحضرها عدد من أثرياء
العالم وأصحاب النفوذ والسلطة ورجال السياسة والاقتصاد والاتصالات، يقدر بـ100 الى
150 شخصا. وهذه الاجتماعات محاطة بستار من السرية التامة والكتمان والغموض حيث تمنع
وسائل الإعلام من حضورها، لكنه قد يكشف أحيانا عن بعض موضوعات تلك الاجتماعات دون الإشارة
إلى آراء الحاضرين، ولا تسجيل محاضر بشأن ما يدور فيها، إذ لا يصدر عنها أي بيان يشير
إلى ما يتخذ في نهايتها من قرارات.
إن ما يدور في هذه الاجتماعات يطرح فرضيات عديدة
يحاول بعضها التبرير لسريتها، فرئيس اللجنة المنظمة لهذا الاجتماع هنري دي كاستري،
وهو رئيس مجموعة التأمين الفرنسية أكسا، قال في تصريح قبل اجتماع دريسدن هذه الأيام،
إن الهدف من الحوار خلف الأبواب الموصدة هو فقط
لتسهيل هذا الحوار.
لكنها هذا الكلام يفتقر إلى التماسك لأن هذه المجموعة
ليست مكونة من أشخاص عاديين، بل إنها تضم الأسماء الأهم في العالم ممن يملك الثروة
والسلطة والإعلام.. إننا نجد مثلا كتاب غيرهارد فيشنيفسكي "سلطة زعماء بيلدربيرغ"
الذي يحظى بشعبية واسعة بين طيف واسع من المهتمين، يتحدث عن "مؤامرة النخبة الاقتصادية
والسياسية والإعلامية". من الصعوبة تصور انقطاع هؤلاء الأشخاص عن أعمالهم اليومية
والتزاماتهم لعدة أيام من أجل التحدث فقط مع بعضهم بعضا من دون هدف مهم.
إننا نجد في مؤتمر دريسدن شخصيات على درجة كبيرة
من الشهرة والأهمية مثل هنري كيسنجر، ونيلسون وديفيد روكفلر وزبيغنيو بريجينسكين وآلان
غرينسبان وغيرهم من صناع السياسة والاقتصاد والتمويل في الولايات المتحدة.. وفي الأيام
الماضية كان من السهولة رؤية رؤساء مؤسسات صناعية ألمانية كبيرة في دريسدن هذه الأيام،
مثل: "سيمينس" و"شبرينغر" و"إيرباص". بل إننا نجد من
بين المشاركين في هذا الاجتماع رئيس اتحاد الصناعات الألمانية أولريخ غريللو، وكذلك
ثلاثة وزراء: وزير المالية فولغانغ شويبله، والدفاع أورسولا فون دير لاين، والداخلية
توماس دي ميزيير. إضافة إلى ملك هولندا وليم ألكسندر كما أفادت صحيفة Dresdener Neuste Nachrichten وكذلك
وزير المالية الألماني ورئيس الوزراء الهولندي. فضلا عن مديرة صندوق النقد الدولي كريستين
لاغارد. ولا يمكن تصور اجتماع سنوي على هذا المستوى في سرية كاملة دون أن تكون هناك
خطط للسيطرة على العالم والتحكم فيه.
ومنذ 1999 لا يوجد إلا أمين عام واحد لهذا النادي.
ومع وجود نواة صلبة خفية تشكل ثلث المجتمعين، ولا يتغير أعضائها، تتم دعوة أسماء مختلفة
كل سنة. والنواة الصلبة، تضم أعضاء المجس الإداري، وتعمل واجهةً للضيوف الجُدد، وأعضاء
أقل وضوحا كي لا يخشاها القادمين الجدد.
وهؤلاء الأعضاء في النواة الصلبة هم في الحقيقة
قادة كبار في دولهم سياسيا وماليا وامنيا مثل كارل بيلت رئيس وزراء السويد، واوسكار
برونر الرئيس التنفيذي لشركة دير ستاندارد النمساوية، وثيموني كولينز مدير صندوق الاستثمار ريبلورد، وجون ايلكان رئيس
مجموعة فيات، ومارتن فيلشتاين مستشار رونالد ريغن والمستشار الحالي لباراك اوباما هنري
كيسنجر ووزير خارجية امريكا الأسبق هنري كرافيس ومدير الاستثمار المالي صندوق كيه آر
وهو من المتبرعين الاساسيين للحزب الجمهوري الامريكي وبيتريكس ملكة هولندا وديفيد وروبرت
زوليك وهو دبلوماسي امريكي شغل منصب رئيس البنك الدولي، وريتشارد بيرل المخطط والمنظر
لاحتلال العراق وغيرهم..
من الطبيعي أن تكون مجموعة بهذه القوة المالية
والسياسية صانعة الملوك وصاحبة الكلمة الفصل في تحديد من يحكم في أمريكا أو في أوروبا
أو في أي مكان آخر تملك التأثير فيه. فمثلا تناقلت مصادر إعلامية خلال الانتخابات الرئاسية
2008 في الولايات المتحدة، بأن باراك أوباما وهيلاري كلينتون قد اختفيا ليوم واحد في
6/6/2008، للتفاوض بعيدا عن الأعين، لإنهاء حالة التنافس بينهما. وكانا في الحقيقة
قد ذهبا إلى الحلقات الدراسية السنوية لمجموعة بيلدربيرغ، في شانتيلي "بفرجينيا،
الولايات المتحدة". وفي اليوم التالي، أعلنت السيدة كلينتون تنحيها من السباق.
وتحدثت مصادر إعلامية على التوصل إلى اتفاق تصبح بمقتضاه كلينتون رئيسا للولايات المتحدة
بعد انتهاء ولاية أوباما.
وبنفس الطريقة، نقل الإعلام أن مجموعة بيلدربيرغ
نظمت عشاءا مرتجلا، خارج إطار الحلقات الدراسية، في 14 نوفمبر 2009، في قصر فال دو
دوشاس، الذي تعود ملكيته لملك بلجيكا. وألقى خلاله رئيس الوزراء البلجيكي السابق
"هيرمان فان رومبوي" هيرمان كلمةً. وفي وقت لاحق بعد خمسة أيام تم انتخابه
رئيسا للمجلس الأوروبي.
لا يسعى هذا النادي إلى السيطرة على الاقتصاد
والسلطة فحسب، بل إنه يبحث باستمرار في وسائل للسيطرة على العقول من خلال امتلاك مفاتيح
الثقافة كالسينما والمسرح ودور النشر ووسائل الإعلام والسيطرة على ذلك كله للترويج
لأفكاره ولنشر فضائح من يريد التخلص منهم أو يسببون له إزعاجا. فكما تنتشر النوادي
الفاخرة عبر العالم، من أجل نشر أفكاره وتحقيق أهدافه الخفية أو المعلنة، فإن الاعلام
بشكل خاص أصبح اليوم وسيلة ناجعة للتحكم في العقول من خلال الشبكات التليفزيونية الضخمة
ومواقع الانترنيت والتواصل الاجتماعي التي يمتلكها في الغالب أعضاء من هذا النادي.
لقد انتقل المتظاهرون إلى درسدن، وخيموا أمام
أعين رجال الشرطة رافعين لافتتات كتب عليها: “إذا لم يكن لديكم ما تخفونهن فلم تخفون
الكثير؟”. وهذا يعكس جزء من الوعي الشعبي بحقيقة ما يحيكه هذا النادي للعالم.
إن أعضاء نادي بيلدبيرغ هم أيضا أعضاء في الحركة
الماسونية وتفرعاتها، وبعضهم أو ربما كلهم، ينتمون إلى "التنويريين" عبدة
اللوسيفر. لم يعد خافيا أن العالم يحكم من قبل هذه المنظمات السرية. فالمسألة لم تعد
مجرد مؤامرة ما دام هناك شيء يرشح عن هذه المنظمات التي تعتمد المثل الرائج الذي يقول
إن الأسرار الكبيرة يحميها عدم تصديق الناس لها. إن المؤامرة حقيقة يومية ليس في السياسة
وحدها بل في حياتنا اليومية العادية. وبإمكاننا القول، كما يقول كثيرون: المؤامرة هي
إنكار المؤامرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق