الأحد، 4 سبتمبر 2016

الشرق الأوسط الجديد.. والدم العربي المسفوك







قاسم محمد



بناء الجديد يحتاج إلى هدم القديم. وعندما يكون الجديد المأمول كيان سياسي بمواصفات جديدة، فإن الكيانات القديمة لا بد لها أن تختفي. ولا يمكن أن تختفي إلا بتدميرها، وهذا ما يسعى إليه الأمريكيون والصهاينة ومن وراءهما الأخطبوط الماسوني الحاكم في العالم. هناك خطة ممنهجة ومرسومة لإعادة رسم الخرائط. وقد بدأ العمل على ذلك منذ أحداث 11 سبتمبر 2001. حتى الآن تتقدم الخطة. فقد وصلت عمليات التدمير في العراق وسوريا واليمن وليبيا.. إلى مستويات متقدمة.
هذا الكلام لا نقوله لولا الأدلة القطعية التي يشير إليها الواقع والتصريحات الواضحة التي سبقت الحروب التي نراها اليوم. في مقابلة مع القائد الأمريكي السابق لقوات حلف الناتو الجنرال ويسلي كلارك مع ايمي غودمان في تلفزيون Democracy Now  [https://m.youtube.com/watch?v=bSL3JqorkdU] قال هذا الجنرال سنة 2007:
"بعد حوالي 10 أيام من 11 سبتمبر ذهبت إلى البنتاغون وقابلت وزير الدفاع رمزفيلد ونائبه وولفوتز. ثم نزلت الى الطابق الأسفل لأسلم على بعض زملائي ممن عملوا معي في قيادة الاركان المشتركة، وما كان من أحد الجنرالات الا أن ناداني. وقال: سيدي.. عليك أن تدخل عندي لنتكلم للحظة. قلت: لعلك مشغول جداً. قال: لا ..لا. وأضاف: لقد تم إتخاذ القرار بالذهاب للحرب ضد العراق. كان ذلك حوالي 20 سبتمبر 2001. قلت: نحن ذاهبين للحرب على العراق؟ لماذا؟ فأجاب: لا أعرف. لذلك سألت: هل وجدوا أن هناك رابط بين صدام والقاعدة؟ أجاب: لا.. لا.  لا جديد بهذا الشأن. إنهم فقط قرروا الذهاب للحرب ضد العراق. وأضاف: يبدو أننا لا نعرف شيئاً عن الإرهابين ولدينا قوات مسلحة قوية ونستطيع مقاتلة الدول. يبدو أنه إذا كانت لديك قوات مسلحة قوية وتستطيع مقاتلة الدول وأنه إذا كانت أداتك الوحيدة هي المطرقة فستظن أن كل مشكلة هي مسمار".
ويضيف الجنرال القائد السابق لحلف الناتو: "رجعت بعد أسابيع قليلة وكنا حينها قد بدأنا الحرب على أفغانستان. سألت صديقي: هل ما زلنا سنحارب العراق؟ فأجاب: أن الأمر أسوأ من ذلك. أخرج مذكرة من مكتبه وقال: لقد استلمت هذه الآن من مكتب وزير الدفاع اليوم. وأضاف:  إننا سنحارب سبع دول ابتداءً من العراق ثم سوريا ولبنان، وليبيا، والصومال، والسودان وأخيراً ايران". قلت: هل المذكرة مصنفة سري فأجاب نعم سيدي. قلت: إذن لا تريني أياها؟ رأيت هذا الجنرال بعد ذلك بسنة فبادرني قائلاً: سيدي أنا لم أريك تلك المذكرة.. أنا لم أريك تلك المذكرة!".
لا تحكم الولايات المتحدة الأمريكية أحزابٌ، بل إن من يحكم حقيقة هي ما يسمونه بالمؤسسة. والمقصود القوى الرأسمالية الكبرى من شركات ومؤسسات مالية وإعلامية وأكاديمية.. ومهما كان الحزب الحاكم، جمهوريا او ديمقراطيا، فإن الاستراتيجية لا تتغير. وما يبقى للرئيس وفريقه هو هامش صغير.
تبحث أمريكا عن التفرد بزعامة العالم. وهي تعرف أن ذلك لا يمكن أن يحدث قبل السيطرة المطلقة على المنطقة العربية. ولذلك تكرر ذكر هذه الدول السبعة على لسان ويسلي كلارك وهنري كيسنجر وغيرهما. فهي دول غنية بثرواتها الباطنية التي لا نعلم إلا جزء منها. والسيطرة على الثروة شيء أساسي للسيطرة على كل شيء لاحقا.
كان الهدف من إسقاط صدام تعميم الفوضى في العراق وخلق مبرر للمجيء بالقاعدة التي ستلد لاحقا تنظيم داعش. وقد كان العقيد القذافي عارفا بذلك فأجاب سنة 2002 صحفيا أمريكيا حين سأله: "من المستفيد لو تم احتلال العراق؟ فأجاب القذافي دون تردد: ابن لادن. لا شك في ذلك وستصبح العراق مركزاً لانطلاق القاعدة لأنه في حال سقوط نظام صدام حسين ستعم الفوضى العراق. وعند حصول ذلك يصبح أي عمل ضد الامريكان جهاداً". كان الهدف، إذن، خلق حاضنة جغرفية واجتماعية لتنظيم سلفي متطرف سيستخدم لاحقا لتعميم الفوضى ليس في سوريا وحدها بل في المنطقة كلها. لقد كان من الضروري خلق هذا الكيان من أجل تبرير التدخل والغزو الذي تتعرض له سوريا واليمن وليبيا ودول أخرى ستلحق بالقائمة في المستقبل القريب.
هذا الكلام ليس مجرد استنتاجات. بل إنه يستند الى وثائق سرية ظهرت  بناءً على قانون حرية المعلومات حصلت عليها منظمة Judicial Watch  ومنها وثيقة من وكالة الاستخبارات الدفاعية  DIA  عن التعليمات بالموافقة على إنشاء داعش. كان نص مذكرة DIA: "الغرب ودول الخليج وتركيا الذين يؤيدون المعارضة السورية يساندون إنشاء كيان سلفي في شرق سوريا بصورة معلنة أو غير معلنة وذلك لعزل النظام السوري".
واللجوء إلى العصابات السلفية وتدريبها وتسليحها جاء حلا بديلا لفشل التدخل المباشر في المنطقة، وبشكل خاص في الصومال وأفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين، بعد الهزائم المتتالية للأمريكيين والإسرائيليين الذين لم ينتصروا في أي حرب منذ 1967. وهنا تم استبدال تكتيك الحرب بالوكالة بالحرب المباشرة ليصبح العرب والمسلمون في حرب ضد بعضهم بعضا بينما يكتفي الأمريكي بالتوجيه ووضع الخطط والتدريب والتسليح، والتظاهر بخوض المفاوضات التي لا هدف لها سوى إطالة أمد الحرب إلى حين تحقيق الأهداف المرسومة. أما التمويل فيتكفل به الخليجي.
لقد كان ويسلي كلارك واضحا حين قال إن أمريكا صنعت داعش لمحاربة حزب الله. [https://www.youtube.com/watch?v=X7KtYxkWd4w].
وفي الحقيقة ليس الهدف هو فقط محاربة حزب الله، بل إن هناك ما هو أوسع وهو خلق دول فاشلة لأن ذلك يسهل كثيرا تنفيذ الخطة المرسومة. لكن إدخال العرب والمسلمين في حروب داخلية يقتل فيها بعضهم بعضا لا يعتمد فقط على خلق تنظيمات سلفية متطرفة، بل يحتاج إلى إثارة الغرائز الطائفية والدينية والعرقية بأقوى قدر ممكن. وكانت النتيجة هي ما نراه اليوم من اصطفاف طائفي وعرقي وديني حاد تحركه وسائل إعلام عربية ممولة من نفط الخليج غالبا.
يريد الأمريكيون والصهاينة ومَن خلفهم ضمان أمن اسرائيل والسيطرة على آبار النفط والغاز وبقية الثروات الباطنية. لكن هذا ليس هدفا نهائيا بقدر ما هو وسيلة. والهدف الأبعد هو شرق أوسط جديد تقوده الإدارة الأميركية، وشركاؤها الأوروبيون والمحليون في المنطقة. لكن هذا المشروع لا ينسجم تماما مع الأهداف الإسرائيلية التي عبّر عنها رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية هرتس هليفي والتي قال فيها إن القتال ضد تنظيم «داعش» في العراق وسوريا ليس من مصلحة إسرائيل الاستراتيجية ما لم يكن مقترناً بمواجهة حزب الله". تريد إسرائيل أن يركز تنظيم داعش حربه ضد حزب الله بينما تريد أمريكا استخدام هذا التنظيم في مهام أوسع لا تستهدف جهة واحدة بل جهات متعددة بما في ذلك الدول السبعة المستهدفة.
ما نراه اليوم ليست إلا بحيرات من نار تم اشعالها في سوريا واليمن وليبيا.. والخشية أن تصبح تلك البحيرات لاحقا بحرا من نار. إننا نجد اليوم تجمعا واسعا لقوى متعددة في سوريا. حرب متعددة الأطراف والأهداف، وصراعات محتدمة في طبقات متداخلة. طبقة أولى طرفا النزاع فيها داخليان وهما الحكم والمعارضة متعددة الاتجاهات. وطبقة ثانية ركيزتها التنظيمات السلفية المسلحة بتلاوينها المختلفة، وطبقة ثالثة تشمل القوى الإقليمية، وأبرزها تركيا وايران، والسعودية وقطر. وطبقة رابعة أركانها الدول الكبرى؛ روسيا، بحضورها المباشر بطيرانها وقواها البحرية وجزء من عسكرها البري، وأميركا التي تحارب بأدواتها مثل داعش وقوات سوريا الديمقراطية، والتي تملك حضورا عسكريا محدودا.
ليس مستبعدا أن تتوسع الحرب السورية لتشمل المنطقة كلها. فالهدف ليس سوريا فحسب. لكن الخطر الأكبر هو أن يختلف الكبيران الروسي والأمريكي، رغم ما يحاول إظهاره الطرفان من تنسيق بينهما، وأن يؤدي ذلك إلى استخدام أشد الأسلحة فتكا. إذا حدث ذلك فلن يبق مسرح الحرب محصورا في المنطقة العربية. ولن تبق روسيا ولا أمريكا كما هما الآن.





ليست هناك تعليقات: