السبت، 24 سبتمبر 2016

الاستفزازات الأمريكية والاحتقان الروسي.. سيناريو الحرب النووية المدمرة






قاسم محمد

  

لا شيء يشير إلى اتجاه العلاقات الروسية الغربية نحو التهدئة. في كل مرة تتراجع حدة التصريحات، تخرج تصريحات أخرى تزيد المشهد سخونة. الحلف الأطلسي لا يتوقف عن اتهام روسيا باستخدام القوة ضد جيرانها ومحاولة ترهيب حلفاء الأطلسي. فروسيا، بالنسبة للناتو، تمثل تهديدا محتملا. وهي بالنسبة لرئيس المجلس الأميركي مايكل ترنر تمثل تحديا حقيقيا. وهذا "لم يترك للحلف خيارات سوى التفكير في احتمال أن ترتكب روسيا عملاً عدوانياً ضد دولة عضو في الحلف وتعتبره تهديداً محتملاً" حسب قوله.

لم يسكت الروس وقالوا إن حلف شمال الأطلسي ينتهج الأسلوب الموروث عن الحرب الباردة،. وعلق السفير الروسي لدى الحلف، ألكسندر غروشكو في حديث إلى صحيفة روسيسكايا غازيتا الرسمية، بالقول إن "الحلف يعتمد أساليب أمنية كانت سارية خلال الحرب الباردة... ويدعونا إلى العودة إلى الماضي". "الحلف يواصل سياسة، احتواء، روسيا على رغم دعواته إلى فتح حوار سياسي".

لا أحد يريد الحرب إلا أولئك الذين يظنون أنهم يملكون القوة، ويمكنهم إخضاع الآخرين بواسطها. ومن الواضح أن الأمريكان لا يريدون فقط تخويف الأوروبيين ودفعهم إلى شراء المزيد من الأسلحة الأمريكية، بل إنهم يريدون فعلا إشعال الحرب ضد الروس وحلفائهم. وما نراه من تنسيق بين الطرفين في سوريا يخص فقط حركة الطيران العسكري في الأجواء السورية تفاديا للاحتكاك، كما صرح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري.

لم يقتصر المشهد الساخن على التصريحات، بل إن الحلف الأطلسي أطلق في بولندا مناوراته العسكرية أناكوندا-16 أمس الاثنين والتي تشارك فيها أكثر من 20 دولة بحلف شمال الأطلسي وشركاء آخرين. هذه المناورات ليست إلا تصعيدا مباشرا ضد روسيا. فعلى مدى أكثر من عشرة أيام يشارك 30 ألف جندي يدعمهم عدد كبير من المركبات والطائرات والسفن في واحدة من أكبر المناورات على الطرف الشرقي لحلف الأطلسي منذ انتهاء الحرب الباردة في تحرك يزيد الضغوط على العلاقات المتوترة فعليا بين الكرملين والغرب. هذه المناورات التي تشارك فيها الولايات المتحدة الأمريكية بنحو 14 ألف عسكري، تسبق قمة الناتو في وارسو للموافقة على نشر المزيد من القوات شرق أوروبا.
لا تبدأ الحروب فجأة، بل إنها تكون مسبوقة بمناورات وأعمال عسكرية مشتتة هنا وهناك. وهي أيضا تبدأ إعلاميا، حيث تكثر التصريحات والتصريحات المضادة. تشعر روسيا أنها مستهدفة وأنها تكاد تكون محشورة في الزاوية. لكن الغرب يخطئ لو تصور أن روسيا ضعيفة وأنها لا تستطيع الرد العسكري المناسب الذي قد يفاجئ الأوروبيين والأمريكيين معا.
قبل أشهر، قال المخرج الصربي الشهير أمير كوستوريكا صاحب فيلم زمن الغجر في مقال له، إن الحرب العالمية الثالثة ستبدأ عندما تضيق الولايات المتحدة الأمريكية ذرعا من قناة روسيا اليوم فتقرر قصفها، وتقوم روسيا بتدمير الـسي آن آن ردا على ذلك.
لم يكن كلام المخرج الصربي مغالاة، بل كان استنتاجا يعكس الحرب الإعلامية الشرسة بين روسيا وأمريكا وأوروبا التي لم تتوقف منذ أن اشتعل الصراع في شرق أوكرانيا ونجحت روسيا في استعادة جزيرة القرم ونجح معها إعلامها، وفي مقدمته قناة روسيا اليوم، في التصدي للحملة الإعلامية التي كان يشنها الإعلام الغربي، وعلى رأسه قناة سي آن آن الأمريكية وبي بي سي البريطانية وفرانس 24 الفرنسية، ضد روسيا.
لم تقصف أمريكا حتى الآن قناة روسيا اليوم التي تعد الذراع الاعلامي الأقوى للروس في العالم حيث يشاهد القناة العربية مثلا 18.2 مليون مشاهد في العالم، فالحرب الفعلية لم تبدأ بعد. إلا أن الحرب الاعلامية الجارية الآن بين الغرب من خلال قناة سي آن آن وقناة روسيا اليوم تؤكد مدى شراسة هذه الحرب التي ازدادت خشونة بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا إلى جانب النظام والضربات الجوية التي ينفذها الطيران الروسي ضد المجموعات المسلحة المدعومة أمريكيا وخليجيا.
كثيرون باتوا اليوم يصفون السيناريو المرعب؛ حرب نووية مدمرة لا تبقي ولا تذر. فقد وجّه مجموعة من العلماء والعاملين الروس في الولايات المتحدة رسالة مفتوحة مفادها أن العالم على وشك حرب عالمية ثالثة ستكون نووية هذه المرة وستطحن كل ما بناه الإنسان. والمسؤول الأول عن هذه الحرب هم المحافظون الجدد من السياسيين الأمريكيين المغامرين الذين يقودون الولايات المتحدة نحو الدمار الشامل، وليس فقط العالم.
تقول الرسالة: "نحن نشاهد بقلق بالغ سياسات الولايات المتحدة والناتو وهي تسير نحو اصطدام خطير مع الاتحاد الروسي وكذلك الصين. والكثير من الأمريكيين المحترمين بدأوا يحذّرون من حرب عالمية ثالثة تلوح في الأفق، ولكن تحذيراتهم تضيع في خضم بحر إعلام غارق في تزييف الحقائق مدعياً أن الاقتصاد الروسي على وشك الانهيار، وأن قواته المسلحة ضعيفة، لكننا، نحن من يعلم الحقيقة، نؤكد أن هذه أكاذيب ونحذر شعب الولايات المتحدة من هذه الأكاذيب ونود أن نقول لهم بكل بساطة، إذا قامت حرب مع روسيا فإن الولايات المتحدة سيتم تدميرها بكل تأكيد وسنصبح جميعاً من الأموات!". ويضيف أصحاب الرسالة: "بعكس بعض الأمريكيين الذين يرون في الحروب شيئاً مثيراً، فإن الروس يكرهونها ويخافونها ولكنهم الآن مستعدون لها. كما أن أي حرب تقليدية في أوروبا بين الناتو وروسيا ستنتهي بحرب نووية".
ترفض الولايات المتحدة معاملة روسيا ندا وشريكا. وهي لا تريد المحافظة على وضعها قوة أحادية، فحسب، بل تريد، فوق ذلك، أن تلتهم العالم كله لتكون روسيا مثل أي دولة أخرى تابعة لها بشكل مطلق حيث لا أمر إلا أمر السيد الأمريكي. لكن الولايات المتحدة الأمريكية لا يبدو أنها تحسب حسابا لقوة المناهضين لسياساتها، وهي تراها أقل من أن تكون قادرة على مواجهة قوتها التي يقول السياسيون الأمريكيون أن لا أحد يعرف حجمها الحقيقي ولا نوعيتها..
وإذا استمر الاستفزاز الأمريكي لروسيا، واستمرت السياسات العدوانية تجاهها، فإن الغضب الروسي سيتراكم إلى أن يصبح لجمه شيئا ممتنعا. وحينها لن يكون ممكنا تخيّل حجم القوة التي يمكن أن يستخدمها الروس ولا كيفية الرد الأمريكي الأطلسي. وإذا بدأت الولايات المتحدة أو الناتو بتوجيه الضربة الأولى فإن الاحتقان الروسي سينفجر، ولن يكون ممكنا توقع مداه. وحتى لو فاجأت أمريكا الروس وقتلت جميع قادتهم، فإن نظام Dead Hand أو the Perimeter System   لن يتأخر في توجيه هجوم مضاد بشكل أوتوماتيكي يحوِّل الولايات المتحدة إلى كومة خراب ويجعلها قاعاً صفصفاً.
إننا اليوم أمام الاحتمال الأسوأ في تاريخ البشر..



ليست هناك تعليقات: