الثلاثاء، 23 أكتوبر 2018

هل وقع طارق رمضان في فخ أم أنه كان فعلا يمارس الإزدواجية؟






قاسم شعيب


لم يتردد الإعلام الغربي في إسباغ الألقاب الفخمة على الأكاديمي والباحث السويسري من أصل مصري طارق رمضان، فوصفته الواشنطن بوست بمارتن لوثر الاسلام واعتبرته تايم الأمريكية نجما إسلاميا وعدته من بين أهم مائة شخصية في العالم. بينما أطلق عليه آخرون ألقابا مثل مالكم إكس الأبيض ومارتن لوثر كينغ المسلم. ورغم أن الأخ الأكبر، كما يسميه عشّاقه، يلقَى الكثير من الحضوة في أوروبا والغرب وفي كثير من بلاد العرب، إلا أنه يواجه منذ فترة أوقاتا صعبة بعد ظهور امرأة فرنسية على إحدى شاشات التلفيزيون في فرنسا تتهمه بالتحرش والاغتصاب، ثم تلتها أخرى، ليرفعا معا قضيتين ضده وهو ما اضطره إلى طلب إجازة من جامعة اكسفورد التي يعمل بها، ورفع قضية مضادة ضد المرأتين، معتبرا نفسه مستهدفا بسبب خطابه. غير أنه لم يجد مفرا أخيرا، هذا الإثنين، من الاعتراف أنه كذب وأنه فعلا أقام علاقات جنسية مع المرأتين هند عياري وكريستال.
مستنير أم محافظ؟
يجد المتابعون لطارق رمضان ونشاطاته من هواة التصنيف صعوبة في فهم فكر الرجل وهل هو اصلاحي مستنير أم داعية محافظ، ليبرالي غربي أم إسلامي غربي.. يرفض رمضان كل تلك التصنيفات ويعتبر نفسه مسلما غربيا، فهو لا يقدم نفسه محافظا ولا إصلاحيا ولا ليبراليا ولا حتى إسلاميا. تحاشى رمضان كل ذلك وركّز اهتمامه على تقديم خطاب اعتبره كثيرون متوازنا. ولعل إلمامه الواسع بالواقع الغربي وامتلاكه لعدة معرفية تراثية جعلاه يفرض رأيه في أغلب حواراته كما فعل مع نيكولا ساركوزي الرئيس الفرنسي السابق وجان ماري لوبان زعيم الجبهة الوطنية الفرنسية السابق. وتلك القدرة جلبت له احترام الكثير من الشباب المسلم في الغرب وجعلت أفكاره نموذجا بالنسبة للكثيرين من أجل الجمع بين الانتماء الديني الذي يحملونه وثقافة العصر الذي يعيشونه.
ولد رمضان ونشأ في سويسرا في عائلة متشبعة بالفكر الإخواني، فجَدُّه لأمه هو مؤسس حركة الإخوان المسلمين حسن البنا وأبوه سعيد رمضان هو السكريتير السابق للبنا.. عمل أستاذا في عدة جامعات أوروبية، وهو الآن مدير مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق ومقره الدوحة. وعضو في الفريق الاستشاري لوزارة الخارجية البريطانية في حرية الدين والمعتقد. وهو أيضا مستشار وخبير لدى عدة لجان في البرلمان الأوروبي. من الواضح أن نشاطاته الفكرية والسياسية والخيرية وأسفاره إلى دول عديدة مثل البرازيل والهند وإفريقيا ومقابلته لشخصيات مؤثرة مثل الدالاي لاما والأم تيريزا ودوم إيلدر كامار مؤسس ما يعرف بلاهوت التحرر، مكنته كلها من اكتساب صيت وتأثير كبيرين.
مستقبل الإسلام الأوروبي
يتحدث رمضان كثيرا عن مستقبل الإسلام الأوروبي في مجموعة من المحاضرات والمؤلفات. وهو يركز على عدم وجود تناقض بين الإسلام والعلمانية المنفتحة. وقد انتقد الإجراء الفرنسي لمنع الحجاب في المدارس واعتبره خطوة إلى الوراء مناقضة لقيم الحرية والعدالة والأخوة التي تمثل جزءا من شعارات الثورة الفرنسية.
وعندما كان الغربيون يتحدثون عن صراع الحضارات كان رمضان يتحدث عن صراع التصورات. فما يوجد في الواقع ليس صراعا حضاريا بين الاسلام والغرب ولكنه صراع بين تصورات مغلوطة عن الآخر بسبب المسبقات التي لا تستند إلى معطيات موضوعية. ولأجل إنهاء ذلك الصراع لا بد من التوقف عن إطلاق الأحكام المستندة إلى أفكار مسبقة. واحترام كرامة الإنسان حيث يتعرض المهاجرون إلى نمط جديد من العبودية والاستغلال من خلال استخدامهم في تجارة المخدرات والبغاء والأعمال الشاقة..
ولم يتردد رمضان في كشف الدور الذي يلعبه اللوبي الثقافي الصهيوني في الغرب من على المنابر الاعلامية الفرنسية بعد أن عمل إيريك زمور اليهودي من أصل جزائري على التقليل من أهمية طروحاته، واعتبره المحلل السياسي انطوان صفير أخطر مفكر إسلاموي في الغرب يقف ضد اندماج المسلمين في الغرب ويقدم خطابا مزدوجا. وهو الأمر الذي أصرت عليه كارولين فورست عندما عنونت كتابها عن طارق رمضان بـ"الخطاب المزدوج لطارق رمضان". وهذه الكاتبة هي التي تتدّعي أنها شجعت الناشطة، هنده عياري، لرفع قضية ضد رمضان، وتتهم كل المسلمين في فرنسا، بمعاداة السامية.
وازدواجية الخطاب التي يُتّهم بها رمضان أكد عليها آخرون خلال محاكمة صهيب بالشيخ ومحمد سيفاوي اللذان قالا إن رمضان يمارس ازدواجية حيث إنه يقول أمام الإعلام الغربي شيئا ويصرح أمام أنصاره المسلمين بشيء آخر. لكن رمضان رفض ذلك وأكد أن أفكاره واحدة وخطابه يختلف باختلاف الجمهور، وأن الذين يتهمونه بالازدواجية يركزون على مصادره ويهملون تحليلاته، مشيرا إلى أن الازدواجية هي في الاستماع بسبب رؤية دغمائية تصر على نفي وجود إسلام منفتح.
الإسلام وقراءاته
يميز طارق رمضان بين الإسلام والإسلامية. فالأول هو الدين ذاته. والثانية هي فهم المسلمين له. والخلط بين الإثنين هو ما يسبب الفوبيا المنتشرة في الغرب من الإسلام. وهو يعتبر أن الاختلاف في فهم الاسلام شيء طبيعي. ورغم انقسام المسلمين إلى كتلتين كبيرتين إلا أنهما معا مسلمين مادام الجميع ينطق الشهادتين. واختلاف التيارات الدينية المعاصرة يؤكد أن أفكارها لا تمثل إلا وجهات نظر خاصة تتراوح بين التوازن والاعتدال والعنف والتطرف. والحَرْفيون الذي لا يفهمون عمق النصوص ويتمسكون بالمتشابه فيها دون المحكم هم الأكثر تطرفا والأكثر إثارة لهواجس الغربيين.
وبسبب تأكيده على سماحة الإسلام ودعوته إلى السلام، تعرض رمضان إلى حملات متشددين بعضهم من التيار الوهابي وآخرون أعضاء في جماعة الاخوان المسلمين. فقد أصر على أهمية التعايش مع المجتمعات والثقافات التي يعيش مسلمون بينها، واعتبر أن الجهاد اليوم وسط تلك المجتمعات لابد أن يركز على الكلمة والحوار والإقناع. وهذا يعني ضرورة توسيع جغرافية النص وإصلاح فهمه في واقع مختلف، فالهدف ليس التكيّف مع الواقع ولكن تغييره وهو ما يفرض الاستعانة بمناهج عمليّة وفلسفية وإنسانية جديدة. وهذا ما أوصله إلى إعادة النظر في مسائل الفقه والشريعة وسلطة العلماء من أجل تحرير النص من القراءة الأحادية الدينية لتصبح تلك القراءة حقا لكل من يملك معرفة في أي مجال من المجالات العلمية الطبيعية أو الإنسانية. وهذه الجغرافيا الجديدة لفهم النص تعتمد على علم المقاصد الذي يملك القدرة على توسيع فهمنا للنصوص.
كان طارق رمضان يمارس في أوروبا دورا مزدوجا يجمع بين الفكر والسياسة. لكن خطابه لا يُرضي جهات متعددة. فالتيارات المتشددة لا تقبل بما يطرحه، وتعتبره خروجا عن النص. وفي الوقت نفسه يمثل ذلك الخطاب إزعاجا كبيرا لبعض اللوبيات الثقافية التي لا يعجبها خطاب رمضان. وتبقى هناك تساؤلات: هل تمت الإطاحة برمضان عبر إغوائه؟ أم أنه كان فعلا يمارس ازدواجية بين خطاب إسلاموي وممارسة مناقضة لذلك الخطاب؟ هل فرض نفسه فعلا أكاديميا ومفكرا في الجامعات والمراكز العلمية الغربية؟ أم أن الإعلام الغربي وجِهات أكاديميّة وسياسيّة أخرى استخدمته على مدى سنوات لجمع المعلومات وفهم طريقة تفكير قسم كبير من المسلمين، وهم الآن يرون أن دوره انتهى؟ 


ليست هناك تعليقات: