قاسم شعيب
كثيرون يهربون من
سنة النبي ص هذه الأيام. حتى السنة الصحيحة يرفضونها بمبررات واهية. يقولون أحيانا
إن زمنها قد ولّى. وأحيانا أخرى يؤكدون إنها مليئة بالموضوعات والإسرائيليات.. والحقيقة،
إن هذه النزعة قديمة. وقد لجأ إليها كل أولئك الذين تُدِين السنة النبوية ممارساتهم
الخاطئة أو طريقتهم المعوجّة في التفكير.
صحيح أن كتب الحديث
تتضمن أحاديث ضعيفة أو موضوعة. لكن ذلك لا يبرر التخلي عن السنة النبوية من الأساس.
بل إن نظام العبادات قائم في معظمه على السنة. وأكثر تفاصيل العقيدة موجودة في الحديث
والقرآن لم يتعرض إليها إلا في شكل برقي.
عادت هذه النزعة
لتظهر من جديد مع مجموعة من العلمانيين الوضعيين من اجل إباحة المحرمات مثل الخمور
والزنا والشذوذ.. وهذه حالة محمد شحرور وعبد المجيد الشرفي ومحمد الطالبي وألفة
يوسف..
والجديد اليوم أن
بعض المعممين، وهي حالة كمال الحيدري، يدخلون على خط التشكيك في السنة النبوية. هذا
الرجل خرج علينا ليقول إن منهجه يعتمد على اصلين فقط هما القرآن والعقل.
لأول وهلة يمكن أن
يعجب المرء بهذا الكلام. لكن من الواضح أن القرآن حمّال ذو وجوه كما كان يقول الإمام
علي. ولذلك يمكن تفسير الآية القرآنية الواحدة بأشكال متناقضة..
أما العقل فهو في
الحقيقة عقول. ونحن نعرف حجم الاختلافات بين الناس رغم أن كل طرف يدعي أنه يحترم العقل،
حتى أن بعض الناس يقتل ظلما باسم العقل.
ولأجل ذلك لا مفر
من الالتزام بسنة النبي بعد تنظيفها من الروايات الموضوعة. فالسنة كنز لا يقدر بتمن
لمن اطلع عليها. ولا يمكن أبدا التفريط فيها. إن السنّة هي التي توضح الحقيقة الدينية
وتحدد المعنى القرآني وتفصل الشريعة وتعلم الأخلاق وتفرع العقيدة وتعمق الإيمان وتفسر
ما تعجز عن تفسيره العقول.
ولعل ما دفع الحيدري
إلى إعلان تخليه عن السنة منهجيا هو نزعة الغلو لديه. فهو كما يدعي يرفض نسبة السهو
إلى النبي ص رغم وجود أحاديث صحيحة لدى الشيعة والسنة في هذا الصدد. إنه يدعي أن النبي
لا يمكن أن يسهو لأنه الإنسان الكامل والحقيقة الكبرى.. في حين أن كمال النبي الإنساني
لا يتناقض مع مسألة السهو البشرية. فالسهو قد يحدث بهدف تعليم الناس كما صرحت أحاديث
أخرى، كما يمكن ان يكون جزء من بشرية الرسول ص. فالنبي ص كما يمكن أن يتعب وينام ويمرض..
يمكن أيضا ان يسهو.. فليس هناك مطلق الا الله سبحانه الذي "لا تأخذه سنة ولا نوم".
ونحن نستطيع أن نضيف
أصلا رابعا، إضافة إلى القرآن والسنة والعقل. وهذا الأصل هو القيم التي تعبر عنها الصفات
الإلهية. فهي الخيط الذي يجمع القرآن والسنة والعقل باعتبار ان هذه الأصول تتفق كلها
في خدمة القيم الانسانية الكبرى كالعدل والكرامة والحرية والسماحة والعفو والكرم والفضيلة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق