الأربعاء، 14 يونيو 2017

ترامب وحماس وحكومة العالم الخفية






قاسم شعيب


لم يختلف مؤتمر بلدربيرغ، الذي عُقد في بداية هذا الشهر في العاصمة الأمريكية واشنطن غير بعيد من المكتب البيضاوي، عن المؤتمرات السابقة من حيث سرية وغموض مداولاته ومُخرَجاته. شارك هذه المرة مائة وواحد الثلاثون شخصا، هم نخبة مختارة من أصحاب النفوذ من كبار رجال الأعمال ومدراء الشركات الكبرى والسياسيين للتأثير على صناعة القرار عالمياً، وكان في مقدمتهم وزير الخارجية الامريكية الأسبق هنري كيسنجر،  ورئيس حلف الناتو، ينس ستولتنبرغ ، ومديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، وملك هولندا، والسفير الصيني لدى الولايات المتحدة تسوى تيانكاي..  

وهؤلاء المشاركون، الذين تقتصر الدعوة عليهم، هم من دول حلف شمال الأطلسي، الذين لديهم اطلاع على معلومات بالغة السرية أو من صناع القرار السياسي والعسكري والاقتصادي والفكري والإعلامي. ثلثا المجتمعين يأتون عادة من دول أوروبا والبقية من أمريكا الشمالية؛ الولايات المتحدة، وكندا، والمكسيك.

أما أجندة اجتماع هذا العام، فكانت مناقشة مسائل: رئاسة دونالد ترامب، والصين، والذكاء الاصطناعي، وعلاقات روسيا الدولية، والطاقة النووية، وحرب المعلومات، واتجاه الاتحاد الأوروبي، وهل يمكن تبطئة العولمة؟، ونمو الشعبوية واليمين المتطرف، والناتو، والأحداث الجارية.

لم يكن مفاجئا أن يتصدّر الرئيس الامريكي ترامب وإدارته أهم القضايا المطروحة، فقد كُتِبَ في أعلى جدول أعمال المؤتمر: "إدارة ترامب: تقرير تطورات العمل"، كما نقلت صحيفة الغارديان البريطانية. فمجموعة بيلدبيرغ هي التي تحاسب الرئيس لأنها هي التي تقرر من يكون رئيسا للولايات المتحدة، وماذا يجب عليه أن يفعل، ومتى يجب أن يغادر إذا لزم الأمر.
أرسل البيت الأبيض بعض أهم رموز فريق ترامب؛ ومنهم مستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، ووزير التجارة ويلبر روس، والخبير الاستراتيجي الجديد في إدارة ترامب كريس ليديل.. للدفاع عن رئيسهم ومناقشة معارضي الرئيس، وفي مقدمتهم إريك شميت رئيس شركة "ألفابيت" المظلة التي تضم كل أنشطة العملاق غوغل.

وطرحت الغارديان تساؤلات ساخرة، ولكنها جدية أيضا، من نوع: هل سيُعاقَب الرئيس ويُحتجز بسبب كتابته تغريداتٍ على تويتر بالفصل؟ وهل سيُطلب منه إفراغ محتويات خزانته والمغادرة؟ فإذا كان هناك مكانٌ ما يمكن أن يسمع فيه الرئيس كلمات "أنت مفصول"، فهو مجموعة بلدربيرغ.
ليس صعبا على المراقب أن يلاحظ النتائج التي أظهرتها زيارة ترامب إلى السعودية التي وصفها إبان حملته الانتخابية بـ"البقرة الحلوب التي إذا ما جف ضرعها ذبحناها".. فبعد أن كان "الإخوان" و"الوهابيون" يسيرون معا في نفس الخندق ويهاجمون طوال السنوات الست الماضية إيران وسوريا والشيعة.. أصبحت الآن المعركة بين التيارين نفسيهما؛ "الإخوان" برعاية قطر وتركيا، و"الوهابية" برعاية السعودية وحلفاؤها.

لكن ترامب الذي اجتمع مطولا ولعدة أيام قبل السفر إلى الرياض مع هنري كسينجر الرجل المؤثر في حكومة العالم الخفية، يبدو أنه نجح في مهمته. فزيادة على النصف تريليون دولار الذي عاد به إلى بلاده، استطاع تحريض السعوديين ضد القطريين والصاق تهمة دعم الإرهاب بهم، كما لو كان السعوديون لا يدعمون الغرهاب ولا مولونه وبشكل أوسع بكثير.

وافتعال معركة في هذا التوقيت بين تيارين واسعين داخل أكبر فريق من المسلمين يعني أن المشروع الأمريكي مصرٌّ على التفتيت. فهذا المشروع وضعه المستشرق الأمريكي الصهيوني برنرد لويس فى عهد جيمي كارتر، ووافق عليه الكونغرس الأمريكي بالإجماع في جلسة سرية عام 1983. وتمَّ تقنينه واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الإستراتيجية المستقبلية. وصل برنارد لويس إلي واشنطن ليكون مستشارًا لوزير الدفاع لشئون الشرق الأوسط. وهناك أسس فكرة تفكيك البلاد العربية والإسلامية، ودفع الأتراك والأكراد والعرب والفلسطينيين والإيرانيين ليقاتل بعضهم بعضًا، وهو الذى ابتدع مبررات غزو العراق وأفغانستان.

والجزء الآخر في المشروع يتعلق بتفكيك الوحدة الدستورية لجميع الدول العربية والإسلامية، وتفتيت كل منها إلي مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، وقد أوضح ذلك بالخرائط التى أشار فيها إلى التجمعات العرقية والمذهبية والدينية والتى على أساسها يتم التقسيم. وقد تم تسليم المشروع إلى بريجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد جيمي كارتر وهو الذى قام بدوره في إشعال حرب الخليج الثانية حتى تستطيع الولايات المتحدة تصحيح حدود سايكس بيكو ليكون متسقا مع المصالح الصهيوأمريكية. هذه الاستراتيجية هي التى يتم تنفيذها بدقة حتى اليوم.

غير أن القصة لا تتوقف عند مجرد التفتيت. يعرف الأمريكيون أن العقبة الأخيرة أمام إعلان القدس عاصمة لإسرائيل وإفراغ فلسطين عموما وغزة خاصة من أهلها، يحتاج إلى رفع الدعم عن حماس وبقية المنظمات التي لا تزال تؤمن بالمقاومة وتمثل السد الأخير أمام تقدم المشروع الصهيوني، وإلصاق تهمة الإرهاب بها.

واتهام حماس بالإرهاب هي وبقية حركات المقاومة هو ما يمكن أن يوفر فرصة ومبررا لهجوم إسرائيلي متوقع على غزة، بدعوى محاربة الإرهاب، تستخدم فيه مختلف الأسلحة التقليدية والمحرمة بشكل غير مسبوق وسط دعم عربي إعلامي وسياسي علني لإسرائيل. والهجوم على غزة يراه الصهاينة ضروريا، رغم مخاطره في تقديرهم، من أجل دفع الناس إلى البحث عن ملجأ لن يكون سوى سيناء التي تم الاتفاق مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على فتحها أمام الفلسطينيين لتكون وطنا بديلا لهم مقابل أكثر من 580 مليار تدفعها السعودية لمصر على مدى عشر سنوات كما تقول تقارير..

ما يفعله ترامب في المنطقة ودفعها إلى التقاتل ليصبح العرب والمسلمون أعداء بعضهم بعضا بدل إسرائيل، ثم مباشرة التمهيد للهجوم على غزة ليس سوى ما تمليه عليه حكومة العالم الخفية التي تبنت مشروع برنارد لويس. وأي تلكؤ يصدر عنه لن يعني شيئا سوى التخلص منه بالطريقة المناسبة. ولعل الضغوط المتواصلة ضده هي من أجل إخضاعه بشكل كامل لينفذ كل ما يطلب منه.

غير أنه في المقابل لن تقف المقاومة الفلسطينية مكتوفة الأيدي، فهي بعد كل عدوان تتعرض له تخرج أقوى وتبدأ في استخلاص الدروس. ورغم الحصار القاسي المضروب على غزة منذ سنوات، يعرف الصهيوني قبل غيره أن مخططاته لا تنجح، رغم كل ما يملكه من قوة وجبروت ودعم سياسي وإعلامي عالمي، مادام هناك عرق مقاوم ينبض..






ليست هناك تعليقات: