الخميس، 11 مايو 2017

قطيع ترامب.. الحلف الصهيوهابي في مواجهة إيران







قاسم شعيب

تعوّد الرئيس الأمريكي الاجتماع برؤساء الدول على انفراد. غير أن ترامب قرر كسر العادة وجَمْع زعامات 17 دولة عربية ومسلمة في العاصمة السعودية الرياض. فالرجل يشعر أنه يتعامل مع قطيع تابع له وليس مع زعماء لكيانات سياسية مستقلة. لا تتعلق المسألة بمسح الوجه العنصري لدونالد ترامب والكره الفائض عنه تجاه الإسلام والذي عكسه ذلك القرار بمنع مواطني أكثر من ست دول عربية ومسلمة من دخول الولايات المتحدة فحسب، بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى خطّة تبدو ملامحها واضحة، وتستهدف إيران بشكل خاص..
تبقى السعودية الدولة العربية الأهّم بالنسبة لواشنطن في الشرق الأوسط، ليس فقط بسبب سيطرتها على احتياطي النفط الأكبر في العالم، بل أيضًا بسبب موقفها الإقليميّ والدينيّ، على حدّ تعبير أحد مستشاري ترامب.
يُظهر السعوديون استعدادات غير مسبوقة لاستقبال رئيس دولة لم يخرج منها إلا الشرّ في تعاملها مع العرب والمسلمين. فهي الدولة المسؤولة عن الحروب المشتعلة في المنطقة من العراق إلى سوريا ومن ليبيا الى اليمن. وهي الدولة المسؤولة عن خراب اقصادات دول عديدة من مصر إلى تونس ومن لبنان الى السعودية ومن باكستان الى السودان والقرن الافريقي الذي انتكس في مجاعات مستمرة بسبب سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الذي لا هدف له إلا اغراق الدول في المديونية وتحويلها إلى بقرة حلوب لعقود طويلة يتم خلالها تدمير التعليم والثقافة والاقتصاد والبنى التحية وفرض تبعية سياسية كاملة.
تجوّل وزير خارجية السعودية بين دول عربية ومسلمة عديدة مثل العراق والأردن ومصر وتونس والجزائر والمغرب وباكستان.. لتوزيع ما يشبه "مذكرات جلب" على عجل. لا يتعلق الأمر بتكريم أمريكي للعرب والمسلمين كما يريد أن يوحي الأمريكيون، بل أن المسألة تتعلق بذهنية الرئيس التاجر الذي فضل التعامل بالجملة مع الرؤوس وليس بالمفرد والمفرّق. فهذا يختصر الوقت ويوفر الجهود.
لم تتوقف مظاهر الخصومة بين الرياض وطهران على مدى أربعة قرون إذا ما استثنينا فترات قليلة. وعندما يختار الرئيس الأمريكي الرياض ليجْمَع فيها حكّام العرب والمسلمين، فإن ذلك لن يكون إلا من أجل الإعلام وإصدار الأوامر، وليس من أجل التشاور كما قد يقال. فالتشاور عادة ما يكون مسبوقا باجتماعات وزارية ودبلوماسية يتم فيهم تداول المواضيع المطروحة والوصول إلى اتفاقات مشتركة قبل اجتماع الرؤساء. وهذا ما لم يحدث كما هو واضح من هرولة الوزير السعودي نحو العواصم لتوزيع دعواته على "المعازيم" للعريس ترامب الذي انهى بالكاد مائة يوم في البيت الأبيض.

يتساءل المُستشرق الإسرائيليّ، يوني بن مناحيم، من "المعهد الأورشليمي للدراسات والأبحاث السياسيّة" في دراسةٍ جديدةٍ نشرها على موقع المعهد، عن مغزى اختار ترامب أنْ تكون أوّل زيارةٍ له إلى خارج الولايات المُتحدّة لكلٍّ من السعوديّة وإسرائيل، وهما الدولتان اللتان تسعيان بقوة لإقناع صنّاع القرار في واشنطن بتشديد الضغط على إيران وتجديد العقوبات حتى إلغاء الاتفاق النوويّ المُوقّع معها، باعتبارها الدولة "الراعية للإرهاب" في الشرق الأوسط، حسب يزعم أركان الحكم في تل أبيب والرياض.

لا نظن أن صيغة هذا السؤال صحيحة. فترامب أعلن منذ حملته الانتخابية أنه سيراجع الاتفاق النووي مع إيران ولم يتوقف عن مهاجمتها في كل مناسبة. وهذا يعني أن توجه ترامب ليس بسبب ضغوط السعودية وإسرائيل. بل إن هناك قرار أمريكي باستهداف إيران عبر السعودية وإسرائيل. إن من يقرر الاستراتيجية الأمريكية لا يقبع لا في الرياض ولا في تل أبيب، بل إنه يعيش في الظلام فيما يعرف بالمؤسسة ومهمته هي إصدار الأوامر بشكل أو بآخر للرئيس الأمريكي وإدارته التي لا مهمة لها سوى التنفيذ. فالمؤسسة هي التي تضع استراتيجية الدولة والإدارات تنفّذ.

وقد سبق لهنري كيسنجر أحد رؤوس المؤسسة الحاكمة وماسكي خيوط اللعبة أن صرّح لجريدة "ديلي سكيب" الأمريكية أن الشباب الأمريكي والأوروبي قد تلقوا تدريبات جيدة خلال القتال في السنوات العشر الماضية، وعندما ستَصدر لهم الأوامر بالخروج إلى الشوارع لمحاربة تلك "الذقون المجنونة"، حسب تعبيره، فسوف يطيعون الأوامر ويحولونهم - يقصد المسلمين- إلى رماد. وقال أيضا إن "أمريكا وإسرائيل قد جهزتا نعشاً لروسيا وإيران، وستكون إيران هي المسمار الأخير في هذا النعش، بعدما منحتهم أمريكا فرصة للتعافي والإحساس الزائف بالقوة. بعدها ستسقطان للأبد، لتتمكن أمريكا "الماسونية" من بناء مجتمع عالمي جديد، لن يكون فيه مكان سوى لحكومة واحدة تتمتع بالقوة الخارقة".

ومن هنا فإن تأكيد المُستشرق الإسرائيليّ على أنّ الرئيس الأمريكي يصل للشرق الأوسط من أجل بناء "الشراكة الإستراتيجيّة" من جديد مع "المحور السنيّ" في مواجهة ايران وحلفائها بعد الزيارات التي أداها الأمير السعودي محمد بن سلمان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الاردني الى واشنطن..
كان أوباما قد فضّل زيارة مصر في بداية ولايته الأولى. لم تكن المواجهة مع إيران مطروحة آنذاك. لكن الأمر يختلف اليوم. والسعودية المستعدة لفعل كل ما يطلب منها، يريد لها ترامب وإدارته أن تكون المنصّة لاستهداف إيران وهو الأمر الذي عبّر عنه محمد بن سلمان بوضوح حين قال: "يريدون السيطرة على العالم الإسلامي، وأن منطقهم تحضير البيئة الخصبة لحضور المهدي المنتظر"... "السعودية هدف رئيسي للنظام الإيراني. ولن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل سنعمل لكي تكون المعركة عندهم في إيران وليس في السعودية". 
إن محاربة داعش والإرهاب الذي أُعلن مبرّرا لزيارة ترامب إلى المنطقة العربية وأوروبا ليست إلا كذبة مفضوحة، فترامب نفسه قال إن أوباما هو من أنشأ داعش.. هو ذاهب لتوحيد الديانات الثلاث؛ الوهابية واليهودية والكاثوليكية كما قالت تلغراف ضد ايران لمهاجمتها من الداخل ومن الخارج في وقت واحد..
لا يمكن للسعودية التي يحرضها الأمريكان أن تتوهم النجاة إذا ما قررت مهاجمة إيران أو اللعب على مشاكلها الداخلية من خلال دعم المعارضة.
حاول الإيرانيون على مدى الشهور الماضية تهدئة الخطاب وإبداء الاستعداد لتحسين العلاقات. لكن ذلك لا يقابل بالمثل. وجاءت تصريحات قادة الحرس الثوري تتهم بوضوح إسرائيل والسعودية بمحاولة زعرعزمة الاستقرار في إيران. وقد أكد رئيس الأركان الإيراني اللواء محمد باقري، في وقت سابق أن القوات المسلحة الإيرانية جاهزة "للرد والردع"، وأن التهديدات التي توجهها بعض الدول إلى إيران لا تشكل أي مصدر قلق لبلاده. وهذا يعني أن الايرانيين يعون جيدا ماذا يدبّر لهم ويتّخذون احتياطاتهم اللازمة لمواجهة الموقف في أي لحظة.
يأتي ترامب إلى السعودية محمّلا باتّفاقات على صفقات سلاح كبيرة تقدر بعشرات الملايين من الدولارات، من بينها منظومات أسلحة حديثة للجيش السعوديّ، وعازما على وضع حجر الأساس للمحور الصهيوهابي الأوسع لمواجهة إيران وحلفائها.
لم تعد العلاقات الدبلوماسية العربية الصهيونية خفية، وبات اللعب الآن على المكشوف. بل أن الامر تجاوز مجرد علاقات دبلوماسية إلى بناء خط لسكك الحديد حسب خطّة وزير الاستخبارات والمواصلات الإسرائيليّ، يسرائيل كاتس، القاضية بربط دول الخليج العربيّ عن طريق الأردن بتلك السكّة الحديديّة، وهي الخطّة التي تحظى بدعمٍ كاملٍ من رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، وإدارة ترامب.
يسابق الأمريكيون والصهاينة وتابعوهم الزمن من أجل تسريع تنفيذ خططهم في توسيع نار الحرب تمهيدا لإعادة تقسيم المنطقة على أسس عرقية ودينية وطائفية. والمدهش هو الانخراط العربي الأعمى في مشروع يستهدف كياناتهم ذاتها والتي كانت نتيجة لاتفاقات سايكس بيكو. إن ذلك لا يفسره شيء سوى أنهم ليسوا عربا وأنه تم فرضهم في غفلة من شعوب المنطقة لتمرير أجندات تفضح نفسها كل يوم.


ليست هناك تعليقات: