ترامب صحبة سلمان والسيسي وهم يضعون أيديهم على البلورة السحرية!
قاسم شعيب
بعد أن غادر ترامب السعودية بوقت قصير،
انطلقت الصواريخ الإعلامية السعودية والإماراتية الموجّهة عبر شاشات التلفزيون ومواقع
الإنترنت المختلفة ضد قطر بدعوى دعم الإرهاب والانحياز إلى إيران وتخريب المنطقة..
بل إن هناك من خرج ليذكِّر أمير قطر بمصير محمد مرسي في مصر.
ظن كثيرون أن الأمر مجرد زوبعة في
فنجان وأنه سيتوقف عند هذا الحد. غير أن ما خرج أمس الإثنين، في ذكرى نكسة حزيران،
من قرارات لقطع العلاقات مع قطر وإعلان غلق الحدود البرية والبحرية والجوية التي صدرت
من عدة دول؛ هي السعودية والإمارات والبحرين ومصر وجزر المالديف، يؤكد أن الأمر جدّي
وأن هناك خطة متكاملة قد يكون هدفها إسقاط النظام القطري عبر انقلاب عسكري أو
افتعال حرب ضدها بشكل مباشر ومن خلال دعم المعارضة وتسليحها لتحقيق هذا الهدف حيث
لا يبدو أن السعوديين ومَن وراءَهم سيقبلون بأية تنازلات يقدمها القطريون الذين لا
يبدو عليهم، بدورهم، الاستعداد من لتقديم كل ما يُطلب منهم من تنازلات. وقد يكون
هدفها أكثر خطورة؛ يريد إشعال المنطقة كلها وإغراقها في حرب الكل ضد الكل خدمة
للمصالح الأمريكية والصهيونية في المنطقة..
يعتبر السعوديون دولة قطر الابن العاق.
فالقطريون بالنسبة لهم مجرد فخذ سعودي تمرد على عشيرته وانفصل عنها. ولابد للابن
العاق أن يعود يوما إلى عشيرته الكبيرة. أراد القطريون منذ إنشاء دولتهم أن
يختلفوا عن السعوديين حتى في طريقة وضع "العقال" على الرأس وتفصيل الزي القطري
"الدشداشة".
وعندما كانت السعودية تصرف المليارات
لبناء المساجد الوهابية المتشددة عبر العالم وتوزع كتب ابن تيمية ومحمد بن عبد
الوهاب مجانا وتدعم ماليا العمليات الإرهابية للقاعدة ثم تنظيم داعش.. وتحاول أن
تغطي على ذلك كله بإنشاء شبكة قنوات مثل روتانا والأم بي سي المنخرطة بشكل كامل في
المنظومة الإعلامية الأمريكية الليبرالية، كانت قطر تحاول تبنّي نسخة وهابية أخرى
"معتدلة" من خلال استقطاب رموز "الفكر السلفي" ورؤوس التيار
الإخواني الذين كان ولا يزال يوسف القرضاوي أبرزهم، ومن خلال بناء مساجد فخمة مثل
مسجد "محمد بن الوهاب"، مؤسس المذهب الوهابي والذي يدّعي آل ثاني
الانتساب العائلي إليه.. هذا كله يعني وجود رغبة قطرية قوية للخروج عن التبعية
للسعودية ليس فقط في السياسات العامة وإنما أيضا في كثير من تفاصيل الحياة.
لم تخمد الهواجس القطرية من اعتداء
السعوديين عليهم يوما. وينقل عن الأمير القطري السابق حمد بن خليفة قوله:
"كلما ننام نتوقع تغزونا السعودية ليلا!".. لم تختفِ العداوة القطرية
السعودية رغم أنها دخلت لفترات في حالة خمود، واستمر الحذر القطري حاضرا والغضب
السعودي متأججا.
يستنكف القطريون من التبعية للسعوديين وهم لذلك
أرادوا أن يتميزوا عنهم في سياساتهم فاخترعوا "السلفية الناعمة" ودعموا
"الإخوان المسلمين" في كل مكان ووقفوا مع ما يسمى "الربيع
العربي" وعارضوا الانقلاب على مرسي في مصر وأغدقوا المليارات من أجل حضور
قطري في المحافل الإقليمية والدولية وبناء ترسانة إعلامية تقودها شبكة
"الجزيرة".. وحاولوا الامتداد خارج حدودهم فاشتروا عقارات ضخمة ونواد
رياضية وموّلوا جمعيات وأحزاب وشخصيات.. وعندما اختار السعوديون علاقات سرية مع
الصهاينة، قرر القطريون فتح مكتب علني للمصالح الإسرائيلية في الدوحة.
تبدو الآن الفرصة مناسبة في رأي
السعوديين لإعادة قطر إلى بيت الطاعة بعد أن أُعطِيت ضوءا أخضرَ أمريكي في زيارة
ترامب الأخيرة التي عاد فيها على بلاده محملا بـ480 مليار دولار هي قيمة العقود
الموقعة، وإعلان الكثير من حلفائها دعم خطواتها في السر والعلن. بدأ القصف
الإعلامي بعد مغادرة الرئيس الأمريكي مباشرة فتمت نسبة تصريحات إلى أمير قطر نفتها
حكومته واعتبرت أن موقع وكالة الأنباء القطرية تم اختراقه.
لا يبدو أن السعوديين سيتوقفون قبل تحقيق
الأهداف المرسومة. وعندما يغرد عبر تويتر رئيس لجنة العلاقات العامة السعودية الأمريكية
سلمان الأنصاري قائلا: "إلى أمير قطر؛ بخصوص اصطفافكم مع حكومة إيران المتطرفة
وإساءتكم لخادم الحرمين؛ فأود تذكيركم بأن محمد مرسي فعل نفس الشيء وتم عزله وسجنه"،
فإن ذلك لا يعني شيئا غير التهديد بالإطاحة بالأمير الشاب بشكل واضح ومباشر.
ستكون مصادفة عجيبة نشر ثلاثة عشر مقالا
في الصحافة الأمريكية حول الخطر الذي تشكله قطر على الاستقرار في المنطقة بعد
زيارة ترامب إلى السعودية. إذ متى كان الإعلام الأمريكي يعطي كل هذه الأهمية لقطر؟
من الواضح أن الهجوم على قطر دبر بليل - أو نهار، لا فرق - مع سبق الإصرار والترصد.
لكن السؤال قد يكون حول التوقيت والسبب.
لم تشفع للقطريين مساهمتهم في العدوان
على اليمن إلى جانب السعوديين والإماراتيين والمصريين.. ولم يشفع لهم التمويل
الباذخ لمجموعات مقاتلة وإرهابية في سورية ضد الجيش السوري وحلفائه، ولم يشفع لهم
إرسال قواتهم للمساهمة في حماية الحدود السعودية الجنوبية مع اليمن، وهو ما لم تقدم
على فعله حتى مصر التي تشارك في التحالف. ولم يشفع لهم تسليم معارض سياسي إلى السعودية
في اليوم نفسه الذي تعرضت فيه للهجوم بحجة تأييدها لإيران. إن ذلك كله له دلالته
بعد تلك الرقصة الشهيرة للرئيس الأمريكي.
لا نتصور أبدا أن المسألة زوبعة في
فنجان بعد تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان الذي اعتبر أن قرار عدد من
الدول العربية قطع علاقاتها مع قطر يمثل فرصة ممتازة لتوحيد الجهود مع إسرائيل في محاربة
الإرهاب، مؤكدا أن قرار الدول التي قطعت علاقاتها
مع قطر خشية "الإرهاب"، تمكّن إسرائيل، في حقيقة الأمر، من مد يدها لها للتعاون
في المعركة ضد الإرهاب.
وفي تقدير صحيفة "جيروزليم بوست"
هناك "خمسة أسباب تجعل إسرائيل معنية بالأزمة القطرية"، هي: أن الأزمة تضر
بحماس. وتمهد للتقارب بين إسرائيل من جهة والسعودية ودول الخليج الأخرى ومصر من جهة
أخرى. وتثبت عودة النفوذ الأمريكي إلى المنطقة. وتنزع الشرعية عن "الإرهاب".
وكذلك تساهم الأزمة في تعزيز مواقع إسرائيل في المنطقة بشكل عام ومواقع الحكومة الإسرائيلية
الحالية بشكل خاص.
وقد كانت تغريدة السفير الإسرائيلي في أمريكا
مايكل أوران على تويتر واضحة في ترحيبها بالأزمة عندما أعلن: "انتهاء عصر التحالف
العربي ضد اسرائيل.. وبداية عصر تحالف عربي اسرائيلي ضد قطر التي تدعم الإرهاب".
هذه التصريحات تؤكد ما تضمنته وثيقة
سربتها قطر بعد انطلاق الهجوم الإعلامي السعودي الإماراتي والتي تتحدث عن الخطوات الأمريكية
القادمة بالاتفاق مع السعودية والإمارات لبناء "الشرق الأوسط الجديد".. ومن
تلك الخطوات: تدبير انقلاب في قطر أو عزلها دوليا، ومحاصرة جماعة الإخوان المسلمين
دولياً، وإغلاق وسائل إعلامها وتصنيفها جماعة إرهابية ومصادرة أموالها.
وكذلك توجيه ضربة إسرائيلية لقطاع غزة وتسهيل
تدخل بري مصري لإحداث فوضى تؤدي إلى تمكين رجال المستشار الأمني لمحمد بن زايد القيادي
المفصول من حركة فتح محمد دحلان في القطاع. وعزل الأمير محمد بن نايف وتعيين ولي ولي
العهد السعودي محمد بن سلمان ولياً للعهد بمباركةٍ أمريكية. وإقامة علاقات رسمية ومعلنة
بين الدولة العربية وإسرائيل وتسوية القضية الفلسطينية على حساب الأراضي المصريّة..
وهذا يعني أن هناك قرارا بتصفية جماعة "الإخوان" وداعميهم في كل العالم مثل
قطر. كما قد يعني تقوية القريبين من الجناح السعودي الإماراتي حتى لو كان ذلك بشكل
مؤقت..
من يتابع تصريحات الإسرائيليين وتهليلهم يفهم أن
إسرائيل هي المستفيد من الهجوم على قطر وضرب حصار عليها. ولأجل ذلك من مهم أن نقرأ
ما يحدث في الخليج، تماما كما في العراق وسوريا والمنطقة كلها، في إطار المشروع الأمريكي
الصهيوني المعلن: "الفوضى الخلاقة": من أجل "الشرق الأوسط الجديد".
ليس المال هدفا بذاته بالنسبة إلى الأمريكي فهو أصلا موضوع في بنوكه.. ولا هو
النفط لأن هذا النفط واقع بالفعل تحت سيطرة شركات الأمريكية والغربية التي يعرف
الجميع من يملكها..
يستغل الأمريكيون والإسرائيليون مطامح محمد
بن سلمان في العرش والمطامع السعودية في ضم الدولة الجارة، لتحريض المملكة
المتهالكة هي وحلفائها ضد قطر، ليس لأن قطر عدوة لإسرائيل، فهذا لا واقع له
بالنسبة إلى دولة تقيم علاقات علنية معها وتقدم ما يمكنها خدمة لمصالح الكيان الغاصب،
بل لأن الدور القطري انتهى، والدور الإخواني انتهى أيضا. وأصبح الهدف هو إدخال
المنطقة كلها في حروب وفوضى من أجل صناعة واقع جديد وخريطة جديدة للمنطقة، يسميها
البعض سايكس بيكو جديد، تكون فيه إسرائيل أقوى وأكبر وأكثر نفوذا وقوة وتحكما في
المنطقة. لقد اُستُخدمت السعودية حتى الآن لتدمير العراق وسوريا، وهي الآن تُستخدم
لتدمير منطقة الخليج كلها قبل الانقضاض عليها هي نفسها..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق