السبت، 31 مارس 2018

مناورة ترامب الجديدة





مناورة ترامب الجديدة


قاسم شعيب



بعد أن أقصى وزير خارجيته ريكس تيلرسون وجاء بمايك بومبيو مكانه وثنى بتعيين جون بولتون مستشارا للأمن القومي أصبح ترامب يقود حكومة حرب. فالدفاع والخارجية والأمن والمخابرات أصبحت كلها بأيدي متطرفين انجيليين عمل بعضهم مع الرئيس الامريكي الأسبق بوش الابن.
لكن المفاجأة إعلان الرئيس الأمريكي أمس عن سحب قوات بلاده قريبا جدا من سوريا بسبب الانفاق العسكري المرتفع هناك والذي وصل إلى سبعة تريليونات دولار دون الحصول على شيء كما قال..
قال ترامب إن بلاده قضت على داعش. وهذا كلام لا واقع له. فقد كان الجيش العراقي والحشد الشعبي هم من حارب داعش بدعم إيراني. والمشاركة الأمريكية والتحالف في المعارك تبقى مشبوهة لأننا نعرف كيف تم نقل دواعش من الرقة التي فروا إليها بعد استعادة الموصل إلى أفغانستان وسيناء كما صرح الرئيس التركي أردغان وأكده الرئيس المصري السيسي.
بل إننا نرى اليوم كيف يعود داعش تدريجيا إلى الظهور. فهو منتج أمريكي طويل الأمد يستهدف الأسواق العربية والإسلامية. وتكمن خطورته في أن واشنطن تستطيع تنويمه وإيقاظه في الزمان والمكان الذي تريد. نقلت الولايات المتحدة جزء من داعش إلى سيناء وأفغانستان والجزء الآخر أُخفي. والآن تستعد جيوب داعش، التي استبقاها الأمريكان في دير الزور وكركوك ونينوى، للتحرك من جديد لرسم خارطة جديدة وتغيّر جديد في مناطق النفوذ. يبقى داعش ذراعا لـ سي ىي ايه وما لا يريد الجيش الأمريكي وبلاك ووتر تنفيذه تنفذه داعش.
لا يمكن للولايات المتحدة أن تترك ثروات سوريا التي بنت حولها قواعد عسكرية تصل إلى 20 قاعدة بسهولة. فنحن لم نر محتلا واحدا عبر التاريخ خرج طواعية، وعندما يضطر المحتل للانسحاب العسكري فإنه يعمل على تأمين مصالحه الاقتصادية والثقافية عبر وكلاء يختارهم بعناية ليخدع بهم أهل الأرض عندما يستطيع ذلك.
إعلان ترامب عن الانسحاب قريبا من سوريا يذكرنا بإعلان أوباما عن انسحاب مماثل منذ سنوات بفعل ضربات المقاومة العراقية لكن ذلك كان مجرد خدعة لتهدئة المعارضة المتزايدة للوجود الأمريكي. واليوم يوجد في العراق وحدها 5500 جندي أمريكي حسب المعلن ولا يستبعد أن يكون الرقم أكبر بكثير. كما أن بوتين فعل ذلك وأعلن أكثر من مرة الانسحاب من سوريا ولم يحدث شيء من ذلك في الواقع. ومن الممكن أن ترامب كان يتحدث في سياق آخر يقصد به الأتراك وأراد أن يشعرهم أن قواته لن تتعرض لهم شرق الفرات أين تتمركز.
غير أنه لو صح أن الأمريكان يريدون الخروج من سوريا فهذا قد يعني أن زلازل عسكرية قادمة حضرت لها واشنطن. وخروجهم لن يكون إلا مراوغة لتجنب تداعياتها. وأول تلك الزلازل ما يحضّر له في الأردن منذ مدة والتي سبق للروس أن كشفوا عنه لضرب دمشق بشكل مباشر.
يحمل ترامب عقل تاجر، ويحسب مصالح أمريكا الاقتصاديّة، ويُقدمها على المصالح السياسيّة، كما فعل مع محمد بن سلمان الذي عقد معه صفقات عسكرية واقتصادية تصل الى 200 مليار دولار في رحلته إلى أمريكا التي تتواصل حتى الآن. لكن ترامب لا يحكم وحده. فالمؤسسة هي التي تحدد السياسات العامة للبلاد وهي التي تفرض خياراتها.
يحسن الأمريكيون المناورة. وهم لم يخسروا حتى الآن في سوريا جنديا واحدا. وتحملت دول الخليج كل المصاريف أو أكثرها على الأقل، ومن ذلك الدعم السخي للمعارضة المسلحة التي تخسر مواقعها، اليوم، الواحد بعد الآخر بعد توقف حنفيات الدولارات، وتخلي الخليجيين والأتراك والأمريكيين عنهم لحسابات لا تبدو الآن واضحة ومن المؤكد أنها ستظهر لاحقا.
لا شيء يدل على أن ما قاله ترامب جدي. وقد كان وزير الخارجية الساق تيلرسون أعلن أن أمريكا ستبقى لمدة طويلة في سوريا. كما أن وزارة الخارجية نفت علمها بوجود خطط للانسحاب من سوريا. لكن المؤكد أن الإدارة الأمريكية بصدد إعداد سيناريو جديد في سوريا ربما يكون فاصلا وعلى درجة كبيرة من الخطورة رغم أن تفاصيله لا تزال مجهولة.

ليست هناك تعليقات: