الأربعاء، 24 أكتوبر 2018

الراقص أردغان!





قاسم شعيب


بعد أن رفع أردغان سقف التوقعات عاليا قبل خروجه إلى الناس بخطاب عن قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي، صُدِم الكثيرون بخطاب فارغ لا يتضمن جديدا. كرّر أردغان ما سربته الصحافة والإعلام على مدى أيام ولم يفعل أكثر من التلميح إلى تورّط جهات رسمية سعودية أساسية.
لم يكن ذلك غريبا بالنسبة للرئيس التركي الذي لا يمكنه تجاوز السقف الأمريكي الذي حَدّد مسبقا الحد الأعلى لتلك التصريحات بعد وصول مديرة المخابرات الأمريكية على عجل إلى أنقرة بعد أن غادرها وزير الخارجية بلدها بومبيو. فلابد أن تنسيقا جرى لتحديد النقاط التي يمكن أن تقال والنقاط التي لا ينبغي أن تقال.
لا يبدو أن أردغان قادر على اتخاذ مواقف جذرية. بل إن قضية خاشقجي ربما مثلت فرصة بالنسبة له لابتزاز السعودية. والابتزاز يتطلب الاحتفاظ ببعض الأوراق أو كلها وعدم إلقائها. من الواضح أن المخابرات التركية كانت على علم مسبق بالعملية وقد جهزت كل ما تحتاج لتوثيق العملية وتركها تأخذ مجراها دون تدخل. أما كيف عرفت المخابرات التركية بذلك فهناك طرق كثيرة. ولعل وجود التركية خديجة التي رافقت خاشقجي إلى القنصلية وقالت إنها خطيبته يمثل أحد مفاتيح اللغز. اتهمت خديجة بالولاء لفتح الله غولن الذي تخرجت من إحدى مدارسه واشترطت عليها السلطة التركية الانضمام الى حزب العدالة والتنمية لإطلاق سراحها. ثم انضمت لاحقا إلى الاستخبارات الخارجية التركية. والمعقول أن تكون خديجة قد أوقعت خاشقجي في فخها وكانت مكلفة بمهمة مرافقته لكشف تفاصيل عملية التصفية التي دبرتها المخابرات السعودية له من أجل الحصول على إثباتات للعملية. والمعقول أيضا أن يكون قد جرى ذلك بتنسيق كامل مع الاستخبارات الأمريكية.
برّر بعض المقربين من أردغان عدم اتهامه ولي العهد السعودي مباشرة بالعملية بأن المعلومات التي لديه لا تزال معلومات استخباراتية تجسسية تحتاج إلى تحقيق قضائي. وليس ممكنا له استباق عمل القضاء. هذا الكلام سيكون وجيها لو كان حقيقيا ويطبق على القضايا المشابهة مثل اتهام غولن وأنصاره بتنفيذ انقلاب فاشل واعتقال الآلاف من الناس بتهم لا يمكن أن تثبت مثل المشاركة في الانقلاب بينما يعرف الجميع أن الانقلابات هي عادة من تدبير جماعة محدودة العدد.
لم يكن عدم اكتمال التحقيقات هو سبب عدم توجيه الاتهام للرسميين السعوديين. بل إنه كان ممكنا في هذه الحالة نشر التسجيلات التي قال الإعلام التركي إنها تثبت تورط سعود القحطاني وولي العهد في العملية. لكن ذلك لم يحدث. وهذا ما أراح ولي العهد السعودي الذي خرج اليوم مشيدا بأردغان ومتحدثا عن تركيا الشقيقة بدل تركيا العصملية!
يقول الإعلام السعودي أن المتهم بري حتى تثبت إدانته. سيتطلب الأمر مقدارا من الغباء حتى يقول صاحبه هذا الكلام بعد أن اعترف الرسميون السعوديون بالجريمة. لا توجد في السعودية مؤسسات من أي نوع. فلا دستور ولا برلمان ولا انتخابات ولا شفافية ولا رقابة ولا قضاء مستقل ولا إعلام ضاغط ولا حريات ولا عدالة، بل كل ما يوجد هو فقط فرد أو أفراد يحكمون بشكل مزاجي ومطلق ولا رقيب عليهم في كل ما يفعلون. ويبدو أن أردغان الذي طار إليه خالد الفيصل وقدم له حزمة من الإغراءات لإسقاط القضية قد خضع لذلك رغم أنه صرح أنه لا يقبل الرشوة السياسية. من المرجح أنه قال ذلك لإبعاد الشبهة بعد أن علم الرأي العام التركي بمجي الأمير السعودي.
تمر بتركيا منذ سنوات عواصف متتالية. فمن الأزمة السورية انتقلت إلى الأزمة مع الروس ثم ظهرت أزمة الانقلاب فأزمة القس الأمريكي وعقوبات ترمب. ووصلنا أخيرا إلى أزمة الصحفي خاشقجي. وفي كل تلك الأزمات برهن أردغان أنه لاعب سياسي ماهر ولكن دون قيم وأخلاقيات. فهو يعد ويخلف، يبيع ويشتري، مبديا استعداده لفعل أي شي فقط لضمان مصالح قد تكون شخصية أكثر منها وطنية.
يعزف ترمب فيرقص أردغان فيُعجَب بذلك ابن سلمان!


ليست هناك تعليقات: