الثلاثاء، 16 أكتوبر 2018

اغتيال خاشقجي.. هل كان فخا أمريكيا له ما بعده؟






قاسم شعيب


بعد أحداث سقيفة بني ساعدة المعروفة، رفض سعد بن عبادة الاعتراف بشرعية الحاكم الجديد وبيعته وخرج إلى الشام. لم يمر وقت طويل حتى تعرض ابن عبادة إلى كمين وتم اغتياله. قيل حينها إن الجن قتلته!.. وأغلق الملف. حوادث الاغتيال السياسي كثيرة ومن يدبرها عادة هو المتضرر من الضحية. عادة ما يكون ذلك الضحية معارضا شرسا أو منشقا يملك أسرارا خطيرة يخشى الحاكم إفشاءها. والحالة الثانية هي حالة الصحفي جمال خاشقجي. فقد عمل الرجل لسنوات مستشارا إعلاميا للأمير تركي الفيصل وصديق للأمير الوليد بن طلال. لكنه ليس الأول الذي تتم تصفيته من المعارضة السعودية فقد سبق لناصر آل سعيد صاحب كتاب "تاريخ آل سعود الدمويين"، أن اعتقل في بيروت عام 1979 بمساعدة ياسر عرفات ورميت جثته في صحراء السعودية.
ساهم خاشقجي في فترة الثمانينيات في "الجهاد الأفغاني". وكان مقرباً من التيار السلفي في صيغته الليبرالية المتأثرة بمهاجري الإخوان المسلمين المصريين في السعودية. ومآخذه على السياسات الجديدة لابن سلمان ليست فكرية بالأساس، بل تكاد تكون شخصية بعد منعه من التغريد والكتابة في صحيفة الحياة. ومن الممكن أن تكون بقدر ما سياسية بسبب رفضه للطريقة التي يسعى من خلالها ولي العهد إلى التخلص من رموز التيار الصحوي الذي هيمن بعد حادثة جهيمان العتيبي عام 1979.
لم يعلن خاشقجي انشقاقه عن النظام السعودي ولكنه خير المغادرة وتوجيه انتقادات خفيفة حول السياسات الجديدة لبلاده. لم يكن شرسا ضد النظام ولم يقل شيئا يقوله عادة المعارضون الكبار لأنظمة الحكم الشمولية. غير أن ذلك لم يشفع له. ويبدو أن هناك خليطا من الخوف منه والحقد عليه عجل بنهايته. يخشى البلاط السعودي إفشاء الأسرار التي يحملها رجل كان قريبا من مخابرات البلد وهي أسرار عائلية كما هي أسرار دولة، ويحقد عليه لأنه منشق، والمنشق عن مثل تلك الأنظمة خائن يستحق القتل في عرفها.
أثبتت الصور والفيديوات أن خاشقجي دخل القنصلية السعودية في اسطنبول ولا يوجد دليل واحد على أنه خرج. دخل ولم يخرج. ولم تستطع الحكومة السعودية تقديم أية إجابات عن مصير الرجل. نقلت وكالات الأنباء أخبارا كثيرة عن تعذيب خاشقجي في القنصلية وقتله وتقطيع جسده بمنشار الكتروني. عندما خرجت الرواية لأول مرة كانت صادمة ومقززة. وشعر الجميع أننا أمام نظام متوحش بلا حدود. تقول الرواية إن 15 شخصا قريبين من ولى العهد ابن سلمان دخلوا الى القنصلية قبيل وصول خاشقجي وحققوا معه وعذبوه قبل قتله وتقطيع جسده. ثم ظهرت روايات لاحقة حول وضع الجسد المقطع في حقائب دبلوماسية وتهريبه إلى السعودية. كانت هناك روايات حول متابعة ابن سلمان بنفسه للعملية وأنه شاهد الصور عبر دائرة بث مباشر.
خيرت السلطات التركية تسريب ما تملكه من معلومات قطرة قطرة عن طريق الإعلام ودون تأكيد رسمي. وفي كل مرة تسند وكالات الأنباء تصريحا لمسؤول تركي سواء كان أمنيا أو سياسيا، لكن لم يتم إصدار بيان ولم توجه الحكومة التركية اتهاما صريحا للدولة السعودية. هذا السلوك جعل الكثيرين يستنتجون أن صفقة ما كانت تأخذ مسارها بين تركيا والسعودية برعاية أمريكية.
رجح الرئيس الأمريكي في البداية قتل خاشجي وتوعد بعقاب شديد للدولة السعودية إذا ثبت ذلك. لكنه بدأ لاحقا يتراجع ليقول لنا إن "مجموعة مارقة" قد تكون هي من ارتكب الجريمة. صفقة ما لابد أنها دفعت ترمب إلى تغيير مسار تصريحاته التي تأكد أنها كانت فقط للضغط على ابن سلمان لتقديم ما هو مطلوب منه للفلفة القضية واتهام مارقين أو شيء من هذا القبيل بارتكاب الجريمة حيث لا مجال لنفيها.
دخل خاشقجي القنصلية ولم يخرج. وهو ما يعني أنه قتل خاصة بعد أن دخل فريق تحقيق تركي القنصلية وقال إنه وجد أدلة على قتل الرجل فيها. يبقى على أجهزة المخابرات اختراع قصة محكمة لتبرير عملية القتل. وزير الخارجية الأمريكي بومبيو طار إلى السعودية ليس لمعرفة ما حدث كما ادعى ترمب بل لتنسيق التصريحات وضبط الرواية الرسمية عن مقتل الصحفي السعودي.
السؤال الذي يبقى معلقا الآن في انتظار تطور سلسلة الأحداث هو ماذا وراء مقتل خاشقجي؟ وكيف سيكون تأثير ذلك على سلوك ابن سلمان؟ لا شك أن أمريكا اختارته ليكون وليا للعهد كما صرح ترمب ذات مرة. وهي لم تفعل ذلك إلا بعد دراسة شخصيته والاتفاق معه على جملة من الشروط. لا يمكن لابن سلمان أن يكون قد تصرف في قضية خاشقجي دون ضو أخضر أمريكي. وهذا هو الفخ الذي وقع فيه. تريد أمريكا إدخال الخليج كله في فوضى وهذا الأمر ليس ممكنا دون حرب. ولا يمكن الدفع في اتجاهها دون ابتزاز متواصل لا هدف له سوى افقارها. وعندما تصبح المملكة السعودية عاجزة عن تأمين الطلبات المالية الأمريكية، فإنها لن تجد مفرا من خيار الحرب من أجل تأمين القدرة على الدفع.
تبدو اليوم العين مفتوحة على الكويت التي زارها ابن سلمان قبل أيام من اختفاء خاشقجي وطلب من أميرها تسليمه مناطق حدودية مشتركة هي موضوع خلاف من أجل استغلال حقلين نفطيين ضخمين فيها وهما حقل الخفجي ومنطقة الزُّور والخيران أو دفع 300 مليار دولار سنويا للسعودية. رفض أمير الكويت الابتزاز ونقلت عنه تسريبات تقول "إن هذا  "الخبل" -ويقصد ابن سلمان- طامع في ثرواتنا ويريد تدمير بلاده وبلادنا بسبب ذلك "الوسخ" ابن زايد".
كلام الأمير الكويتي صادر عن معرفة بما يفكر فيه ابن سلمان الذي قال إنه يريد توحيد الجزيرة العربية ولو بالقوة من أجل مواجهة "أطماع إيران التوسعية". ولاشك أن ذلك هو ما تريده الولايات المتحدة من أجل إغراق السعودية والخليج كله في حرب جديدة قد لا تخرج منها هذه المرة أبدا قبل إعلان نهايتها. سبق لترمب أن تحدث عن مرحلتين في التعامل مع "البقرة السعودية". الأولى هي الحلب والثانية هي الذبح حين يجف الضرع. ويبدو أنه ماض في تنفيذ مخططه.

ليست هناك تعليقات: