لم يكن العدوان الغربي، الذي استهدف سوريا فجر
الرابع عشر من أفريل- نيسان، مستبعدا، بل كان متوقعا. كان هناك ضجيج كثيف قبل
تنفيذه ومناورات أطلقها ترامب عبر تويتر هدد فيها مرة وتوعد واستبعد الضربة مرة أخرى
قبل أن يهاجم..
لا شك أن تنسيقا عالي المستوى حدث بين الأمريكيين
والبريطانيين والفرنسيين قبل الهجوم. غير أنه ليس واضحا إن كان الروس في الصورة.
وكل ما قيل هو أن الفرنسيين أخبروهم بالعملية أثناء الهجوم. لم يكن الاعتداء بحجم
التهديد بل إنه كان محدودا واستعراضيا. وبعد أن أخذ السوريون احتياطاتهم لم تكن
الضربات مؤثرة ولم يكن هناك ضحايا. واقتصر الأمر على الخسائر المادية.
لم يتراجع الأمريكي عن توعّده، ولكن أيضا
لم يشن الحرب التي توقعها الكثيرون. وهناك احتمالان ممكنان لذلك لا يلغي أحدهما
الآخر بل إنهما قد يكونان مقصودان معا.
الاحتمال الأول هو تنفيذ مناورة عسكرية
غربية يشترك فيه الأمريكي مع حلفائه الأوروبيين لمزيد من التنسيق وتبادل الأدوار.
أراد الغربيون تجربة أسلحة جديدة ومعرفة مدى فعاليتها. وهذا الأمر يمكن أن نفهمه
من كلام ترامب الذي تحدث عن صواريخ جديدة وذكية يريد استخدامها في سورية.
وبحسب وسائل إعلام
أمريكية تم استخدام قاذفات بي 1. وشاركت سفينة حربية أمريكية واحدة على الأقل بالبحر
الأحمر في العدوان. واستخدمت صواريخ من طراز "توماهوك". أما بريطانيا
فقد استخدمت أربع طائرات من طراز تورنادو راف في الاعتداء على سوريا.
كما استخدمت صواريخ ضد مبنى عسكري يقع على بعد 24 كيلومترا غربي حمص. أما فرنسا
فاستخدمت طائرات رافال لاستهداف منشآت تابعة للحكومة السورية.
لم نعرف حقيقة الصواريخ التي اتخدمها
الغربيون سوى ما قيل عن الصواريخ الأمريكية إنها صواريخ توماهوك. بينما تسربت بعض
المعلومات حول استخدام فرنسا صواريخ موجّهة جديدة اسمها DMCN كلفة
الصاروخ الواحد 2.86 مليون يورو.
أما الاحتمال الثاني فهو ممارسة المزيد من الابتزاز لدول الخليج
وخاصة منها المملكة السعودية من أجل دفع فواتير مضاعفة لتكلفة الضربات. قدر خبراء عسكريون تكلفة الضربات العسكرية التي شنتها الدول الثلاث
ضد أهداف سورية، بنحو 240 مليون دولار.
تبقى الميزانية العسكرية
للولايات المتحدة، أكبر ميزانية عسكرية في العالم وتصل إلى نحو نصف تريليون دولار في
بعض السنوات. وتكلفة الاعتداء تعتبر
محدودة جدا مقارنة بإجمالي حجم الموازنات العسكرية للدول الثلاث المشاركة في القصف
من ناحية، ومقارنة بالنفقات العسكرية إبان الحرب في الخليج ضد العراق، من ناحية أخرى،
والتي تكلفت نحو 6 تريليونات دولار.
لكن ترامب كان
قد استبق الهجوم العسكري، بتوجيه رسالة إلى دول الخليج أعلن خلالها عن أمله في أن تموّل
تكلفة وجود القوات الأمريكية في سوريا، والتي طالب خلالها مستشاريه بترتيب انسحاب قواته
خلال ستة أشهر وفقا لـ"سي إن إن".
وقد أكدت صحيفة غازيتا
الروسية ذلك حين قالت إن الولايات المتحدة ألزمت السعودية بدفع ثمن العملية العسكرية
الأمريكية على الأراضي السورية، وفقاً لما ورد في تصريحات الرئيس الأمريكي في 3 أفريل
نيسان الجاري.
لم يكتف
الأمريكيون بإجبار السعوديين على دفع فاتورة الاعتداء على سوريا، بل إنهم يطلبون
منهم الآن المشاركة في وجود عسكري بري على الأراضي السوري بحجة محاربة الإرهاب.
لم تكن الضربة حفظا لماء الوجه كما قال
بعضهم، بل إننا نميل الى رأي غورباتشوف آخر رؤساء الاتحاد السفياتي المنحل الذي
قال فيه إن الضربة بمثابة مناورة إحمائية لضربات حقيقية قادمة. كانت الضربة العدوانية
على الأرجح تمهيدا لإعادة رسم خريطة النفوذ في سوريا وهو ما فاجأ الروس
والإيرانيين.. لن يتوقف الأمريكيون وحلفاؤهم عن استفزاز الروس إلى أن يقع الاشتباك
الذي يريدونه.
وفي كل الأحوال، يحتاج السوريون وحلفاؤهم
إلى إيقاف الاعتداءات الأمريكية والغربية والإسرائيلية. ومن دون رد قوي وحقيقي
يواجه ضربة بضربة وصاروخا بصاروخ فإن أمريكا وإسرائيل والغرب سيتمادون في اعتداءاتهم
إلى أن تحين اللحظة ويصبح فيها ممكنا توجيه الضربة الأخيرة.
من الممكن أن تكون هناك خشية من ردة فعل
الأمريكيين والإسرائيليين تمنع السوريين وحلفاءهم من الرد في عمق الأراضي المحتلة
أو في قواعد المعتدين التي تنطلق منها طائراتهم وصواريخهم، والاكتفاء بإطلاق
مضادات. غير أن الحقيقة هي أن الروس يصرّحون أن الممنوع في سوريا هو
الاعتداء على قواعدهم فقط. بل إن التنسيق الروسي الإسرائيلي لم يتوقف يوما، وهو
الذي يمنع من الرد المتكافئ. لكن هذا كله قد يصبح من الماضي وقد يقرر الروس تغيير كل شيء والرد الذي يقلب المشهد كله.
بعد الغارات التي شنت على مطار تيفور في
حمص توعّد الجنرال قاسم سليماني بالرد وأبلغ الإيرانيون الروسَ أنهم لا يقبلون تعديل "قواعد
اللعب" في سوريا. يحمل الإسرائيليون التهديد الإيراني على محمل الجد ولعلهم
قرأوا جيدا الرسالة التي وجهها أمين عام حزب الله عندما تعمّد قراءة بعض السطور بعناية
من ورقة بين يديه، في خطابه قبل الأخير..
والأسابيع أو الأشهر القادمة كفيلة بتوضيح الصورة..
والأسابيع أو الأشهر القادمة كفيلة بتوضيح الصورة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق