الخميس، 12 أبريل 2018

مأزق ترامب.. ابتلاع الهزيمة أو الحرب المجنونة





قاسم شعيب


انتقل الرئيس الأمريكي بسرعة كبيرة من الإعلان عن سحب قواته من سوريا إلى الإعلان عن توجيه ضربة لها. كان واضحا أن الإعلان الأول مجرد مناورة لابتزاز حلفائه وجعلهم يدفعون تعريفة الوجود الأمريكي في سوريا. لكن ترامب، الذي طالب، في تغريدة له أمس الأربعاء على تويتر، الروس بالاستعداد لصواريخه الجديدة والذكية، كما وصفها، بدا، اليوم، متراجعا في تغريدته الثانية، التي قال فيها أن الهجوم على سوريا قد يكون قريبا وقد يكون بعيدا جدا.
من غير الممكن الاعتماد على تغريدات الرئيس الأمريكي على تويتر لمعرفة ما سيفعله الأمريكيون. فترامب رجل مزاجي وهو لا يتخذ قرارات الحرب بنفسه. فهي جزء من إستراتيجية كبرى لم تبدأ اليوم بل تمتد إلى عقود ماضية. تتحرك الإدارات الأمريكية المتتابعة وفق خطة مرسومة قد يتم تغيير آجالها وتكتيكاتها غير أنها لا تتغير في جوهرها. انتهت المرحلة السابقة التي حارب فيها الأمريكان الروس في أفغانستان بالقاعدة والطالبان وحركات "الجهاد" الأفغاني.. وبدأت المرحلة الجديدة التي أصبح العدو الجديد فيها هو المقاومات العربية والإسلامية سواء كانت دولا أو منظمات، بدعم من حلفائهم الروس.
طوال الأزمة السورية المفتعلة كنا نقول إن الهدف هو تدمير بلد عربي آخر. وهذا الهدف يحتاج حربا داخلية ووقتا حتى يتحقق. جزء كبير من هذا الهدف أصبح واقعا. ويبدو أن الانتقال إلى مرحلة أخرى قد بدأ الآن. منذ نهاية الصيف الماضي، وبعد هزيمة داعش أو سحبها من التداول، حسم الأمريكيون أمرهم بالدخول في مرحلة جديدة تستبدل الأصيل بالوكيل.
معالم المرحلة الجديدة هي محاولة تغيير القيادة في سوريا والإتيان بقيادة جديدة لإتمام "مشروع الأردن الكبير" الذي يبقى هدفا مرحليا في طريق الهدف الأمريكي الأكبر وهو "إسرائيل الجديدة".
اختزال المشهد في شخص الرئيس الأمريكي ليس دقيقا لأننا نعرف أن من يحكم ويقرر الحرب والسلم في أمريكا هي المؤسسة. ووزارات البنتاغون والأمن والمخابرات جزء أساسي منها. لا شك أنها تأخذ في الاعتبار الواقع الدولي المعقد ولا تستغني عن تقدير ردود الأفعال بالدقة اللازمة خاصة عندما يكون الطرف المقابل اسمه روسيا القوة الكبيرة التي تختلف عن الصنف الذي تعوَّد الأمريكان مهاجمته.
لا يبدو قرار العدوان محسوما، وقد يأخذ وقتا إذا تقرر. وما يجري الآن من إعداد واتصالات أمريكية مع الحلفاء الأوروبيين بشكل خاص يبدو أنه من أجل التنسيق وتحديد الأهداف وتصور مدى الحرب ووضع احتمالات الرّد الروسي وحلفائه.
لا يتعلق سبب العدوان المعلن بالهجوم الكيمياوي المزعوم على مدينة دوما. بل إن ذلك الهجوم المفترض، سواء كان حقيقة أو تمثيلا، مجرد صناعة لتبرير الهجوم. فعلوا ذلك من قبل مع العراق وليبيا ويكررونه الآن مع سوريا. وكلام الرئيس الفرنسي عن ثبوت استخدام سلاح كيمياوي في دوما لا يعني شيئا سوى انضمام فرنسا على أمريكا في أي عدوان على سوريا.
لكن الإسرائيليين، على الجانب الآخر، مهتمون بتجنب أي تورط في الحرب، فطالما طلبوا ضمانات من الروس لمنع أي رد على غاراتهم على مواقع سورية أو حليفة. وخلال الحرب الطويلة هاجم الطيران الإسرائيلي مرارا وتكرار مواقع سوريا وآخرها الهجوم على مطار التيفور، ولم يتلق الرد المناسب حيث اقتصر الأمر في الغالب على إطلاق صواريخ اعتراضية مضادة، ولم يفكر أحد بالذهاب إلى الرد غارة بغارة وصاروخ بصاروخ. وهذا الأمر قد يكون مفهوما لأن الرد يعني فتح جبهة جديدة قد لا يكون توقيتها مناسبا. غير أن تبدّل قانون اللعبة في أي حرب لاحقة قد يورّط إسرائيل لتتلقى أقسى الضربات التي لم يسبق لها أن تلقتها.
اهتم السوريون والروس والإيرانيون بالتخلص نهائيا من بؤرة الغوطة الشرقيّة المزعجة. وخلال وقت قصير أمكن إخراج المسلحين وإعادة السيطرة الكاملة على دوما والمدن الأخرى. أدرك الأمريكيون أن السيطرة على الغوطة، المتميزة بطبيعتها العسكرية والعمرانية، تعني استعادة السيطرة على مناطق أكبر في عمق الجنوب السوري، في درعا والقنيطرة. وأكد ذلك حقيقة أن مجموعات المسلحين في الجنوب ليست قادرة على الصمود، ولا يمكن الرهان على دعمهم بعملية عسكرية مضادة. ولأجل ذلك فكّر الأمريكيون في إيقاف ذلك النجاح وافتعال ضربة كيماوية وإلصاقها بالجيش السوري من أجل تبرير عدوان منتظر. بدا الأمر لعبة أخرى يتقنها المكر الأمريكي.
لا يوجد خيار آخر أمام الأمريكيين لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية المتعلقة بإسرائيل وافتكاك سوريا والسيطرة عليها سوى الذهاب إلى حرب شاملة. وتحقيق ذلك غير ممكن دون الاشتباك المباشر مع روسيا وإيران وقوى المقاومة. وهذا يستدعي دخول دول أخرى على الخط. فالأوروبيون لن يتأخروا عن الانضمام إلى الأمريكيين، والصينيون لن يبقوا على الحياد. أما الضربات الموضعية والعابرة فإنها لا تفيد الأمريكيين في شيء سوى حفظ ماء الوجه.
يجد الأمريكيون وحلفاؤهم من الأوروبيين والعرب اليوم أنفسهم أمام خيارات محدودة أحلاها مر؛ إما ابتلاع الهزيمة وطي الصفحة، أو شن الحرب الكارثية والمجنونة والشاملة والتي لا بد أن تذهب إلى أبعد مدى!



ليست هناك تعليقات: