الأحد، 8 أبريل 2018

ابن سلمان وفوبيا إيران







قاسم شعيب

يمعن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في استغلال هوسَ ولي العهد السعودي بالوصول السريع إلى العرش لعقد الصفقات المليارية، وانتزاع المواقف السياسية العلنية تجاه "إسرائيل" وإيران.. لا يتردد ابن سلمان في الاستجابة لترمب. بل إنه مستعد للذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك حتى لو تعلق الأمر بافتعال حرب ضد إيران لا تخدم أحدا سوى المحرّضين عليها.
قال محمد بن سلمان إن هناك سياسيين "أسوأ من هتلر" وكان يقصد المرشد الأعلى لإيران الذي "يحاول احتلال العالم بأسره" حسب قوله. مثل هذا التصريح يوحي أن الحاجة باتت ضرورية لافتعال حرب في المنطقة للتخلص من "الخطر الإيراني" المزعوم، تماما كما حدث عشية الحرب العالمية الثانية عندما تحالف الغربيون ضد هتلر. بل إن تهديدات سابقة كانت واضحة عندما تحدث ابن سلمان عن نقل المعركة إلى الأراضي الإيرانية أو حتى اللجوء إلى الحل العسكري بعد أن اتهمها بدعم جماعة أنصار الله في اليمن.
صفقات الأسلحة الضخمة التي وصلت إلى 110 مليار دولار خلال جولة ابن سلمان في الولايات المتحدة قد تعني أن الأمريكيين لا يريدون سوى ابتزاز السعوديين والتهويل بالحرب لدفعهم إلى عقد مثل هذه الصفقات. ولكنها قد تعني أيضا أنهم يريدون فعلا دفع ولي العهد السعودي للتورط في حرب جديدة.
لا يخطئ المراقب حقيقة التوتّر الطائفي المفتعل والمتزايد الذي تعيشه المنطقة. ومع وجود دولتين كبيرتين في المنطقة تختلفان سياسيا ودينيا، ليس مستبعدا اندلاع مواجهة جيوسياسية حتمية بينهما. فهناك شرق أوسط واحد وعالم إسلامي واحد، غير أن المتنافسين الإثنين لا يريد أي منهما زعامة الطرف الآخر ولا يقبل بها.
احتاج الأمريكيون إلى خلق مبرراتِ لعقد صفقات سلاح غير مسبوقة مع السعوديين، ودفعهم إلى تمويل تنظيمات وجماعات لتخريب المنطقة. وهم لأجل ذلك عملوا على شيطنة إيران وحلفاءها في المنطقة لتبرير ذلك. ليس مستبعدا تفجُّر الوضع في المنطقة أكثر مما حادث إذا أصر البيت الأبيض على ابتزاز محمد سلمان ودفعه لمغامرة ضد إيران بطريقة ما. فما يريده البيت الأبيض هو إعادة تشكيل الشرق الأوسط ولا يمكن أن يحدث ذلك دون افتعال فوضى وحروب بدأت في العراق وامتدت إلى سوريا ولا يبدو أنها ستتوقف هناك.
ما تكتبه الصحافة الإسرائيلية والأمريكية هذه الأيام يصب في هذا الاتجاه. ففي هآرتس كتب شلومو أفينري: إن "الحكم الاستبدادي الجديد قد يتطور إلى مواجهة عسكرية مع إيران، تُهزّ فيها السعودية، ونحن نأمل أن لا يتطور إلى حرب شاملة في المنطقة تصل إلى إسرائيل".. بل إنه ذهب إلى حد الحديث عن "حرب عالمية إسلامية" قريبة!
لا شك أن اندلاع نزاع مسلح مباشر بين السعوديين والإيرانيين يعوقه غياب حدود برية مشتركة بينهما، ونقص الخبرة العسكرية والروح المعنوية في الرياض حيث لا يرغب الحكام السعوديون في تعريض حياتهم الباذخة للخطر. لكن ذلك قد لا يكون عائقا حقيقيا.
ليست الحرب حاجة سعودية، بل هي حاجة أمريكية ليس فقط من أجل نشر الفوضى وافتعال الحروب وتوسيع سوق بيع السلاح، بل أيضا من أجل إضعاف المملكة وربما تفكيكها.. ولأجل ذلك يحاول الأمريكيون الدفع بقوة نحوها، خاصة بعد أن أحاط ترمب نفسه بحكومة حرب.
لا أحد يتمنى الحرب. غير أن القوى الحاكمة في واشطن ترى فيها مصدرا لقوّتها، فنحن لا نكاد نرى أمريكا هادئة بلا حروب تشنّها في هذه المنطقة أو تلك من العالم منذ الحرب العالمية الثانية إما بشكل مباشر أو من خلال وكلاء. واندلاع حرب واسعة في المنطقة لن يُبقي أحدا خارجها. بل إن الروس والأمريكان سيصطف كل منهما خلف حليفه. ولعل الغزل الذي أطلقه ابن سلمان تجاه إسرائيل خلال زيارته إلى الولايات المتحدة لا يستهدف فقط تحصيل رضا اللوبي الصهيوني في واشنطن لضمان الوصول إلى العرش، بقدر ما يريد، أيضا، ضمان الدعم الإسرائيلي في حال وقوع أية مواجهة.


ليست هناك تعليقات: