قاسم محمد
وصف الاتحاد الأوروبي وكالة "سبوتنيك"
وقناة "آر تي" الروسيتين بأنهما "الأكثر خطورة"، واعتبرهما مع
صندوق "روسكي مير" ومنظمة “روس سوترودنيتش " جهات تمثل تهديدات أساسية
على الاتحاد الأوروبي وشركائه في شرق أوروبا..
كثيرا ما تباهى الرسميون الأوروبيون بإعلامهم
القوي ووعي شعوبهم ولم يتوقفوا عن رفع شعارات حقوق الإنسان وحرية التعبير. غير أنه
يتبيّن اليوم أنها كانت مجرد شعارات وأن الحقيقة لها وجه آخر. فرغم العقود الطويلة
من غسيل الأدمغة المستمر إلا أن ذلك لا يبدو أنه نجح في تغييب وعي الكثير من الناس.
ولذلك صدر بيان الاتحاد الذي يبدو غريبا عند البعض لكنه عادي بالنسبة لمن خبر
العمق المعرفي الذي قامت عليه الثقافة الغربية.
لم تنجح تماما عمليات التحكم عن بعد من
خلال الضخ الإعلامي الكثيف. وكان لابد من فرض وصاية مباشرة على عقول الجمهور المتململ.
اقترح البرلمان الأوروبي تعزيز "التواصل الاستراتيجي" والتركيز على إثارة
الوعي والتثقيف والإعلام المحلي والإلكتروني وإعلام التحقيق ومحو الأمية الإعلامية
خوفا على شعوبه من "التضليل الإعلامي" بعد أن توهم خريجو البروباغندا
الغربية أنه كيان حضاري متقدم يتعلمون منه الوعي و الحرية. بدا البيان الأوروبي
كما لو أنه صادر عن نظام استبدادي قروسطي يخوِّف شعبه ممن تداعيات متابعة إعلام
آخر غَيْر إعلامه ويؤكّد "أن على الاتحاد الأوروبي أن يواجه حملات التضليل والدعاية
من بلدان مثل روسيا وأطراف مثل "داعش" و"القاعدة" ومجموعات إرهابية
جهادية أخرى عنيفة". وإدخال أسماء تنظيمات إرهابية ليس إلا محاولة لتعويم المسألة
وخلط الأوراق.
لم يتوقف القرار الأوروبي الذي حمل
عنوان: "التواصل الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي حول كيفية مواجهة دعاية دول ثالثة"،
والذي تقدمت به النائبة البولونية آنا فوتيغا، عند مسألة الإعلام، بل تجاوز ذلك
إلى مهاجمة بعض الأحزاب والمنظمات قائلا إن "روسيا تقدم الدعم المالي للأحزاب
السياسية والمنظمات المعارضة في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وتستخدم عامل العلاقات
الثنائية من أجل التفريق بين أعضاء الحلف". وهذا يذكرنا بخطاب بعض الأنظمة
المستبدة التي تلجأ إلى تبرير ضعفها بالحديث عن المؤامرة والاستهداف، ليس لأن
المؤامرة أو الاستهداف أشياء غير موجودة، ولكن لأن مثل هذه الأشياء لا يشكو منها إلا
الضعفاء.
الشكوى الأوروبية تعني أن الإعلام
الروسي أصبح قويا ومؤثرا وقادرا على الوصول إلى بيوت الجمهور بعد أن تخلّص من
انغلاقه وجموده وتخلفه وغبائه الذي فرضته عليه الحقبة السفياتية. وتعني أيضا أن أوروبا
والغرب فقد هيمنته الإعلامية وقدراته التسويقية لأفكاره ومعلباته وألاعيبه. وبات
هناك إعلام منافس قادر على قول ما لا يقال.
والأخطر هو أن جزءً من الشعوب الأوروبية
من المثقفين ورجال الفكر أضحى يعي حقيقة خطيرة وهي أن دولهم وبلدانهم باتت مجرد
مستعمرات في يد فئة من الرأسماليين الحالمين الذين يخططون لإقامة نظامهم العالمي
الجديد المزعوم على أنقاض هذا النظام القائم ودون اعتبار لمصالح شعوبهم. ولأجل إلجام
هذا الجزء لابد من إجراءات ردعية وقمعية
للحد من تأثير وصول صوتها إلى الناس. فهي بهذا القرار تصبح أصواتٍ عميلةً تخدم مصالح دولة أجنبية!
يشتد القمع كلّما تسارعت الخُطى نحو
الهاوية. لكن في الحالة الأوروبية ربما كانت المسألة مرتبطة بالاستعداد لصدام محتمل
مع روسيا القوية والمسلحة جيّدا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق