الأحد، 4 ديسمبر 2016

نظرية المؤامرة.. خرافة أم حقيقة؟





قاسم محمد



حتى الآن، لا توجد تفسيرات مقنعة ولم يتم الكشف عن الفاعلين الحقيقيين في كثير من القضايا والأحداث الكبرى مثل اغتيال الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي وانهيار الاتحاد السفياتي والثورات الملوّنة واغتيال الأميرة ديانا وهجوم 11 سبتمبر على برجي التجارة في نيويورك.. وعندما انطلقت أحداث ما سمي بـ"الربيع العربي"، انقسم العرب إلى مؤيد ومعارض. وحجة المعارضين أنها أحداث مصنّعة في أقبية مراكز المخابرات الأمريكية. وأن اليد الأمريكية واضحة في كل ما يحدث. وقبل ذلك كله، لا ينسى العرب اتفاقية «سايكس ـ بيكو» التي فضحتها روسيا لاحقان وقضت على أحلامهم إلى أجل غير مسمى، كما لا يمكن نسيان أن نكبة فلسطين بعد "وعد بلفور".
في استطلاع رأي قامت به "مؤسسة زغبي الدولية" في آب 2004 تبين أن قرابة نصف سكان نيويورك يؤمنون بأن الإدارة الأميركية كانت تعرف مسبقاً حدوث أعمال إرهابية على أراضيها ولكنها لم تفعل شيئاً لمواجهتها، فيما ذهب 70 في المئة من مستطلعي رأي في سبعة بلدان مسلمة أن العرب لا علاقة لهم بالتفجير، وأن من قام به هم "الإسرائيليون أو الأميركيون".
يفهم الناس أن كثيرا مما يحدث مشبوه إلى حد كبير وهم يوجّهون اتهاماتهم مباشرة إلى الامريكيين واليهود والصهاينة. نظرية المؤامرة حاضرة بقوة لتفسير ما يبدو غامضا ويعجز السياسيون عن تبريره بطريقة مقنعة. لقد هاجم الأمريكيون العراق واسقطوا نظام صدام بتهمة حيازة أسلحة كيمياوية ونووية. ولأن ذلك لم يثبت أبدا، فإن التفسير الآخر وهو التآمر على العراق لأسباب اقتصادية ودينية وسياسية أصبح هو المقبول. 
والعرب ليسوا وحدهم من يميل إلى تفسير ما يحدث لهم بنظرية المؤامرة. بل إن ذلك يشمل كل الشعوب المستهدفة والتي ترى نفسها ضحية الأطماع الخفية والظاهرة. غير أن ما يُقدَّم تفسيرا لفكرة المؤامرة لدى العرب ليس تامّا، لأن الشعوب الاخرى ومنها الشعوب الأوروبية والأمريكية تؤمن نسبة كبيرة منهم بنظرية المؤامرة. فعندما يتهم نصف سكان نيويورك الإدارة الأمريكية والصهيونية العالمية بتدبير الهجوم، فإن ذلك يعني أن نظرية المؤامرة ليست شيئا خاصا بالعرب.
يستسهل الكثيرون تسخيف نظرية المؤامرة ولا يرون فيها سوى خرافة صُنِّعت لتبرير العجز والضعف، لكنهم لا يتمكنون من تقديم أجوبة مقنعة عن وجود فكرة المؤامرة في مجتمعات يقال عنها إنها قوية ومتقدمة. ومن الممكن أن يكون ذلك مبرَّرا في حدود معينة لعدم توفر الشروط العلمية والمنهجية لإثباتها. لكن ذلك تم تجاوزه، فالعلم لم يعد حسيّا مخبريا فحسب، بل إنه اصبح في جزء كبير منه قائما على الافتراض والاحتمال والحصر والاستنتاج. غير انه عندما تفتضح المؤامرة ويقر بها اصحابها تثبت المؤارة بشكل يقيني. فعندما افتضحت، مثلا، قضية عقارات الهلوسة LCD التي كانت مشروعاً للتحكم بالعقل للاستخبارات الأميركية وتم كشفها في الستينيات، وافتضحت قضية "ووترغيت" الشهيرة وغيرها تم التـأكد من صحة تلك المؤامرات.
تتفق تعريفات نظرية المؤامرة في نقطتين. الأولى هو أنها تتمم بواسطة أناس أقوياء ودهاة. والثانية أنها تتم في الخفاء، في الغرف المظلمة والزوايا السرية. وعندما ينتفي عنصر الخفاء ينتفي عنوان المؤامرة. كما ان الضعيف والأحمق لا تنجح مؤامراته عادة.
لم تعد المؤامرة شيئا خفيّا بشكل كامل، فالولايات المتحدة لا تخفي خططها في "تعزيز الديمقراطية". وهذا المصطلح لا يعني شيئا سوى نشر الثقافة الأمريكية وامتلاك العقول باعتبارها مدخلا أساسيا للهيمنة السياسية والتبعية الاقتصادية.. بل إن الكثير من الخطط وردت على ألسنة رؤساء ووزراء ومسؤولين كبار أمريكيين قبل وقوعها. فقد تحدث جورج بوش الأب عن النظام العالمي الجديد واعتبره فكرة عظيمة تسعى إليها أمريكا. وتحدثت غونداليزا رايس عن الفوضى الخلاّقة، وتحدث رئيس المخابرات الأمريكية السابق جيمس ويلسي عن ثورات الربيع العربي وتوعّد بعض الحكام العرب.
لا تتردد الإدارات الامريكية في دفع الملايين من الدولارات إلى منظمات المجتمع المدني والمعارضات السياسية لتحقيق أهدافها. فمثلا، شجعت الإدارة الأمريكية الأوكرانيين على الإطاحة برئيسهم. وموّلت ندوات ومظاهرات وخيم. كان ثمن كل خيمة من خيم ميدان كييف في أوكرانيا، مثلا، 170 دولاراً دفعتها منظمة "آن الأوان" الأميركية. هذه السياسات المعلنة تسمى خططاً ولا يعترف الأكاديميون في الغرب أنها تندرج تحت اسم المؤامرة، وهم عادة يلتحفون بغطاء الارهاب لتبرير تلك الأعمال. وقد تبيّن أنهم هم انفسهم من يصنع الإرهاب لتبرير هذه الاعمال. فقد بات واضحا أن أمريكا أنشأت القاعدة ومولت داعش وسلّحت الإثنين.
بل إن المؤامرة قد تكون موجّهة ضد أمريكا نفسها. والمتآمرون هم اليهود الذين يريدون بناء نظامهم العالمي الجديد الذي ستكون عاصمته القدس كما يقولون. فمثلا فاز دونالد ترامب بالانتخابات الأخيرة رغم أن هيلاري كلينتون كانت متقدمة عليه بمليوني صوت، وذلك بفعل أصوات المندوبين. وبعد فوز ترامب خرجت ضده مظاهرات يمولها الملياردير اليهودي جورج سوروس الذي كان أيضا الممول للثورات الملونة في أوروبا الشرقية. وهذا يؤكد حقيقة أن الولايات المتحدة هي نفسها مجرد مستعمرة لليهود، وهم مستعدون لفعل أي شيء بها خدمة لمصالحهم ولأوهامهم الدينية! يمكن لجماعة ما بعد الحداثة أن يستمروا في معاندة الحقيقة والاستسلام لمقولات الإعلام الغربي أو التابع له. لكنهم سوف يعرفونها يوما بعد فوات الأوان. 
غير أنه، من ناحية أخرى، لا يجب إرجاع كل المصائب إلى نظرية المؤامرة. لا يمكن للمؤامرة أن تنجح إلا مع وجود القابلية لدى الطرف المستهدف. وتلك القابلية سببها الأساسي حالة الضعف التي يعاني منها. نجاح المؤامرة هو نتيجة ضعف الطرف المستهدف وليس سببا له. انه يكرس حالة التخلف ويضاعف حالة الجمود القائمة بالفعل. 
لا يمكن للعرب أن يستيقظوا من رقدتهم بمجرد معرفة من يتآمر عليهم، ويفتعل ضدهم الحروب والإرهاب، وينشر الجهل والفساد. بل إن المؤامرة الكبرى أن يستمروا في لَوْك مقولات قديمة مشبعة بالخرافة والأسطورة وتقديس بعض الحكّام الأوائل، دون أية مقاربات نقدية حقيقية لطريقة تفكيرهم ومنهج حياتهم ورموزهم التاريخية والنظريات التي يتبنونها والدين الذي يؤمنون به. فكل شيء في هذا العالم العربي يحتاج إلى عمليات نقدية جذرية من أجل الوصول إلى مكامن الوهن التي أنتجت أمة تستمرئ الاستبداد وتقدس الفساد. 






ليست هناك تعليقات: