الأربعاء، 3 أغسطس 2016

دُمَى قراطية أمريكا الفارغة







قاسم محمد


يتكرر المشهد كل أربع سنوات. انتخابات تمهيدية داخل الأحزاب تنتهي بتسمية ممثل عن كل حزب ليكون مرشحه للانتخابات الأمريكية الجديدة. هذه المرة أصبح دونالد ترامب مرشحا عن الحزب الجمهوري وهيلاري كلينتون مرشحة عن الحزب الديمقرطي. ظاهر المشهد يوهم أننا أمام شعب حيوي يختار رئيسه بكل حرية. شعب يخرج ويشارك في التظاهرات والأنشطة والدعايات، ويوم الانتخاب يضع ورقة تحمل اسم مرشحه. وإذا كُتب للاسم الذي اختاره النجاح تملأه الفرحة.
على شاشات التلفزيون وفوق منصات الخطابة وفي صفحات الجرائد لا توجد سوى صور المرشحين. وعندما يصبح أحدهم رئيسا تختفي كل الصور لتبقى صورة الرئيس وحده. هذا الرئيس يقولون للعالم إنه منتخب من الشعب. هل ينتخب الناس حقا مرشحهم بوعي وإرادة أم إنه يتم سوقهم فاقدين للوعي لتنفيذ إرادة أخرى؟ ألا توجد ماكينة لصناعة الرأي العام في أمريكا والأنظمة الرأسمالية بشكل عام؟ كيف يتم غسل الأدمغة لتسهيل التحكم في أصحابها؟
يحكم أمريكا النظام الرأسمالي بشكل واضح. والرأسمالية نظام اقتصادي يسمح بالإثراء الفاحش دون حدود وبكل الوسائل ولا تحد من ذلك سوى بعض القوانين التي يمكن دائما التحايل عليها وتجاوزها. والذين أقروا هذا النظام  كانوا يعرفون أن مصالحهم وأهدافهم الكبرى لا يمكن تحقيقها إلا من خلاله.
طوال التاريخ الأمريكي، كان الذين يسيطرون بشكل فعلي على أمريكا هم الأثرياء. والنجاح الذي يحرزه السياسيون في دوائرهم المغلقة كان بفضل الإخلاص للطبقة الثرية الحاكمة. أيُّ فرد لا يمكنه أن يصبح رئيسا ولا حتى عضوا في الكونغرس دون المرور عبر دوائر الطبقة الثرية الحاكمة.
ومن الطبيعي أن يكون رئيس الولايات المتحدة، في مثل هذا النظام، مجرد ديكور؛ لان السياسة الحقيقية لا يرسمها الرئيس ومستشاروه في البيت الأبيض، بل تيرسمها جهاز الدولة الذي يدين بالولاء المطلق للمؤسسة الحاكمة. فمهمة هذا الجهاز هي السيطرة على الرئيس وتوجيه أعماله.
كانت الولايات المتحدة الدولة الوحيدة في العالم التي أسسها كبار ملّاك الأراضي والصناعيين والمصرفيين. وقد نجح مؤسسو الولايات المتحدة في خلق نظام جديد للحكومة لا تسيطر فيه الأراضي والطاقة والأيديولوجية على العائلة المالكة والكنيسة، ولكن تسيطر فيه الأقلية بحسب فلاديمير ليفين.
في كتابهما "الطبقة الحاكمة في أمريكا: تأثير الأثرياء والنافذين في دولة ديمقراطية"، يفضح  ستيف فرايزر وغاري غرستل كيف مارست طبقة الأثرياء وذوي الامتيازات نفوذها في الولايات المتحدة لتكون هي من يحكم حقيقة من خلال ديمقراطية فارغة ومزيفة.
فبعد الانهيار الاقتصادي عام 1929، ظهرت عدة مؤلفات لمفكرين عارفين حول الواقع السياسي الامريكي. في كتاب "عائلات أمريكا الستين" حاول المؤلف فيردناند لندبيرج وضع خارطة للترابطات القائمة بين أجيال النخبة في البلد. ونشر ماثيو جوزفسون في تلك المرحلة كتاب "الرأسماليون الذين جمعوا ثرواتهم من أعمال الاستثمار والاستغلال" وهو عنوان يلخص السمة الأخلاقية لمؤيدي حكم تلك القلة.. ثم توالت الكتابات التي تتهم الطبقة الحاكمة باغتصاب البلاد باقتصادها وشعبها الموزاييكي.
وبعد الحرب العالمية الثانية، تراجعت حدة الانتقاد إلا أنها لم تنته، فقد نشر سي رايت ميلز كتاب "نُخبة السلطة" في أواسط الخمسينات من القرن العشرين، وتتبع فيه تشابك وتفاعل الهرميات العسكرية والصناعية والاقتصادية والسياسية. كانت الطبقة الحاكمة قد اكتسبت سمعة سيئة خلال الحرب الباردة داخل أمريكا، لكن ميلز لم يستخدم هذا التعبير حتى لا يُتهم بمعاداة الدولة!
في نهاية الخمسينات من القرن العشرين، ظهر مصطلح جديد لوصف الطبقة الحاكمة هو المؤسسة الحاكمة والذي يبدو أكثر مهادنة من سابقاته.  ويمكن القول أنه في القرن العشرين لم يكن هناك سوى حالتين استثنائيتين لاستقلالية الرئيس الأمريكي. الحالة الأولى هي حالة فرانكلين روزفلت الذي حصل، في أوقات الكوارث الاقتصادية في عام 1933 والحرب العالمية الثانية، على تفويض مطلق لإجراء عملية مستقلة. والحالة الثانية، كانت في رئاسة جون كينيدي، وهو ديمقراطي كان لا يملك تفويضًا من القلة الثرية ولم يكن مقبولًا داخل نظام الحكم الأمريكي، تبعا لذلك، ليس فقط في صفوف الجمهوريين بل أيضًا بين حزبه الديمقراطي. وقد أصبحت الإطاحة المأساوية بجون وروبرت كينيدي آنذاك الأساس للأمريكان الآخرين الذين سعوا في وقت لاحق لدخول الحياة السياسية في البلاد. ولم يتم تحدي قواعد هذه السياسة حتى الآن من قِبل أي شخص، بما في ذلك باراك أوباما.
غني عن البيان أن ممولي الحملات الانتخابية والمروجين لمرشحي الرئاسة في الإعلام هم الطبقة الثرية أو المؤسسة الحاكمة كما أصبحت تسمى.  والممولون هم أنفسهم الذين يبدعون في ابتكار وسائل غسل الادمغة. ورغم أن هذه سياسة قديمة، إلا أن المؤسسة الأمريكية الحاكمة استخدمت كل ما يمكنها لتنفيذها بنجاعة. أما أبرز تلك الوسائل فهي التجهيل. أصبح شيئا معروفا محدودية معارف الإنسان الامريكي وجهله الكبير بما يجري حوله، فالدماغ الفارغ من كل محتوى ثقافي أو علمي هو دماغ يسهل غسله، وتوجيهه بما يرضي رغبات صاحب المخطط.
في هذه الانتخابات الدائرة الآن في امريكا رشحت مافيا النظام الرأسمالي الأمريكي من بارونات المال والإعلام والتكتل الصناعي العسكري دونالد ترامب وهيلاري كلينتون. استقرؤا الرأي العام ورشحوا اثنين على طرفي نقيض : دونالد ترامب الرجل التافه الذي يصنف بأقواله العنصرية ضمن فئة اليمين المتطرف. وهيلاري الكلينتون الاكثر طاعة للمؤسسة الحاكمة والأقرب إلى قلبها.
كتبت الأستاذة في جامعة كولومبيا بلير Blair  كتاباً عن آل ترامب عنوانه: The Trumps: Three Generations That Built an Empire    قالت فيه أن جده فردريك ترامب كون ثروته بواسطة بيت دعارة افتتحه في محيط مناجم الذهب الكندية والذي كان داخل فندق ومطعم وبار يتردد عليه ممن وجدوا الذهب. كتبت بلير ” كان أكثر الربح يأتي من المشروب والجنس“. وأعطت مثالاً للدعاية التي كان ينشرها الجد ترامب: "هناك غرف مخصصة للسيدات وبها موازين لمن يحب أن يدفع بالذهب". توفي الجد فريدريك ترامب في نيويورك بعد أن بدأ العمل في مجالات العقار سنة 1918 واستلم العمل والد دونالد ترامب الذي طور تلك الشركة إلى امبراطورية أمريكية للعقارات ثم طورها ابنه دونالد ترامب لتصبح عالمية المجال.
كوّن الجد ثروته من الدعارة، ثم جاء الحفيد دونالد ليتابع الطريق فزاد من الثروة بإنشاء كازونيهات القمار وما صاحبها من جنس وأضاف إلى ذلك العمل مع المافيا. في تقرير بتاريخ 31/7/2015 لــCNN بعنوان : دونالد ترامب والمافيا نجد: "امبراطورية دونالد ترامب البرّاقه من ناطحات سحاب في نيويورك وكازينوهات قمار في اتلانتك سيتي كان لها دائماً جهة سوداء وهي اتهامه بأن المافيا هي التي ساعدته في بناءها". وأضافت الـ CNN: "التهم  عن علاقة ترامب بعائلات المافيا في نيويورك وفيلادلفيا ترجع إلى عقود عديدة وتم تكرارها في  الكتب والجرائد وفي سجلات الحكومة وهذه العلاقة بدأت مع والده. وعند اتصال CNN بدونالد ترامب رفض الإدلاء بأي تصريح.
أمثال ترامب من الحثالات الدجالين يمكنهم أن يصبحوا رؤساء في أمريكا.  فهم ليسوا أكثر من أحجار شطرنج يمكن تحريكها في الاتجاه الذي تريده المؤسسة ويمكن من خلاله بتنفيذ برامجها. وإذا كانت تلك المؤسسة يسيطر عليها يهود، فإن إعلان ابنة دونالد ترامب المدعوة IVANKA سنة 2009 اعتناقها اليهودية ربما ساهم في قبوله مرشحا للحزب الجمهوري.
اما مرشحة الحزب الديمقراطي، فإنها لا تقل تفاهة وسوقية عن ترامب، ماعدا كونها دبلوماسية وزوجة رئيس سابق. كانت إدارة كلينتون من رأسها حتى قدميها إدارة يهودية صهيونية. وكانت شطحات الرئيس كلينتون جميعها مع يهود. كانت عشيقته التي مارس الجنس معها في البيت الابيض يهودية. وكانت المرأة التي احتفظت بتسجيلات وأحاديث الغرام بين كلينتون وعشيقته يهودية أيضاً.  وكانت Paula Jones   التي رفعت ضده قضية التحرش يهودية، وكان كاتب مذكراته  Branch   يهوديا، وزوجته كانت سكرتيرة هيلاري كلينتون. وكان Morris  مدير حملته يهودياً، وكان أصحاب المناصب الكبرى في ادارته مثل مدير CIA، ووزير المالية ، ووزير الخارجية وأكثر المناصب السيادة يهودا. بل ابنة بل وهيلاري كلينتون الوحيدة تزوجت من اليهودي مارك ميزفينسكي، وانجبت مؤخراً طفلة يهودية. لتصبح هيلاري كلينتون جدة ليهودية!
الديمقراطية الأمريكية ديمقراطية فارغة. مجرد خدعة تجعل الناس يتوهمون أنهم هم من يختار رئيسهم، بينما هم في الحقيقة مُغيَّبون. ولا يفعلون شيئا سوى تنفيذ ما يريده بارونات المال الذين نجحوا في سحب سلطة اتخاذ القرار من الكثرة إلى القلة. فـ"ما يقبع خلف الإطار أو القشرة الرسمية هو تحطيم منظم للقيم المدنية والفضائل التي نسميها الديمقراطية".
الرئيس الأمريكي كما قال ريغن مجرد ممثل. ممثل في مسرحية مخرجها وكاتب السيناريو فيها لا يظهران. ولنقل هو مجرد دمية. لقد أجاب ريغن أحد الصحفيين عندما سأله: كيف يمكن  لممثل مثلك من هوليود أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة؟. فقال: سؤالك معكوس ويجب أن يكون: كيف يمكن لأي رئيس امريكي ألا يكون ممثلاً؟


ليست هناك تعليقات: