السبت، 27 أغسطس 2016

حبال آل سعود.. وعصا اليمن




قاسم محمد


عندما أعلنت المملكة السعودية وحلفاؤها الحرب على اليمن  في 26 مارس 2015 فيما عرف بعملية عاصفة الحزم، بزعم الدفاع عن الشرعية، كانت تتوقعها حربا خاطفة تدمر الجيش اليمني والقوات المسانده وتسقط العاصمة صنعاء وتسلمها إلى هادي. لم تنجح تلك العملية وتوقفت في 21 أفريل/نيسان 2015 لكن الحرب تواصلت تحت عنوان آخر هو عملية إعادة الأمل.
منذ ذلك الحين، وبعد مرور عام ونصف، لم تتوقف الحرب ولم يستعد السعوديون أملهم، بل إنهم يواجهون اليوم أسوا مأزق في تاريخ مملكتهم خاصة بعد أن قررت الولايات المتحدة سحب خبرائها العسكريين ولم تُبقِ إلا 5 من جملة 45. هذه الخطوة الأمريكية مليئة بالدلالات. فهي تعني، أولا، ترك السعوديين يواجهون مصيرهم بأنفسهم بعد أن أصبحت مملكتهم تعاني اقتصاديا وتنزف عسكريا. وتعني، ثانيا، أن هدف الأمريكان قد تحقق وهو إغراق النظام السعودي في مستنقع لا يمكنه الخروج منه دون دفع أثمان باهظة. وتعني، ثالثا، أن خزائن الدولة السعودية أصبحت خاوية ولم تعد قادرة على الدفع وهذا هو مغزى تصريح المتحدث باسم وزارة الحرب الأمريكية آدم ستامب عندما قال إن التعاون الذي تقدمه بلاده للسعودية ليس شيكا على بياض. فالأمريكي لا يقدم خدماته دون مقابل رغم أن مئات المليارات السعودية لا تزال محتجزة في البنوك الأمريكية وليس مسموحا لها بتسييلها.
تتحدث أمريكا عن مساعدة السعودية على محاربة الإرهاب بعد أن نجحت في زراعة تنظيم القاعدة وداعش في اليمن، بينما الحقيقة هي أنها تريد تفتيت دول المنطقة ضمن مخطط أوسع. باتت الحرب وسيلة مثلى بالنسبة للأمريكي من أجل تحقيق تلك المشاريع لإعادة تقسيم المنطقة. ووجود حكومة يمنية قوية وسيادية يمثل مشكلة بالنسبة للأمريكي، ويمنع من تحقيق هدفه في تقسيم اليمن. فالحرب التي تعتمد على إثارة الغرائز الطائفية وتحريض مكونات المجتمع والدولة ضد بعضها بعضا أداة فعالة لتحقيق ذلك. لكن اليمن ليس وحده هو المستهدف، بل إن النظام السعودي مستهدف هو الآخر. لم يكن الأمريكي يرى في الدولة السعودية سوى بقرة حلوب، والآن بعد أن جف ضرعها لابد من ذبحها، ولا توجد وسيلة تسهل تلك العملية أفضل من الحرب..
هذه الحرب سمحت، من ناحية أخرى، بتحويل البحر الأحمر وخليج عدن إلى مجال حيوي لحركة السفن والبوارج الحربية الأمريكية، من أجل بناء قواعد عسكرية في سقطرى وباب المندب بما أن ذلك هدف استراتيجي يساعد على إحكام القبضة على المنطقة.
راهن الأمريكي على حماقات الحكام السعوديين واندفاعهم للاعتداء على اليمن. ورغم أنهم يواجهون اليوم مصيرا مجهولا أمام تقدم القوات اليمنية في مناطق سعودية على الحدود المشتركة، مثل جزان ونجران، يقول اليمنيون إنها يمنية تاريخيا، إلا أن الأمريكي لم ينسحب من الحرب رغم سحب مستشاريه. إنه يواصل تقديم دعمه العسكري رغم تصريحات جون كيري الماكرة والتي قال فيها أن المملكة السعودية شنت آلاف الغارات الجوية لصالح "الحكومة اليمنية" واستمرت أكثر مما ينبغي وآن لها أن تنتهي... يهم الأمريكي الهيمنة على باب المندب أهم الممرات التجارية في سياق التنافس مع الروس، خاصة بعد أن أعلن الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح استعداده للتعاون مع الروس في مكافحة الإرهاب.
استخدم الحلف السعودي الدولي كل أنواع الأسلحة لتدمير البنية التحية لليمن ولقتل أطفاله ونسائه ورجاله. لكنه تأكد مما كان معروفا لديه سلفا؛ شعب مؤمن بقضيته ومستعد للدفاع عن نفسه حتى النهاية. بل إن المشهد اليوم انقلب وتحول اليمنيون من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم بعد أن تم تنظيم الداخل السياسي وانتخاب رئيس جديد ليصبح عبد ربه رئيسا سابقا منتهي الصلاحية. وأمام الخشية السعودية من اجتياح يمني للمدن السعودية، بعد أن بدأت تصل صواريخه إلى مراكز ومؤسسات حيوية كما حدث أمس عندما أصيبت خزانات شركة أرامكو بصاروخ بالستي، كان اللجوء إلى الوساطات والحلول السياسية دون التجرؤ على القبول بشروط اليمنيين.
يخشى السعوديون استمرار الحرب لأن ذلك يعني تهديدا حقيقيا لوجودهم. ظنوا في البداية أن أمريكا قدمت لهم حبل نجاة، لكنهم بدأوا يدركون اليوم أنه كان حبل مشنقتهم.





ليست هناك تعليقات: