قد لا نبالغ اذا قلنا ان العالم العربي يشهد
في هذه المرحلة أوسع موجة إلحاد علني في تاريخه. حتى عندما كان للشيوعية دول
وامبراطوريات تتبنى رؤية مادية للحياة ويدعو بعضها إلى الإلحاد، لم يكن الأمر على
هذا النحو الذي نشهده اليوم. لا توجد أرقام دقيقة حول أعداد الملحدين. فهذه مسالة
يصعب ضبطها. ومع ذلك توجد مؤشرات كثيرة على اتساع الظاهرة. سنة 2014، مثلا،
عممت عدة وسائل إعلام سعودية دراسة أجرتها مؤسسة "وين غالوب الدولية للأبحاث"
كشفت فيه أن "خمسة في المئة من السعوديين قالوا إنهم كانوا ملحدين"، في بلد
يبلغ عدد سكانه 29 مليون نسمة.
أتاحت مواقع الانترنت وشبكات التواصل
الاجتماعي مساحة واعية وحرة لمختلف الاتجاهات الدينية والايديولوجية والفكرية
لتعبر عن نفسها بشكل غير مسبوق. فيسبوك وتويتر ويوتيوب والمدونات هي الوسائل
الإعلامية التي وجد فيها كل صاحب فكرة نافذة لنشر فكرته. والملحدون العرب مثل غيرهم استغلوا
هذه الفضاءات الآمنة حيث من الممكن لاي منهم اخفاء هويته الحقيقية.
سنة 2014 أجرى قسم المتابعة الإعلامية لبى بى سى
بحثاً على شبكات التواصل الاجتماعي في العالم العربي عن كلمة ملحد باللغة العربية
والإنجليزية، وتبين أن مئات من صفحات فيسبوك وحسابات تويتر التابعة لـ ملحدين
من العالم العربي جذبت آلاف المتابعين لها.
لا يكتفي
الملحدون بالدفاع عن أفكارهم، التي تعادي الإنسان في جوهرها وليس فقط الدين، بل إن
مهاجمة الإسلام ذاته في عقائده ومفاهيمه وأحكامه أصبحت المهمة الأساسية بالنسبة إليهم.
بعضهم يتحدث عن "هدم خرافات الدين" وبعضهم يرفع شعارات قديمة لشعراء عرب
مثل "لا إمام سوى العقل"، بينما ينشر آخرون مصاحف قرآنية ممزقة..
كان الإسلام منذ ظهوره هدفا لسهام أعدائه
بمختلف توجهاتهم. ولم يسلم نبيه من هجمات قريش وتآمرها ثم حربها له مرة بالتحالف
مع اليهود ومرات بالتحالف مع آخرين. ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل إن أهل بيته
وخيرة أصحابه تعرضوا بعد غيابه لكل أنواع السحل والإيذاء والقتل والتشريد. والذين
حاربوا النبي ص بكل ما يملكون من شراسة هم أنفسهم الذين عادوا بعد غيابه ليستولوا
على الإسلام ويتحدثوا باسمه ويصطنعوا لحكمهم شرعيةً من خلاله.
كان هذا الدين ضحية مبادئه الأخلاقية وقيمه
الإنسانية. فتلك المبادئ والقيم لا تعجب كبار القوم الذين يعيشون على استعباد
الناس حينا واستحمارهم أحيانا آخرى. وكان لا بد من العبث بها وإفسادها وتخريبها.
وهذا ما تواصل مع الحركات السلفية والتكفيرية وتيارات العنف والإرهاب. فهي جميعا
تستخدم الإسلام لضربه من الداخل. وتلك واحدة من أكبر المصائب التي يتعرض لها هذا
الدين.
تمارس الجماعات السلفية والدينية
المشابهة لها الإرهاب والعنف والقتل باسم الدين. ومن السهل أن ينخدع البسطاء
والعوام بما يرونه، ليتصوروا أنهم أمام دين دموي لابد من نبذه. أما الذين في
قلوبهم مرض، فإنها فرصة كبيرة، بالنسبة إليهم، لإفراغ شحنات الحقد لديهم ضد هذا
الدين ونبيه.
لكن المسألة لا تتوقف عند ممارسات هذه
الحركات، بل إن الخطاب الديني نفسه يعاني مأزقا. فهو مشحون بالعنف والخرافة
والانفعال. وغارق في قضايا تاريخية أو ميتافيزيقية بعيدا عن أية هموم فكرية أو
معيشية حقيقية للإنسان العربي والمسلم.
لا شك أن كثيرا من العلمانيين والمثقفين من
مختلف الاتجاهات يفهمون أن ممارسات تلك الحركات المظلمة لا تمثل الدين، وأن الاسلام
شيء آخر مختلف تماما عما تروج له وتمارسه. وهم يحاولون إبراز ذلك فيما يقولون
ويكتبون. ومهما بالغ بعضهم في نقد الحركات الدينية سواء كانت سلفية أو إخوانية، سنية
أو شيعية، فإنهم يضعون دائما فاصلا كبيرا بين الإسلام الحقيقي والإسلام
المزيف. بل إن بعضهم ذهب بعيدا ليدعو إلى الاكتفاء بالقرآن بعد أن اكتشف
الكثير من التزوير والدس في كتب الحديث بما يتناقض مع المضامين القرآنية نفسها،
كما فعل محمد الطالبي في تونس ومحمد شحرور في سوريا مثلا. فيما ذهب
آخرون إلى ضرورة تحييد الدين والدعوة إلى الدولة المدنية من أجل إبعاد الإسلام
عن أية استخدامات تسيء إليه.
أما ردود السلفيين والإخوان فإنها
تخلط دائما بين منتقديها والمهاجمين للإسلام، أو بين الملحدين وغيرهم من
العلمانيين والإسلاميين، لترمي الجميع بالردة والإلحاد. فهذا هو الطريق الأقصر،
بالنسبة إليهم، للهروب من مواجهة حقيقتهم السوداء.
غير أن سؤالا يجب أن يطرح، وهو من صنع تلك
الحركات التي تشوه الإسلام وتسبب هروب الناس نحو الإلحاد أو تدفعهم للهجرة إلى
أديان وإيديولوجيات أخرى أو تختار الارتماء في أحضان الإدمان والفساد؟ لا شك في أن
كثيرا من الحركات السلفية ذات الجذور الوهابية هي صناعة مخابراتية. فكما نجح اليهود
قديما في اختراق الاسلام وزرع الاسرائيليات، نجحوا حديثا بالطريقة
نفسها. الوهابية نفسها صنعتها المخابرات البريطانية. والقاعدة ثم داعش هما صنيعتا
الولايات المتحدة الامريكية. أما حركة الإخوان، فقد كشفت عن حقيقتها بسرعة قياسية.
لقد كانت لبريطانيا يد في تأسيسها. وسفارتها في القاهرة هي التي كانت تدفع قيمة
الايجار لمقر الحركة زمن المؤسس حسن البنا. وكان سيد قطب يعترف أنه رجل ماسوني. ولم يفعل إخوان
تونس ومصر، بعد وصولهم إلى السلطة، سوى تأكيد هذه الحقيقة. هذه أشياء لم تعد موضع
شك.
غير أن وراء مخابرات تلك الدول الغربية تقبع
في الظل مجموعة بيلدبيرغ، أو حكومة العالم الخفية كما أصبحت تعرف. وهي التي تقيم
كل سنة مؤتمرا يحضره كبار السياسيين ورجال المال في العالم الغربي ممن يعرفون
بالانتماء للحركة الماسونية التي لا يمكن لأي سياسي أن ينجح دون الانتماء إليها.
إن وجود الحركة الماسونية وهيمنتها
على الاقتصاد العالمي والسياسة والإعلام والثقافة والتعليم أصبحت مسألة مكشوفة أمام
كل باحث عن الحقيقة. وهذه الحركة، التي اخترقها اليهود منذ القرن الثامن عشر، تعادي
الأديان وتنشر الإلحاد وتدعو إلى عبادة الشيطان بوسائل متعددة. وهناك روايات
متواترة لسياسيين ومثقفين وفنانين وشباب خاضوا تجربة الانتماء للماسونية ثم خرجوا
منها ليفضحوا حقيقتها في نشر الإلحاد وتخريب الأديان وتعميم الفساد كما فعل وليم
جاي كار في اكثر من كتاب له وستيفن نايت في كتابه عن الماسونية..
جوهر الماسونية، كما وصفها جوزيف أبو زهرة،
هو: "الإلحاد
والتجديف في حق الله وإن كانت بعض المحافل والهياكل تتباين وتفترق في حقيقة الاعتقاد.
إن بعض المحافل تسمي "الاله" ادونيرام فاذا بلغ البعض عندهم الدرجة
الثالثة، درجة الأستاذ، كشفوا له سر هذا الاسم قائلين له: اعلم أن ادونيرام في مذهب
الماسون إنما هو: ايزيس إله المصريين القدماء وميترا إله الفرس".
ولا شك أن المقصود هو إبليس.
"الشيطان أمير العالم" كان ذلك
عنوان كتاب لـ وليم جاي كار قبل أن يقتل بشكل غامض! لم تكن تلك نبوءة بل كانت واقعا ينكشف اليوم بشكل أوسع. فالضباب الأحمر لم يعد يغطي سماء أمريكا
وحدها..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق