السبت، 20 أغسطس 2016

الورقة الكردية في لعبة التدحرج الأمريكية













قاسم محمد


يتوزع الأكراد على أربعة دول رئيسة في المنطقة هي سوريا والعراق وإيران وتركيا. لم يظفر الأكراد بدولة قومية في اتفاقية سايكس بيكو. وكان الخيار تَرْكهم مشتتين ربما من أجل إبقاء الدول التي ينتمون إليها قَلِقة وغير مستقرة بسبب النزعة الاستقلالية التي لا بد أن تظهر بينهم، وربما من أجل استخدامهم في اللحظة المناسبة ورقة لإعادة تقسيم المنطقة بما يخدم المشروع الكبير في إقامة الدولة العالمية التي تحتل فيها إسرائيل موقع القيادة انطلاقا من العاصمة القدس بعد هدم بيت المقدس وبناء الهيكل على أنقاضه كما يحلمون ويخططون.
يحاول الأمريكي استغلال الحرب في سوريا من أجل لعب الورقة الكردية وتقسيم البلد إلى دويلات صغيرة ومفككة. منذ البداية ابتعد الأكراد، في الغالب، عن الجماعات السورية المسلحة وأنشأوا لأنفسهم كيانات مسلحة خاصة تتقدم بشكل مستمر لاحتلال مناطق سوريا كثيرا ما يمهد لها تنظيم داعش وبدعم أمريكي كبير تسليحا وتدريبا وتمويلا.
ينجح الأكراد في تكتيكهم الانسلاخي التدريجي من العراق. فبعد أن حصلوا على الحكم الذاتي منذ أن وفَّرت لهم واشنطن غطاء جويا وحظرت على الطيران العراقي التحليق فوق الاقليم الكردستاني، هم الآن في طريقهم إلى فعل الشيء نفسه في سوريا بمساعدة أمريكية أيضا. والمثال القريب على ذلك هو منبج التي سيطر عليها في البداية تنظيم الدولة ثم دخلها منذ أيام تنظيم قوات سوريا الديمقراطية المدعوم بشكل واضح من أمريكا. بل إن أمريكا تمنع أي اقتراب من الكرد سواء كان مصدره الروس أو الاتراك إلى درجة وجه فيها أردغان سؤاله للأمريكان: هل نحن حلفاؤكم أم الاكراد؟
وحتى الجيش السوري أو ما تبقى منه في الحسكة بات يتعرض للهجمات الكردية. لم يعد الخلاف على مواقع أو حواجز متفرّقة في المدينة التي تتقاسمها قوات الدولة السورية، وفصائل كردية مسلّحة. فآخر الأخبار تشير إلى هجوم كبير للمسلحين على مواقع للجيش السوري في المدينة التي تقطنها غالبية عربية عشائرية. وتتحدث عن تدخل الطيران العسكري الأميركي فجأة في سماء الحسكة، لمنع المقاتلات السورية من قصف مواقع للمسلحين الأكراد..
وقد وصف الجيش السوري مسلحي "الأسايش" في الحسكة بأنهم "الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني".. بينما تصعّد منظمة "بيجاك"، هي الأخرى، بحسب بعض الإعلام، نشاطها في المناطق الحدودية حيث التجمعات الكردية الإيرانية. أما صالح مسلم، زعيم حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، فكان في كردستان العراق للتشاور مع مسعود البرزاني، عراب الانفصال الكردي، وسط أنباء عن اجتماعات مفتوحة جمعته مع قائد "التحالف الأمريكي الجنرال الأمريكي شون ماكفرلاند.
والوجود العسكري الأميركي، من خلال قوة "المارينز" التي أعلن عنها قبل يومين في الحسكة، أو في قاعدتي الرميلان وعين العرب، والمعزز بالوجود العسكري للفرنسيين والانكليز والألمان، الذين يمثلون حكومات سبق لها أن تحركت دعما للنزعات الكردية، في الشمالين السوري والعراقي، يشكل عملية تدحرج للحضور الأمريكي والأطلسي في سوريا، بما يحاكي تجربة التدحرج العراقية في مطلع التسعينيات وفرض منطقة الحظر الجوي، الممهدة للانسلاخ الكردي لاحقاً.
الورقة الكردية التي تلعبها واشنطن دفعت نحو حتمية التقارب التركي مع موسكو وطهران. وجعلت بنعلي يلدريم يعلن رفضه لأي مخطط لتقسيم سوريا والموافقة على مرحلة انتقالية لا يستبعد منها الرئيس الأسد. فتركيا تراقب كيف يحاول الأمريكان اجتثاث وجود الدولة السورية في الشرق والشمال السوري من ثلاث بؤر متبقية هي دير الزور والحسكة والقامشلي.
وما يفعله الأمريكيون هناك يهدد مستقبل العشائر العربية في معركة مصير ديمغرافي اقتلاعي، أشَّرت عليه بقوة عملية اضرام النيران في وثائق ومستندات الملكية في مدينة منبج بعد خروج داعش ودخول المقاتلين الأكراد اليها.
إن الأمريكي، من خلال قواعده العسكرية في الشمال، يريد تقييد حركة الأتراك ومنعهم من الوقوف حجر عثرة في طريق مخططه، والتحكم في خطوط التواصل والإمداد من الحدود التركية. ثم ضمان ولاء الدويلة الناشئة لاحقا من خلال وجود هذه القواعد.
لم يعد خافيا سعي الأمريكيين إلى تقسيم سوريا إلى ثلاثة دويلات على الأقل علوية على الساحل وكردية في الشمال الشرقي وسنية في الوسط والجنوب. وبقطع النظر عن شكوكنا الكبيرة في إمكانية تحقيق ذلك، فإن البوصلة الأمريكية تظل دائما متجه نحو المصلحة الكبرى لإسرائيل في المنطقة. وذلك كله يمكِّننا من الاستنتاج أن تفاهمات تحت الطاولة يجري الإعداد لها من أجل تقاسم التركة السورية وتوزيع جديد للنفوذ وتأمين محيط ضعيف للكيان الصهيوني. وهذا لن يكون نهاية المطاف، بل إن الدور قادم على بقية دول المنطقة. فكما تم سلخ كردستان من العراق عمليا، فإن الأمر ذاته يجري العمل لتحقيقه في سوريا، بينما تبقى تركيا ثم ايران أهدافا مستقبلية.
تقسيم المنطقة على أسس عرقية وطائفية هو ما يعطي لإسرائيل مشروعية إعلان نفسها دولة يهودية. فعندما تكون لدينا في المنطقة دول سنية وشيعية وعلوية وكردية... فإنه يصبح من المشروع إعلان إسرائيل دولة لليهود وحدهم ليتم على أساس ذلك أبعاد الفلسطينيين من الكيان الجديد وطردهم إلى أماكن أخرى!







ليست هناك تعليقات: