الثلاثاء، 25 يوليو 2017

التغلغل الصهيوني في تونس.. ومعارك مقاومة التطبيع المستمرة







قاسم شعيب


رغم أن عدد الحاضرين، في متحف قرطاج ليلة 19 من الشهر الجاري لمتابعة عرض الكوميدي الفرنسي التونسي من أصل يهودي ميشال بوجناح، في الدورة 53 لمهرجان قرطاج، لم يتجاوز 700 شخص، إلا أن مجرد إقامته، رغم المعارضة الشديدة لكثير من القوى المناهضة للتطبيع مثل اتحاد الشغل والجبهة الشعبية وعدة أحزاب وجمعيات مدنية، يشير إلى أن إدارة مهرجان قرطاج ووزارة الثقافة كانتا واقعتين تحت تأثير لوبي صهيوني قوي في تونس.
يعتبر ميشال بوجناح نفسه نصيرا لإسرائيل ومدافعا شرسا عنها. وهو لا يوفر مناسبة دون الإعلان عن ذلك. بل إنه لا يخفي ولاءه للكيان الغاصب الذي سرق أرضا من أهلها ثم قتل من قتل وشرد من شرد في أطراف الأرض.. لا يُخفي ميشال بوجناح ذلك، وهو ما يعني أن الرجل ليس يهوديا وطنيا مسالما لا مشكلة في إقامته عروضا فنية في بلده الأول الذي ولد فيه وعاش طفولته قبل أن يستقر مع والديه في فرنسا، بل إنه صهيوني الفكر والهوى. فهو من أولئك اليهود الذين تُدغم عندهم العقيدة اليهودية بالميولات السياسية الصهيونية. والتعامل معه في مؤسسات الدولة الرسمية يعني أننا أمام حكومة تستمرئ التطبيع حتى وإن حاولت تبرير ذلك بطرق وأشكال لا علاقة لها بالمنطق والمعقول.
عَرْض بوجناح عرّى الكثير من الحاضرين، كما أكد الهوى الصهيوني لآخرين، مثل المخرج ابراهيم لطيف والكوميدي لطفي العبدلي وعميد كلية منوبة حبيب الكردغلي.. فهؤلاء وغيرهم يحتلون مواقع أكاديمية وثقافية مؤثرة في المجتمع وداخل مؤسسات الدولة. ولا شك أن التطبيع الثقافي والأكاديمي هو المدخل الأخطر للتطبيع السياسي والاقتصادي الذي لا يمكن للحكومة التونسية أن تبرئ نفسها منه منذ أيام حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي فتح مكتبا للعلاقات مع الكيان الصهيوني سنة 1996 قبل أن يضطر لغلقه سنة 2000 بعد اندلاع الانتفاضة الثانية.
لكن العلاقات مع إسرائيل لم تبدأ مع الرئيس المخلوع ابن علي، بل إنها بدأت مبكرا منذ جوان 1952 عندما التقى الباهي الأدغم الذي كان مقرّبا من الرئيس السابق حبيب بورقيبة، بجدعون رافائيل بزعم الحصول على دعم من أجل الاستقلال التونسي. وفي عام 1956، بعد أن أعلنت تونس الاستقلال، التقى الأدغم سرّا مع يعقوب تسور، سفير إسرائيل لدى فرنسا. وفي وقت لاحق من ذلك العام، التقى تسور مع وزير المالية التونسي، الذي سعى إلى مساعدة إسرائيل في بناء المستوطنات الزراعية التعاونية.
غير أن إغلاق مكتب العلاقات لم يمنع زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم من زيارة تونس في نوفمبر 2005. وصل شالوم، على متن الخطوط الجوية الإسرائيلية، بشكل رسمي إلى تونس، التي ولد في إحدى مدنها؛ قابس، قبل أن يغادر مع والديه إلى فلسطين وهو في سنته الأولى من عمره، بدعوى حضور القمة العالمية لمجتمع المعلومات WSIS حينها، وهو مؤتمر يعقد تحت رعاية الأمم المتحدة. حينها قال شالوم بوضوح "ستكون هذه فرصة أخرى لدفع أجندتنا حول مسألة التطبيع مع العالم العربي، والدول الاسلامية".
كان أمل التونسيون كبيرا في قطع العلاقات مع جميع الوجوه الصهيونية بعد "ثورتهم". غير أن أملهم تبخر. وأصبحت الكثير من الوجوه الأكاديمية والفنية والثقافية لا تخجل من زيارة تل أبيب ومناطق أخرى من فلسطين المحتلة 48 في شكل مشاركات مختلفة في ندوات وحفلات فنية كما فعل مثلا المطرب المعروف صابر الرباعي قبل سنتين. بل إن زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي لم يتردد في زيارة منظمات صهيونية كثيرة مرات عديدة بعد "الثّورة"، أهمّها: Aipac وLe WINEP – Washington Institute for Near East Policy  و  Saban Center for Middle East Policy  وCouncil on Foreign Relations  – CFR  و Chatham House  و Foreign Policy. وهو ما أهَّلَه لتصنيفه واحدا من بين أكثر 100 شخصية مؤثّرة في العالم سنة 2012  في صحيفة TIME.
وكان من الطبيعي، تبعا لذلك، أن تُسقط حركة النهضة وحلفاءها مطلب إدراج فصل في الدستور لتجريم التطبيع. وعندما سئل رئيس كتلة حركة النهضة في البرلمان حينها؛ الصحبي عتيق، عن سبب ذلك فاجأنا بتصريح يقول فيه: إن حركة حماس طلبت منّا عدم سن هذا الفصل! لكن حركة حماس كذّبت، على لسان الناطق الرسمي باسمها، ادّعاء الصحبي عتيق في اليوم نفسه. وغاب بعدها عتيق عن الإعلام ولم يطلب الاعتذار من التونسيين ولا من الفلسطينيين على اختلاقه خبرا لا أساس له.
لم تكتف الحكومات التونسية المتعاقبة بمحاولات التطبيع السياسي المستمرة، بل إنها بحثت عن إنزال التطبيع الى المستوى الشعبي. ووجدت في المعبد اليهودي بالغريبة مبررا لاستقبال إسرائيليين. حدث في الماضي تحت غطاء غربي عندما كان هؤلاء الإسرائيليون يدخلون بجوازات أوروبية وأمريكية.. غير أنه أصبح اليوم، مع حكومة نداء تونس وحركة النهضة، يتم، دون مواربة، بجوازات إسرائيلية.
كان تجريم التطبيع مطلبا شعبيا ولا يزال. غير أن ما حدث هو وقوف حركات وأحزاب، ظن كثيرون لوقت طويل أنها كانت مناهضة للصهيونية والتطبيع، في وجه مطالب الشعب. فهذه الأحزاب، بمجرد وصولها إلى السلطة، تبيّن أنها لم تكن سوى تجمعات للسمسرة، لم يتجاوز الهدف من رفعها شعارات معاداة الصهيونية والانتصار لقضية فلسطين، شراء قلوب البسطاء من الناس.
إن هذا كله يحيل إلى وجود مخطط كامل يتم تطبيقه بشكل تدريجي إلى أن يصبح التطبيع بكافة أشكاله شيئا عاديا، وإلى أن تصبح معارضة التطبيع شيئا مستهجنا وحتى مثيرا للسخرية!
لا يعني التطبيع مع الصهاينة، فقط، تنازلا عن حق الشعب الفلسطيني في النضال من أجل استرجاع أرضه وطرد المحتلين الأغراب منها، بل يعني، أيضا، تهديدا مباشرا لاقتصاد البلد الذي أصبح مشلولا، يعاني إفلاس شركاته بعد هجوم شركات الأوف شور، وتراكم ديون البنوك الدولية التي يعرف الجميع من يملكها، وتهشّم ثقافة أهله التي أصبحت فعليا بلا لون ولا طعم!..


الاثنين، 17 يوليو 2017

عملية القدس وصفقة القرن







قاسم شعيب



حين استولت الحكومة الصهيونية على مفاتيح القدس سنة 1969، قالت رئيسة الوزراء حينها غولدا مائير إنها لم تنم ليلتها وكانت تنتظر أن ترى الجيوش العربية على أبواب فلسطين، لكن بعد أن مر الأمر دون أية ردة فعل وكأن شيئا لم يكن، قالت "نستطيع أن نفعل أي شيء".

واليوم تؤكد الأنظمة والحكومات العربية ظن غولدا مائير فيها، وتكشف ردة فعلها ما كانت تخفيه لعقود متتالية. لم يعد هناك محل للخجل بعد أن أصبح حتى مجرد التنديد بما يفعله المحتل الإسرائيلي في القدس بشكل خاص شيئا من الماضي. والاستهجان الفلسطيني لهذا الموقف يكاد يصل إلى حد الغرابة، إذ ماذا يمكن للفلسطينيين أن ينتظروا من هذه الأنظمة؟..

بل إننا نرى اليوم انضمام حركات وأحزاب ظن كثيرون لعقود طويلة أنها كانت صادقة في دفاعها عن قضايا الناس والأمة، ومنها قضية فلسطين والقدس. لقد صمتت، مثلا، حركة النهضة في تونس. ولم نر زعيمها الذي تعوّد إصدار البيانات باسمها في كل مناسبة كتَب بيانا أو قال شيئا عن عملية القدس ثم إغلاق المسجد بعد ذلك. بل إن زعيم الحركة راشد الغنوشي بدأ يدعو إلى منح الفلسطينيين حق المواطنة لأن ذلك كفيل بخلق دولة ديمقراطية يعيش في الفلسطينيون والإسرائيليون جنبا إلى جنب كما نقل عنه رئيس حزب البناء رياض الشعيبي. وهو ما يمثل تنازلا كاملا عن فكرة الدولة الفلسطينية الحرة على أرض فلسطين التاريخية والتي لا حق فيها للصهاينة الأغراب.

لا يجب أن يُبَرَّر ذلك الصمت بانشغال العرب بمشاكلهم الداخلية وحالة الخذلان الواسعة التي تسود واقعهم. بل إن ذلك يجب ربطه بما يتم إعداده لهذه المنطقة فيما أصبح يعرف بصفقة القرن. ليس صحيحا أن الحكومات والأحزاب العربية كلها مشغولة بأوضاعها الداخلية، ذلك إن موقفا سياسيا مما يحدث في القدس لا يكلف شيئا لولا وجود اتفاقات مسبقة تقضي بالتزام الصمت إزاء الخطوات الصهيونية التي لن يكون إغلاق مسجد قبة الصخرة سوى مقدمة لها. زار الرئيس الأمريكي الرياض قبل شهرين وعقد صفقات ضخمة لم تتوقف عند بيع السلاح وعقود الاستثمار، بل تجاوزتها إلى صفقات سياسة بحضور 50 حاكما "عربيا" و"مسلما"، هي الأسوأ والأخطر على المستقبل القريب للمنطقة.

ما رشح عن تلك الاتفاقات والصفقات السياسية يؤكد التوجه الكامل نحو تطبيع سياسي وثقافي واقتصادي علني تقوده المملكة السعودية، والهجوم على الفلسطينيين في غزة والقطاع بمشاركة عربية رسمية لترحيلهم نحو سيناء والأردن ومناطق أخرى تمهيدا لتمدد الكيان الغاصب حسب ما هو مخطط له.

عملية القدس التي نفذها الشهداء جبارين أبناء مدينة أم الفحم داخل فلسطين المحتلة عام 48 جاءت في وقتها لتكون ردا أوليا، ولتؤكد أن القدس لا تزال حية في ضمير كل فلسطيني وعربي ومسلم حر مثل أي بقعة أرض فلسطينية أخرى. لم تتبنّ أية منظمة العملية، غير أنها لا تبدو عملا منفردا قرّره الشبّان الثلاثة انتقاما لممارسات المحتل الظالمة ضد الشعب الفلسطيني. وقد تعكس تنسيقا داخليا وخارجيا بين الكتلة المقاومة التي لا ترى طريقا أخرى لتحرير الأرض غير القوة..

لقد أرادت القوى المهينة في هذا العالم استغلال الاختلافات المذهبية والطائفية والدينية والعرقية لإثارة الفتن والصراعات بين المسلمين والمسيحيين، العرب وغير العرب، السنّة والشيعة.. وحتى بين السنّة في داخلهم كما نرى اليوم ما يحدث بين السعوديين ومن معهم والقطريين وداعميهم.. علينا أن نعترف أنهم نجحوا في ذلك إلى حد كبير، ليس لأنهم أذكياء وأقوياء، ولكن لأن بيننا أغبياء ومرتزقة سهّلوا لهم ذلك ونفّذوا ما طُلب منهم. لقد سبق لوزير الدفاع الصهيوني السابق موشي يعلون أن تحدث عن تغييرات في الاستراتيجية الإسرائيلية تقضي بجعل العرب والمسلمين يتقاتلون فيما بينهم من خلال خلق عصابات قتل وإجرام باسم الدين في إشارة إلى داعش وما شابهها..

ولا يمكن إفشال هذه المخططات الماكرة دون نقل المعركة الى أرض العدو، وتكثيف الضربات ضد الأهداف الاسرائيلية، لأن ذلك هو الأسلوب الكفيل بتوحيد الأمة الممزقة مرة أخرى وراء الهدف الكبير. لقد عمل الغرب والصهاينة الذين يحكمونه على استبدال العدو الرئيسي المشترك للعرب والمسلمين بأعداء وهميين من خلال وكلائهم في المنطقة ومن خلال الماكينة الإعلامية الضخمة التي صوّرت العدو صديق والشقيق عدو.. والانسياق وراء ذلك ليس إلا خدمة لمشاريعهم.
تكمن أهمية عملية القدس في نتائجها. لقد فضحت لأول مرة تجّار القضية، وحدّدت من يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني ومن يعمل ضدّه. وهي لذلك لابد أن تؤسس لاصطفافات جديدة على قاعدة الموقف المبدئي المتعالي على أية نزعات غرائزية طائفية أو إثنية أو سوقية. 


الخميس، 13 يوليو 2017

من الجولان إلى الموصل.. الرابحون والخاسرون!








قاسم شعيب



أصبح اتفاق وقف إطلاق النار بين الروس والأمريكيين في جنوب سوريا قيد التنفيذ.. وهو اتفاق يُمنع بموجبه إطلاق الصواريخ على "إسرائيل"، ليعود الهدوء على طول الحدود في هضبة الجولان. لا يفكر الأمريكيون والروس في شيء أكثر من أمن "إسرائيل"، ولا توجد أية مصلحة للنظامين السوري أو الإيراني في حساباتهما. وقد عادت "إسرائيل" وأوضحت ما هي الخطوط الحمراء بالنسبة لتواجد إيران في هضبة الجولان، ولا يسع روسيا سوى الاستماع إلى صوت إسرائيل. من الواضح أن الاتفاق جزء من عملية أوسع لترتيب الوضع في سوريا قبل الإقدام على خطوات أخرى ليست بكل تأكيد من أجل التقليل من كثافة نيران الحرب وإنما من أجل رسم مشهد جديد في سوريا والمنطقة.. كانت الأردن شريكة في الاتفاق. لكن إيران لم تكن موجودة وحتى النظام السوري كان غائبا. فالاتفاق هنا هو على حساب هذين الطرفين.

لا نتصور أن تقسيم سوريا ممكن الآن. والأرجح هو تسليمها إلى قيادة جديدة تكون موالية بشكل مطلق للأمريكي والصهيوني. ولعل هذا ما شكّل جزءا من الاتفاق الروسي الامريكي. لا يسيطر بشار الأسد الآن إلا على ربع جغرافية البلاد. وهو الجزء الأكثر كثافة سكانية. لكن تسليم السلطة إلى قيادة بديلة سيعني نهاية المعارضة السورية التي ستندمج في النظام الجديد أو تتعرض للإبادة بعد أن تصبح عمليا بلا داعم لا ماليا ولا عسكريا ولا سياسيا.

وبحسب مصادر، فإن محادثات جرت في الأردن بمشاركة عسكريين أمريكيين وروس من أجل رسم خطوط التداخل والفصل في الجنوب السوري، الذي سيبقى تحت سيطرة النظام السوري، بينما ستبقى المنطقة الحدودية مع "إسرائيل" تحت السيطرة المعارضة المسلحة.

لا يوجد رابح في هذه الترتيبات داخل سوريا. لا النظام ولا المعارضة. فهذه الترتيبات تريد بالأساس تأمين حدود "إسرائيل". ولا يزال التهديد الامريكي ضد الأسد قائما. فعمليا لم يعد للنظام مكان ولم تعد هناك حاجة إليه بعد أن تم تأمين الحدود من دونه..

يريد الأمريكيون مسح الجغرافيا الرابطة بين سوريا والعراق كلها. فالمشروع كبير واسمه الشرق الأوسط الجديد الذي يعني دولة كبرى لـ"إسرائيل" من الفرات إلى النيل. حلم لم يتبخّر وكل الترتيبات هي من أجل تحقيق هذا الهدف.

صنع الأمريكيون داعش ولكنهم أيضا صنعوا المعارضة السورية المسلحة لتدمير ما أمكن وإثارة فوضى واسعة تمهيدا للانقضاض على الأرض في ظل معاناة واسعة للناس وترهل كامل في منظومات الدفاع. والذين يتحدثون عن صراع أمريكي ضد داعش ينخدعون بما يروجه إعلامها النافذ بقوة.

تزامن حدث إعلان الاتفاق على منطقة آمنة على جنوب سوريا مع حدث إعلان تصفية داعش من الموصل. شن الطيران الأمريكي 4000 غارة جوية دمر بها أهم المعالم الأثرية للمدينة. وكان دخول هذا التنظيم المصنوع أمريكيا مجرد تغطية على عمليات نهب واسعة لكنوز الموصل ثم جعله مبررا لتدميرها بالكامل.. فقد أدخل الأمريكيون الدواعش إلى المدينة كما أدخلوهم سابقا إلى مدن أخرى مثل الفلوجة والرمادي وتدمر والرقة... ثم أخرجوهم سالمين.. وإذا وجد قتلى في صفف التنظيم فلن يكونوا سوى أفراد مغرر بهم تمت التضحية بهم في النهاية كما يحدث مع سائر المرتزقة في العالم.

سواء قتل أبو بكر البغدادي كما أكد المرصد السوري، والبيان المنسوب لداعش، أم سحب إلى مكان آمن للاستمتاع بحوريات فلوريدا بعد أن انتهى دوره، فإن تنظيم داعش، الذي رُكِّب اسمه على اسم الإسلام إمعانا في التشويه، انتهى أو شارف على الانتهاء. لم ينهه الجيش السوري ولا الجيش العراقي.. بل إن هذا التنظيم كما دخل مدنا عراقية وسورية بأقل التكاليف، خرج منها أيضا بأقل الاضرار. كثيرة هي المدن التي دخلها هذا التنظيم دون قتال: الفلوجة والرمادي وتدمر والرقة والموصل.. ثم خرج منها بعد أن تم تدمير تراثها ونهب كنوزها وآثارها التي لا تقدر بثمن.

من الواضح أن داعش لا تدخل ولا تستقر إلا في المناطق الحاضنة. ولولا أن شمال العراق، وجنوب شرق سوريا حواضن للدواعش لما أمكنهم الدخول والاستقرار.. يعرف الأمريكيون تلك المدن الحاضنة ويقومون بإدخال داعش إليها لايجاد مبررات سرقة كنوزها وآثارها ثم تدميرها.. كانت خطة ساعدهم على إنجاحها أهالي تلك المدن، إما بسبب عجزهم عن مواجهة التنظيم المسلح أو بسبب ردود افعالهم تجاه الانظمة التي تحكمهم!

كلنا يتذكر كيف دخل هذا التنظيم إلى الموصل سنة 2014 بعد أن تم تسليم المدينة يدا بيد دون أيه مقاومة تذكر. حينها قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن التنظيم سيبقى ثلاث سنوات. وقد كان الرجل صادقا.. فهو مَنْ صنع داعش كما قال خلفه دونالد ترامب وهو أعلم بتفاصيل المخطط الذي تواطأت فيها جهات داخل النظام العراقي. وفي أكتوبر 2016 نشرت وكالة سبوتنيك الروسية خبرا يقول إن أمريكا والسعودية اتفقتا على السماح لـ"داعش" بالخروج من الموصل إلى سوريا. وفي سبتمبر من العام نفسه حذّر وزير الدفاع الفرنسي من انتقال داعش إلى مصر أو تونس. بينما بشّر معهد واشنطن بظهور تنظيم داعش جديد بعد داعش الحالي. هذه التواريخ كانت متزامنة مع انطلاق المعارك ضد داعش في الموصل.. ما يعني أن الخطة كانت مرسومة بدقّة، وهي لا تزال تطبق على أرض الواقع فصولا متتالية.

لم نر جثثا لدواعش ولا أسرى في كل مرة يقال لنا إن داعش قد تم دحره. وكل ما رأيناه مدنيون مشردون ومدنا مدمرة وجثثا تستخرج من تحت الأنقاض وآثارا منهوبة. وهذا يؤكد أن الأمريكيين يقومون بإدخال داعش إلى المدينة المستهدفة لتكون غطاء لنهبهم وسرقتهم لتراث وآثار تلك المدن.. ثم يتم تدمير تلك المدن على رؤوس أهلها وسحب ألعوبتهم بسلام. وهذا لا يتنافى مع بقاء بعض المقاتلين الذين يتم استغفالهم وإيهامهم بأشياء لا حقيقة لها، من أجل التغطية على حقيقة المخطط.

واهم من يظن أن الأمريكي يخسر الآن في سوريا أو العراق. فالعكس هو الصحيح. إنه ينفذ مخططاته بدقة كبيرة. أغرق الجميع في المنطقة.. وهو الآن يريد قطف الثمار من خلال الإجهاز على كل الأطراف التي أنهكها القتال على مدى سنوات.




الخميس، 6 يوليو 2017

السدومية والشذوذ ثقافة يهودية متأصلة.. يُراد تعميمها







قاسم شعيب


كانت السدومية، أو الشذوذ الجنسي الذي يعرف بـ"اللواط"، ولا تزال، جزءا أصيلا من التاريخ والثقافة اليهوديين، وكانت شائعة بعمق داخل المعابد، بين الكهنة والحاخامات.

وعندما نعود إلى ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﻘﺒﺎﻟﻲ، وهو نزعة صوفية يهودية، نجد أﻥ الإﻟﻪ ﻭالإ‌ﻧﺴﺎﻥ ﻣﻜﻮﻧﺎﻥ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺫﻛﻮﺭية ﻭأﻧﺛوية ﻣﺨﺘﻠطة. ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺼﻮّﺭ ﺍﻟﺤﻠﻮﻟﻲ ﻛﺎﻥ ﻟﻪ تأثيره الكبير على ﺷﺮعنة ﺍﻟﺸﺬﻭﺫ ﺍﻟﺠﻨﺴﻲ والسدومية ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩية. بل إن بعضهم يرى أﻥ ﺍﻟﺸﺬﻭﺫ ﺍﻟﺠﻨﺴﻲ هو أﺣﺪ ﺳﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤاشيح اليهودي ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﺮ، عل أساس عقيدتهم في "ﺍﻟﺼﻌﻮﺩ ﻣﻦ ﺧﻼ‌ﻝ ﺍﻟﻬﺒﻮﻁ". ﻭﻫﻮ ﺍﺗﺠﺎﻩ إﺑﺎﺣﻲ ﺗﺮﺧﻴﺼﻲ ﻳﺆﺻﻞ ﻟﻔﻜﺮة تقول إن الإنسان كلما ﺍﺯﺩﺍﺩ ﺍﻧﺤﻼ‌ﻻ‌ أصبح أكثر سموا، وكلما اقترب أكثر من الإله كلما أمكنه التخلي عن الشرائع. 

ولعل ﻇﺎﻫﺮة ﺷﺒﺘﺎﻱ ﺗﺴﻔﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺩّعى أﻧﻪ ﺍلماشيح ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﺮ، تجسيد واضح لهذه العقيدة. فقد طاف البلدان ﻭﺗﺤﺮﻛﺖ ﻣﻌﻪ ﻗﻠﻮﺏ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻓﻲ ﻛﻞ أﻧﺤﺎﺀ ﺍلأ‌ﺭﺽ، ﻭﺍﺳﺘﻌﺪﺕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻼ‌ﺕ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩية ﻟﻠﻌﻮﺩة إلى أﺭﺽ ﺍﻟﻤﻴﻌﺎﺩ ﺣﻴﺚ أﺳﻘﻂ ﺗﺴﻔﻲ ﺍﻟﺸﺮﺍﺋﻊ ﻭﺍﻧﻐﻤﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻠﺬﺍﺕ، ﻭﻇﻬﺮﺕ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﻴﻮلات سدومية وشاذة. ﻭﻫذا الشخص هو ﻣﺆﺳﺲ ﺍﻟﺤﺮكة ﺍﻟﺸﺒﺘﺎنية ﺍﻟﺘﻲ أﻓﺮﺯﺕ ﻳﻬﻮﺩ ﺍﻟﺪﻭنمة، وﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺤﺮكة ﺍﻟﺼﻬﻴﻮنية ﺍﻣﺘﺪﺍﺩا ﻟﻬﺎ .ﻭﻗﺪ ﻭﺭﺛﺖ ﺍﻟﺤﺮكة ﺍﻟﺤﺴﻴﺪية ﻣﻌﻈﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻻ‌ﺗﺠﺎﻫﺎﺕ الإﺑﺎحية ﻭﻧﺎﺩﺕ ﺑﻤﺎ أﺳﻤﺘﻪ "ﺍﻟﺨﻼ‌ﺹ ﺑﺎﻟﺠﺴﺪ" على أساس الأﻓﻜﺎﺭ ﻭﺍﻟﻤﻌﺘﻘﺪﺍﺕ ﺍﻟﺴﺎبقة ذاتها.

 واليوم تضم تل أبيب أكبر عدد من الشواذ في العالم، حتى باتت تسمى "المدينة الوردية" أو "شاطيء قوس قزح" نسبة إلى ألوان العَلَم الذي يتخذه الشواذ شعارا لهم. ويحاول نشطاء مثليون تقديم تأويلات جديدة للتاناخ أو التوراة، كتاب اليهود المقدس، لإقناعهم بالتعايش مع الشواذ.
وفي دراسة أجراها المؤرخ اليهودي يارون بن نائيه، أكد أن الشذوذ كان منتشرا جدا بين أبناء الطائفة اليهودية زمن الإمبراطورية العثمانية، وهناك عشرات الدلائل التي تؤكد أن المجتمع اليهودي لم يكن يَنْظر، في أي وقت من الاوقات، بسلبية إلى الشذوذ الجنسي.

ويقول ليفني إن المثلية الجنسية هي مجرد عادات غربية جلبها اليهود الأشكناز القادمون من الدول الأوروبية إلى فلسطين المحتلة والتي تعتبر جزءا من تقاليد الأنجلو ساكسونية. واليوم يتم النظر إلى مثليي الجنس فى دولة الصهاينة في فلسطين على نحو عادى، وتسمح هذه الدولة الغاصبة للشواذ فيها وفي جميع أنحاء العالم، كل صيف، بالخروج فى مسيرات تبدأ من مدينة تل أبيب وتنتهى بمدينة القدس.

وهي لا تمانع من مشاركة الشواذ فى الخدمة العسكرية، حيث ذكر تقرير نشر بالقناة الثانية بالتلفزيون الإسرائيلي أن الجيش دفع بجنود شواذ خلال الحرب الأخيرة على غزة. فقد تم منذ سنة 1988 إلغاء القانون الذي يحظر الشذوذ في دولة الاحتلال، بعد صدور حكم قضائي حصلت عليه جمعية "حقوق المواطن" وجمعية "هلهطاب". وبذلك سُمح لمثليي الجنس بالزواج العرفي وتبني الأولاد من قبل الأزواج المثليين. ﻭﻗﺪ ﻋﻘﺪ حاخام يهودي أﻭﻝ ﺯﻭﺍﺝ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺸﻮﺍﺫ ﺟﻨﺴﻴﺎ ﻓﻲ إﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﻋﺎﻡ 1998.

وخلال القرن الماضي أثبت المفكرون اليهود أن المثلية الجنسية جزء لا يتجزّأ من تاريخ الشعب اليهودي والتقاليد اليهودية القديمة باستثناء هانز يواكيم المؤرخ اليهودي واللاهوتي وزعيم حركة الشباب اليهودي الألماني، الذي يرى أنها وباء على إسرائيل والمنطقة وقاد حملة لحظرها في المجتمعات اليهودية في فترة السبعينات دعمها عضو البرلمان ليفني ليتم إلغائها.

حافظ اليهود على علاقات سدومية شاذة بين الذكور. وكانت العلاقات الجنسية المثلية الشاذة شائعة إلى حد كبير، تدل على ذلك عشرات المصادر. وحتى في العصر الحديث لم يكن هذا السلوك سلبياً بين أبناء المجتمع اليهودي. وفي العقود الأخيرة، عاش اليهود المثليين والمثليات بشكل عادي في المجتمع اليهودي وهو الأمر الذي لم يرفضه الحاخامات "الوسطيون" والليبراليون.

وفي كتاب المؤرخ اليهودي لانجر الذي صدر بعنوان "الحب الأخوي" أي حب الرجل للرجل، عام 1932، وصف حب الذكور لبعضهم بعضا بالحب "الأعمق" معتبرا إياه الرغبة الأساسية في الديانة اليهودية، على أساس الوصية الشائعة "محبتك لأخيك الإنسان كمحبتك لنفسك". ويرى لانجر أن حب الذكر للذكر ينتصر على مر الأجيال لأنه حب حقيقي لا يرتبط بالرغبة في العلاقات الجنسية فقط. أما النداءات المستمرة لحظره فتدل على أنه أمر شائع بين اليهود.

وعلى هذا النحو، ﺍﻧﺘﺸﺮﺕ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺎﺕ ﺍلجنسية ﺍﻟﺸﺎﺫة ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ عبر التاريخ. ويمكننا أن نرصد كيف كان اليهود ﺍﻟﺴﻔﺎﺭﺩ، ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻄﺮﺩ ﻣﻦ أﺳﺒﺎﻧﻴﺎ، وبعده، موصوفين بالشذوذ ﺣﺘﻲ أﻥ ﻛﻠﻤﺘﻲ ﻳﻬﻮﺩﻱ ﻭﺷﺎﺫ ﺟﻨﺴﻴﺎ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﻣﺘﺮﺍﺩﻓﺘﻴﻦ ﻓﻲ ﺷﺒﻪ ﺟﺰﻳﺮة إﻳﺒﻴﺮﻳﺎ .

ولأجل ذلك ليس غريبا أن يكون ﻣﺎﺟﻮﻧﻮﺱ ﻫﻴﺮﺷﻔﻴﻠﺪ ﻭﻣﺴﺎﻋﺪﻩ ﻛﻮﺭﺕ ﻫﻴﻠﺮ، ﻭﻛﻼ‌ﻫﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻬﻮﺩﻳﺎ، هما المؤسسان لأول جماعة ﻟﻠﺸﻮﺍﺫ ﺟﻨﺴﻴﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻛﻮﺭ. بينما ﻛﺎﻥ ﻫﻴﻠﺮ أﻭﻝ ﻣﻦ ﻃﺎﻟﺐ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﺸﻮﺍﺫ ﺟﻨﺴﻴﺎ أقلية ﻻ‌ﺑﺪ ﻣﻦ ﺣﻤﺎية ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ .

كان الشذوذ الجنسي والسدومية المثلية ممارسة موجودة في كافة المجتمعات. وكانت المجتمعات على اختلاف ثقافاتها تجَرِّم هذه الممارسة. غير أن الجديد الذي يريد اليهود الحاكمون في العالم اليوم تعميمه، من خلال شركاتهم الضخمة ونواديهم المعلنة والخفية وسلطتهم على مختلف الأنظمة والحكومات، هو تحويل الشذوذ إلى سلوك قانوني ومشروع تماما ليصبح الزواج المثلي شيئا طبيعيا يتم التنظير له وتبريره من خلال الإعلام والسينما والموسيقى والأعمال الفنية المختلفة.. ولا شك أن هذا الأمر لا هدف من وراءه سوى تدمير الأسرة وتخريب العلاقات الجنسية الطبيعية بين الرجل والمرأة من خلال مؤسسة الزواج، وتعميم هذا السلوك الشاذ في العالم وصولا إلى تدمير أهم قيمة إنسانية وهي قيمة الحياة حيث لا تناسل بين شواذ..