الخميس، 13 يوليو 2017

من الجولان إلى الموصل.. الرابحون والخاسرون!








قاسم شعيب



أصبح اتفاق وقف إطلاق النار بين الروس والأمريكيين في جنوب سوريا قيد التنفيذ.. وهو اتفاق يُمنع بموجبه إطلاق الصواريخ على "إسرائيل"، ليعود الهدوء على طول الحدود في هضبة الجولان. لا يفكر الأمريكيون والروس في شيء أكثر من أمن "إسرائيل"، ولا توجد أية مصلحة للنظامين السوري أو الإيراني في حساباتهما. وقد عادت "إسرائيل" وأوضحت ما هي الخطوط الحمراء بالنسبة لتواجد إيران في هضبة الجولان، ولا يسع روسيا سوى الاستماع إلى صوت إسرائيل. من الواضح أن الاتفاق جزء من عملية أوسع لترتيب الوضع في سوريا قبل الإقدام على خطوات أخرى ليست بكل تأكيد من أجل التقليل من كثافة نيران الحرب وإنما من أجل رسم مشهد جديد في سوريا والمنطقة.. كانت الأردن شريكة في الاتفاق. لكن إيران لم تكن موجودة وحتى النظام السوري كان غائبا. فالاتفاق هنا هو على حساب هذين الطرفين.

لا نتصور أن تقسيم سوريا ممكن الآن. والأرجح هو تسليمها إلى قيادة جديدة تكون موالية بشكل مطلق للأمريكي والصهيوني. ولعل هذا ما شكّل جزءا من الاتفاق الروسي الامريكي. لا يسيطر بشار الأسد الآن إلا على ربع جغرافية البلاد. وهو الجزء الأكثر كثافة سكانية. لكن تسليم السلطة إلى قيادة بديلة سيعني نهاية المعارضة السورية التي ستندمج في النظام الجديد أو تتعرض للإبادة بعد أن تصبح عمليا بلا داعم لا ماليا ولا عسكريا ولا سياسيا.

وبحسب مصادر، فإن محادثات جرت في الأردن بمشاركة عسكريين أمريكيين وروس من أجل رسم خطوط التداخل والفصل في الجنوب السوري، الذي سيبقى تحت سيطرة النظام السوري، بينما ستبقى المنطقة الحدودية مع "إسرائيل" تحت السيطرة المعارضة المسلحة.

لا يوجد رابح في هذه الترتيبات داخل سوريا. لا النظام ولا المعارضة. فهذه الترتيبات تريد بالأساس تأمين حدود "إسرائيل". ولا يزال التهديد الامريكي ضد الأسد قائما. فعمليا لم يعد للنظام مكان ولم تعد هناك حاجة إليه بعد أن تم تأمين الحدود من دونه..

يريد الأمريكيون مسح الجغرافيا الرابطة بين سوريا والعراق كلها. فالمشروع كبير واسمه الشرق الأوسط الجديد الذي يعني دولة كبرى لـ"إسرائيل" من الفرات إلى النيل. حلم لم يتبخّر وكل الترتيبات هي من أجل تحقيق هذا الهدف.

صنع الأمريكيون داعش ولكنهم أيضا صنعوا المعارضة السورية المسلحة لتدمير ما أمكن وإثارة فوضى واسعة تمهيدا للانقضاض على الأرض في ظل معاناة واسعة للناس وترهل كامل في منظومات الدفاع. والذين يتحدثون عن صراع أمريكي ضد داعش ينخدعون بما يروجه إعلامها النافذ بقوة.

تزامن حدث إعلان الاتفاق على منطقة آمنة على جنوب سوريا مع حدث إعلان تصفية داعش من الموصل. شن الطيران الأمريكي 4000 غارة جوية دمر بها أهم المعالم الأثرية للمدينة. وكان دخول هذا التنظيم المصنوع أمريكيا مجرد تغطية على عمليات نهب واسعة لكنوز الموصل ثم جعله مبررا لتدميرها بالكامل.. فقد أدخل الأمريكيون الدواعش إلى المدينة كما أدخلوهم سابقا إلى مدن أخرى مثل الفلوجة والرمادي وتدمر والرقة... ثم أخرجوهم سالمين.. وإذا وجد قتلى في صفف التنظيم فلن يكونوا سوى أفراد مغرر بهم تمت التضحية بهم في النهاية كما يحدث مع سائر المرتزقة في العالم.

سواء قتل أبو بكر البغدادي كما أكد المرصد السوري، والبيان المنسوب لداعش، أم سحب إلى مكان آمن للاستمتاع بحوريات فلوريدا بعد أن انتهى دوره، فإن تنظيم داعش، الذي رُكِّب اسمه على اسم الإسلام إمعانا في التشويه، انتهى أو شارف على الانتهاء. لم ينهه الجيش السوري ولا الجيش العراقي.. بل إن هذا التنظيم كما دخل مدنا عراقية وسورية بأقل التكاليف، خرج منها أيضا بأقل الاضرار. كثيرة هي المدن التي دخلها هذا التنظيم دون قتال: الفلوجة والرمادي وتدمر والرقة والموصل.. ثم خرج منها بعد أن تم تدمير تراثها ونهب كنوزها وآثارها التي لا تقدر بثمن.

من الواضح أن داعش لا تدخل ولا تستقر إلا في المناطق الحاضنة. ولولا أن شمال العراق، وجنوب شرق سوريا حواضن للدواعش لما أمكنهم الدخول والاستقرار.. يعرف الأمريكيون تلك المدن الحاضنة ويقومون بإدخال داعش إليها لايجاد مبررات سرقة كنوزها وآثارها ثم تدميرها.. كانت خطة ساعدهم على إنجاحها أهالي تلك المدن، إما بسبب عجزهم عن مواجهة التنظيم المسلح أو بسبب ردود افعالهم تجاه الانظمة التي تحكمهم!

كلنا يتذكر كيف دخل هذا التنظيم إلى الموصل سنة 2014 بعد أن تم تسليم المدينة يدا بيد دون أيه مقاومة تذكر. حينها قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن التنظيم سيبقى ثلاث سنوات. وقد كان الرجل صادقا.. فهو مَنْ صنع داعش كما قال خلفه دونالد ترامب وهو أعلم بتفاصيل المخطط الذي تواطأت فيها جهات داخل النظام العراقي. وفي أكتوبر 2016 نشرت وكالة سبوتنيك الروسية خبرا يقول إن أمريكا والسعودية اتفقتا على السماح لـ"داعش" بالخروج من الموصل إلى سوريا. وفي سبتمبر من العام نفسه حذّر وزير الدفاع الفرنسي من انتقال داعش إلى مصر أو تونس. بينما بشّر معهد واشنطن بظهور تنظيم داعش جديد بعد داعش الحالي. هذه التواريخ كانت متزامنة مع انطلاق المعارك ضد داعش في الموصل.. ما يعني أن الخطة كانت مرسومة بدقّة، وهي لا تزال تطبق على أرض الواقع فصولا متتالية.

لم نر جثثا لدواعش ولا أسرى في كل مرة يقال لنا إن داعش قد تم دحره. وكل ما رأيناه مدنيون مشردون ومدنا مدمرة وجثثا تستخرج من تحت الأنقاض وآثارا منهوبة. وهذا يؤكد أن الأمريكيين يقومون بإدخال داعش إلى المدينة المستهدفة لتكون غطاء لنهبهم وسرقتهم لتراث وآثار تلك المدن.. ثم يتم تدمير تلك المدن على رؤوس أهلها وسحب ألعوبتهم بسلام. وهذا لا يتنافى مع بقاء بعض المقاتلين الذين يتم استغفالهم وإيهامهم بأشياء لا حقيقة لها، من أجل التغطية على حقيقة المخطط.

واهم من يظن أن الأمريكي يخسر الآن في سوريا أو العراق. فالعكس هو الصحيح. إنه ينفذ مخططاته بدقة كبيرة. أغرق الجميع في المنطقة.. وهو الآن يريد قطف الثمار من خلال الإجهاز على كل الأطراف التي أنهكها القتال على مدى سنوات.




ليست هناك تعليقات: