الأحد، 11 نوفمبر 2018

حكام تونس والحضن الصهيوني




يركض الشباب والشياب إلى وسط العاصمة ليقفوا بعض الوقت أمام المسرح البلدي. يقولون كلاما ويرفعون شعارات ثم يعوديون إلى بيوتهم فرحين مسرورين. هذه أشكال بائسة لما يسمى نضالا. يعرف الجميع أن المشكلة الأساسية تتحدد في الطبقة السياسية الحاكمة. ولو كانت لدينا حكومة وطنية لما وصلنا إلى هذا الحضيض.
يحتاج النضال الحقيقي أن يبدأ بهذه الحكومات المتعاقبة على بيع البلاد.. وهذا الهدف لا يمكنه أن يستغني عن مخاطبة الناس وإقناعهم، لكن ذلك غير ممكن دون امتلاك إعلام جاد وملتزم ومنابر ثقافية حقيقية.. ودون امتلاك ما يكفي من المصداقية.
تعيين روني طرابلسي ليس إلا امتدادا لتاريخ طويل من العلاقات التي تربط الطبقة السياسية الحاكمة منذ بداية الخمسينات، وحتى قبل ذلك، بالحركة الصهيونة والجهات اليهودية النافذة. وهذا يعني أن المشكلة ليست في هذا الوزير أو ذاك وإنما في نظام كان ولا يزال متواطئا ضد مصالح البلاد.
نشر ديفيد لاسكيير المؤرخ الإسرائيلي المتخصص في العلاقات المغاربية الإسرائيلية وثيقة عن العلاقات التي كانت تربط بورقيبة ونظامه بالأوساط اليهودية والصهيونية. وتؤكد أن تونس كانت، مع بورقيبة، تتقرب لأمريكا عبر الوسيط الإسرائيلي للحصول على الدعم.
في شهر شباط/ فيفري 1956 التقى بورقيبة السفير الإسرائيلي بباريس ياكوف تسور، خلال ما سمي بمفاوضات الاستقلال. ونصح السفير الإسرائيلي بورقيبة بـ"ضمان دعم اليهود الأمريكيين للحصول على دعم اقتصادي أمريكي". بعد ذلك سافر بورقيبة الابن الى واشنطن وقدمت له أمريكا دعما بـ20 مليون دولار مقابل شراء الخمور التونسية..
والسياحة التونسية نفسها ارتبطت بالدعم الاسرائيلي حيث طلبت غولدا مائير عندما كانت في وزارة الخارجية الإسرائيلية، من السفير الإسرائيلي بواشنطن تشجيع اليهود الأمريكيين على إضافة تونس إلى قائمة رحلاتهم السياحية، وحسب تلك الوثيقة، وصلت وفود منهم إلى تونس منذ نهاية سنة 1965.
ويوم 4 تشرين الأول/ أكتوبر 1966 التقى محمد المصمودي سفير تونس بباريس آنذاك مع السكرتير السياسي للمؤتمر اليهودي العالمي ألكسندر ايسترمن، وطلب دعم اليهود لتونس ماليا واقتصاديا.
لم يتغير شي مع ذهاب بورقيبة بل إن خلفه واصل المسيرة ذاتها. أما الذين جاءوا بعد هروب ابن علي أو تهريبه، فإنهم ينتقلون الآن من السرية إلى العلنية بعد أن عجز سابقوهم عن فعل ذلك أو الاستمرار فيه..
الطريق إلى واشنطن يمر عبر تل أبيت.. هذه قاعدة يعرفها الحكام العرب، وأكثرهم أو ربما كلهم، يعمل بها.. ونقطة الانطلاق في أي عملية تحرر سياسي لا بد أن تبدأ بهؤلاء الحكام والطبقة السياسية التي تحتضنهم..