الخميس، 13 فبراير 2020

الاستشراق المعاصر والسلفيات الجهادية


الاستشراق المعاصر والسلفيات الجهادية

قاسم شعیب

يسمي الكاتبُ والمترجم هاشم صالح الباحثَ الفرنسيّ جيل كيبل "أكبر مفكر عربي معاصر" لأنه أمسك بالمشكلة الأساسية في العالم، حسب تقديره، وهي مشكلة الأصولية والسلفية وركز عمله عليها منذ أكثر من أربعين سنة.

يعيد كيبل التطرف السلفي إلى تعاليم الإسلام نفسه. ويجعل من تلك الحركات مشكلة العالم الأولى. وهذا لا يحيل إلى معرفة عميقة بالإسلام لدى كيبل، كما أنه يمثل  اختزالا لمشكلة مركبة.

لم تظهر الحركات السلفية، المسماة جهادية، بشكل تلقائي بل هي حركات مصنوعة، عمل الغرب على صناعتها وتغذيتها منذ ظهور محمد بن عبد الوهاب والدولة السعودية، اعتمادا على مادة أولى وفرتها مدرسة "أهل الحديث" والنزعة السلفية والفقه التيمي.

اعتبر كيبل أن تلك الحركات مفصلية خارجة من عمق التاريخ. وهذا صحيح. ولكن ما أغفله كيبل هو الدور الغربي في احياء ذلك التراث التاريخي المستند إلى فتاوى متوترة وفقه سلطاني غالبا.

غني عن البيان أن ابن تيمية هو المنظر الأول للسلفيات المعاصرة مهما اختلفت فيما بينها سياسيا. فالأساس العقائدي يبقى مشتركا والقدر الأكبر من الرؤية الفقهية يبقى مشتركا أيضا.. اكتشف الغرب ذلك وعمل عليه. وكان البريطانيون سباقون إلى ذلك.

يعتقد كيبل أن الحركات السلفية تمثل "روح الإسلام" منذ كتابه الأول "النبي والفرعون".
في هذا الكتاب قدم صورة سلبية جدا عن الإسلام. وهذا متوقع من مستشرق فرنسي معاصر لا يدرك عمق الواقعة الإسلامية وتلبس التاريخ بالنظرية والعبث الذي يفوق الخيال الذي تعرض له الإسلام النبوي  في مفاهيمه وقيمه وأحكامه.

وقد تأثر بما كتبه كيبل كتاب كثيرون منهم عبد الوهاب المدب، سليل أحد شيوخ الزيتونة، الذي لم يتردد في عنونة كتابه بـ "مرض الإسلام"، وعفيف الأخضر في كتابه الذي أصدره قبل أن ينتحر: "من محمد الإيمان إلى محمد التاريخ" والذي مثل اعتداء على شخصية النبي ص.. وآخرين مثل جورج طرابيشي..

لم يهتد كيبل إلى ما اهتدى اليه اوليفييه روى الذي كتب "الجهل المقدس والتدين بلا ثقافة"، مؤكدا على أن الفكر والسلوك السلفيين غريبان عن تعاليم الإسلام. ومن الطبيعي أن يميل العلماني العربي، الكاره للدين في ذاته، إلى أطروحات كيبل دون أطروحات روى.

من الممكن أن تكون مشاكل الفقر والاقتصاد سببا جزئيا في انتشار الفكر السلفي، لكن هذا شيء هامشي. والمشكلة الأساسية تتردد بين الجهل بحقيقة التعاليم الإسلامية لدى الشباب ما يسهل استقطابه، والدور المخابراتي الكبير الذي صنع من ضباط مخابرات قادة وشيوخا يسوقون هؤلاء الشباب إلى أهدافهم ليكونوا هم المنفذين لأجنداتهم.

تسمية هذه الحركات السلفية بالإسلامية ظلم للإسلام وقد يكون الأمر مقصودا من أجل الإساءة والتشويه خاصة بعد أن انتقل حكام الغرب مثل الرئيس الفرنسي والرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني إلى الحديث عن "الإرهاب الإسلامي".

بالأمس استقبل الرئيس التونسي قيس سعيد هذا الكاتب الفرنسي جيل كيبل الذي أهداه كتابه الأخير "الخروج من الفوضى الشرق أوسطية" بعد أن أنهك الجميع.. لا نعلم مغزى ذلك الاستقبال. لكن تهليل هاشم صالح للكاتب والكتاب، قد يضيء على الحقيقة، رغم أنه اعترف أنه توقع خمسين سنة من الفوضى في العالم العربي.

نحن صنعنا الفوضى ونحن ننهيها بحسب ما تقتضيه مصالحنا.. هذا ما أراد الكتاب قوله. لكن السؤال يبقى عن كيفية انهائها..

يشتغل الغرب ضمن مؤسسات ومراكز دراسات استراتيجية.  وباحث مثل كيبل لا يمكن أن يكون خارج تلك المؤسسات.