الجمعة، 7 أكتوبر 2016

قيم عاشوراء
























قيم عاشوراء

قاسم شعيب



لم يكن الحسين* مجرد ثائر عابر في التاريخ، بل كان يمثل الامتداد الطبيعي لحركة النبوة المستمرة حتى نهاية العالم. جوهر الموضوع يتعلق بخط الحسين، وليس بممارسات شكلية أو نزعات طائفية يريد بعض الناس إسقاط الذكرى فيها.. تكاد تتحول ذكرى الإمام الحسين إلى طقس فلكلوري بلا روح. تكثر الولائم والملابس السوداء وحلقات اللطم.. غير أن المطلوب شيء أكبر من ذلك بكثير. لا شك أن هذه المظاهر الشكلية في إحياء عاشوراء لها أهمتها التي لا يمكن إنكارها. غير أن الأهم من ذلك هو فكر الحسين وقيمه ومواقفه وأخلاقه التي كان يعامل بها أصحابه والتي كان يواجه بها أعداءه.
يحتاج الولوج إلى عمق حركة الحسين إلى الاطلاع على تفاصيل تلك الثورة منذ بدايتها. ودون ذلك تبقى الصورة غائمة في الذهن، بل إن ذلك قد يسقطنا في كثير من التصورات والأفكار البعيدة عن حقيقة ما حدث. والاطلاع على تفاصيل حركة الحسين ليس مهمة النخبة من علماء ومثقفين، بل ينبغي أن يكون عمل كل السائرين في خط الحسين. ليس مفهوما أن يعلن أحدنا الانتصار للحسين وهو يجهل عنه أكثر الأشياء وأكثر المواقف. وثقافة السمع، التي يكتفي بها أكثر الناس، لا تغني عن ثقافة القراءة والدراسة الأكثر عمقا ووثوقا. فالاقتداء يحتاج إلى المعرفة ودون معرفة لن يكون هناك اقتداء حقيقي، بل ربما انحراف وتشويه.
إذا لم ينصف العرب والمسلمون الحسين وكل التاريخ الذي ينسب إليهم، فإنهم لن ينصفوا الحاضر، وستبقى كل ممارسات الظلم والفساد تتكرر. كان العرب، بشكل خاص، ولا يزالون، ضحية جهلهم أو لا مبالاتهم تجاه ما يحدث من فساد وظلم. في البداية استطاعت قريش استعادة مواقعها القديمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله. ثم اختارت سياسة تجهيلية واسعة لا تزال مستمرة حتى اليوم. وكان إبعاد أهل البيت عن مواقعهم الطبيعية المدخل الذي سمح لكل المُدَّعين بتشويه الإسلام في عقائده وأحكامه وقيمه وأخلاقياته. فعندما يتم منع تداول الحديث، والسماح، في مقابل ذلك، بنشر الاسرائيليات وتشجيع الخرافة، كما كان يفعل كعب الأحبار وتميم الداري وأبو سفيان نفسه الذي كان يرافق الجيوش ويروي الخرافات، فإن ذلك يعني التحكّم في عقول النّاس.
إننا، في كثير من الأحيان، لا نتصور الحسين إلا من خلال ثقافتنا المركبة التي لا يمثّل فيها الدين إلا جزء بسيطا. بينما تحتاج القراءة الموضوعية إلى التخلّي عن تلك المسبّقات الثقافيّة من أجل قراءة أقرب إلى واقع الحدث التاريخي الجلل. وعمليات الإسقاط التي تتعرض لها حركة الحسين هي التي ترسخ في مجتمعاتنا الأخطاء نفسها. تصبح هذه الثقافة المركبة أساسا لفهم عاشوراء. وهذا الأمر له تطبيقاته الأوسع في فهم النص الديني بشكل عام.
إن مصلحة الإسلام كانت هي المحرّك للحسين. ولو كانت مصلحة الإسلام في السكوت على يزيد لفَعَلَه الإمام. هذا الأساس هو المحدد لحركة كل الأئمة. لقد صالح الحسن لأن مصلحة الإسلام اقتضت ذلك، وثار الحسين لأن مصلحة الدين اقتضت ذلك. ولو تبادلا المواقع لفعل الحسين ما فعله الحسن ولفعل الحسن ما فعله الحسين.
كان الحسين حرا، فلم يصادر حرية أحد. وكان شهما، فلم يخدع أحدا. وكان عادلا، فلم يظلم أحدا. وكان كريما، فلم يردّ أحدا. وكان شجاعا، فلم يجبن أمام أحد. وكان عالما، فلم يحتج إلى سؤال أحد، وكان بصيرا فلم يقبل ظَلام أحد.. تلك هي قيم الحسين التي طبعت شخصيته. وإذا لم نحاول التأسّي به لنقترب من صفاته وأخلاقه وقيمه، فإن مجرّد ادعاء حبه لن يكون مجديا.
الجهل بحقيقة ثورة الحسين، في تفاصيلها، أو قراءتها بطريقة إسقاطية، كما الجهل بحقيقة الدين، هي الأشياء التي تكرس في مجتمعاتنا كل تلك الموبقات. لم يكن لدى الحسين شيء آخر غير ‫‏الإسلام. وعندما كان الأمر يدور بين حياة الإسلام وحياته هو، قرر سبط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تقديم نفسه فداء للدين. لقد أعطى الحسين للإسلام حياة جديدة بعد أن بات مهددا في وجوده واستمراره. ولأجل ذلك نحن ندين، اليوم، بإسلامنا للحسين. من دون تضحيات الحسين بنفسه وأهله وأصحابه فلربما تحوّل الإسلام إلى ما يشبه الأديان الأخرى التي لم يبق فيها شيء من الوحي، أو ربما أصبح أتباعه أقلية قليلة في ركن ما من العالم..
وعندما يأتي أحدنا من أجل أن يعلن نفسه ثائرا على الواقع القائم، في ظرف مختلف يحتاج إلى المداراة، أو التقية والصبر والتحمّل، فإن الثّورة تصبح مغامرة وعبثا لا ينفع المؤمنين ولا يفيد الإسلام بقدر ما يؤذيهم. إن هذا يعني أن الحسين ثار عندما أصبحت الثورة ضرورة، لأن مصلحة الاسلام واستمراره كانت تحتاج إلى ذلك. وبديهي أن مصلحة الإسلام ومصلحة الإنسان شيء واحد.
معروف الحسين الذي أسداه للإنسانية كلها لا يعترف به، اليوم، إلا قلة قليلة.. لكن عندما تثمر ‫‏شهادة الحسين بشكل كامل سيعترف له الجميع بالفضل الكبير. كان معروف الحسين عظيما لأنه أحيى دينا إنسانيا كان مهددا بالفناء. ولذلك قال عنه النبي: "حسين مني وأنا من ‫حسين. أحب الله من أحب حسينا. حسين سبط من الأسباط"، فهو يقول: "وأنا من حسين!". كانت ثورة الحسين ولادة ثانية للنبي ودينه.
وإذا كان الحسين، بثورته، قد أعطى للإسلام حياة ثانية، فإن مسؤولية المؤمنين بخطه، اليوم، هي حماية تلك الثورة في رؤيتها وقيمها، لا من خلال الكلمات التي تلقى هناك وهناك فحسب، وإنّما من خلال الالتزام بتلك الرّؤية في النظر والفكر، وتَمثُّل تلك القيم في الفعل والممارسة.
ـــــــــــــــ
*ولد الإمام الحسين بن علي يوم 3 شعبان 4 هـ الموافق  لـ 8 يناير 626 م بالمدينة المنورة، واستشهد يوم 10 محرم 61 هـ الموافق لـ 10 أكتوبر 680م في كربلاء.






ليست هناك تعليقات: