السبت، 27 أغسطس 2016

حبال آل سعود.. وعصا اليمن




قاسم محمد


عندما أعلنت المملكة السعودية وحلفاؤها الحرب على اليمن  في 26 مارس 2015 فيما عرف بعملية عاصفة الحزم، بزعم الدفاع عن الشرعية، كانت تتوقعها حربا خاطفة تدمر الجيش اليمني والقوات المسانده وتسقط العاصمة صنعاء وتسلمها إلى هادي. لم تنجح تلك العملية وتوقفت في 21 أفريل/نيسان 2015 لكن الحرب تواصلت تحت عنوان آخر هو عملية إعادة الأمل.
منذ ذلك الحين، وبعد مرور عام ونصف، لم تتوقف الحرب ولم يستعد السعوديون أملهم، بل إنهم يواجهون اليوم أسوا مأزق في تاريخ مملكتهم خاصة بعد أن قررت الولايات المتحدة سحب خبرائها العسكريين ولم تُبقِ إلا 5 من جملة 45. هذه الخطوة الأمريكية مليئة بالدلالات. فهي تعني، أولا، ترك السعوديين يواجهون مصيرهم بأنفسهم بعد أن أصبحت مملكتهم تعاني اقتصاديا وتنزف عسكريا. وتعني، ثانيا، أن هدف الأمريكان قد تحقق وهو إغراق النظام السعودي في مستنقع لا يمكنه الخروج منه دون دفع أثمان باهظة. وتعني، ثالثا، أن خزائن الدولة السعودية أصبحت خاوية ولم تعد قادرة على الدفع وهذا هو مغزى تصريح المتحدث باسم وزارة الحرب الأمريكية آدم ستامب عندما قال إن التعاون الذي تقدمه بلاده للسعودية ليس شيكا على بياض. فالأمريكي لا يقدم خدماته دون مقابل رغم أن مئات المليارات السعودية لا تزال محتجزة في البنوك الأمريكية وليس مسموحا لها بتسييلها.
تتحدث أمريكا عن مساعدة السعودية على محاربة الإرهاب بعد أن نجحت في زراعة تنظيم القاعدة وداعش في اليمن، بينما الحقيقة هي أنها تريد تفتيت دول المنطقة ضمن مخطط أوسع. باتت الحرب وسيلة مثلى بالنسبة للأمريكي من أجل تحقيق تلك المشاريع لإعادة تقسيم المنطقة. ووجود حكومة يمنية قوية وسيادية يمثل مشكلة بالنسبة للأمريكي، ويمنع من تحقيق هدفه في تقسيم اليمن. فالحرب التي تعتمد على إثارة الغرائز الطائفية وتحريض مكونات المجتمع والدولة ضد بعضها بعضا أداة فعالة لتحقيق ذلك. لكن اليمن ليس وحده هو المستهدف، بل إن النظام السعودي مستهدف هو الآخر. لم يكن الأمريكي يرى في الدولة السعودية سوى بقرة حلوب، والآن بعد أن جف ضرعها لابد من ذبحها، ولا توجد وسيلة تسهل تلك العملية أفضل من الحرب..
هذه الحرب سمحت، من ناحية أخرى، بتحويل البحر الأحمر وخليج عدن إلى مجال حيوي لحركة السفن والبوارج الحربية الأمريكية، من أجل بناء قواعد عسكرية في سقطرى وباب المندب بما أن ذلك هدف استراتيجي يساعد على إحكام القبضة على المنطقة.
راهن الأمريكي على حماقات الحكام السعوديين واندفاعهم للاعتداء على اليمن. ورغم أنهم يواجهون اليوم مصيرا مجهولا أمام تقدم القوات اليمنية في مناطق سعودية على الحدود المشتركة، مثل جزان ونجران، يقول اليمنيون إنها يمنية تاريخيا، إلا أن الأمريكي لم ينسحب من الحرب رغم سحب مستشاريه. إنه يواصل تقديم دعمه العسكري رغم تصريحات جون كيري الماكرة والتي قال فيها أن المملكة السعودية شنت آلاف الغارات الجوية لصالح "الحكومة اليمنية" واستمرت أكثر مما ينبغي وآن لها أن تنتهي... يهم الأمريكي الهيمنة على باب المندب أهم الممرات التجارية في سياق التنافس مع الروس، خاصة بعد أن أعلن الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح استعداده للتعاون مع الروس في مكافحة الإرهاب.
استخدم الحلف السعودي الدولي كل أنواع الأسلحة لتدمير البنية التحية لليمن ولقتل أطفاله ونسائه ورجاله. لكنه تأكد مما كان معروفا لديه سلفا؛ شعب مؤمن بقضيته ومستعد للدفاع عن نفسه حتى النهاية. بل إن المشهد اليوم انقلب وتحول اليمنيون من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم بعد أن تم تنظيم الداخل السياسي وانتخاب رئيس جديد ليصبح عبد ربه رئيسا سابقا منتهي الصلاحية. وأمام الخشية السعودية من اجتياح يمني للمدن السعودية، بعد أن بدأت تصل صواريخه إلى مراكز ومؤسسات حيوية كما حدث أمس عندما أصيبت خزانات شركة أرامكو بصاروخ بالستي، كان اللجوء إلى الوساطات والحلول السياسية دون التجرؤ على القبول بشروط اليمنيين.
يخشى السعوديون استمرار الحرب لأن ذلك يعني تهديدا حقيقيا لوجودهم. ظنوا في البداية أن أمريكا قدمت لهم حبل نجاة، لكنهم بدأوا يدركون اليوم أنه كان حبل مشنقتهم.





السبت، 20 أغسطس 2016

الورقة الكردية في لعبة التدحرج الأمريكية













قاسم محمد


يتوزع الأكراد على أربعة دول رئيسة في المنطقة هي سوريا والعراق وإيران وتركيا. لم يظفر الأكراد بدولة قومية في اتفاقية سايكس بيكو. وكان الخيار تَرْكهم مشتتين ربما من أجل إبقاء الدول التي ينتمون إليها قَلِقة وغير مستقرة بسبب النزعة الاستقلالية التي لا بد أن تظهر بينهم، وربما من أجل استخدامهم في اللحظة المناسبة ورقة لإعادة تقسيم المنطقة بما يخدم المشروع الكبير في إقامة الدولة العالمية التي تحتل فيها إسرائيل موقع القيادة انطلاقا من العاصمة القدس بعد هدم بيت المقدس وبناء الهيكل على أنقاضه كما يحلمون ويخططون.
يحاول الأمريكي استغلال الحرب في سوريا من أجل لعب الورقة الكردية وتقسيم البلد إلى دويلات صغيرة ومفككة. منذ البداية ابتعد الأكراد، في الغالب، عن الجماعات السورية المسلحة وأنشأوا لأنفسهم كيانات مسلحة خاصة تتقدم بشكل مستمر لاحتلال مناطق سوريا كثيرا ما يمهد لها تنظيم داعش وبدعم أمريكي كبير تسليحا وتدريبا وتمويلا.
ينجح الأكراد في تكتيكهم الانسلاخي التدريجي من العراق. فبعد أن حصلوا على الحكم الذاتي منذ أن وفَّرت لهم واشنطن غطاء جويا وحظرت على الطيران العراقي التحليق فوق الاقليم الكردستاني، هم الآن في طريقهم إلى فعل الشيء نفسه في سوريا بمساعدة أمريكية أيضا. والمثال القريب على ذلك هو منبج التي سيطر عليها في البداية تنظيم الدولة ثم دخلها منذ أيام تنظيم قوات سوريا الديمقراطية المدعوم بشكل واضح من أمريكا. بل إن أمريكا تمنع أي اقتراب من الكرد سواء كان مصدره الروس أو الاتراك إلى درجة وجه فيها أردغان سؤاله للأمريكان: هل نحن حلفاؤكم أم الاكراد؟
وحتى الجيش السوري أو ما تبقى منه في الحسكة بات يتعرض للهجمات الكردية. لم يعد الخلاف على مواقع أو حواجز متفرّقة في المدينة التي تتقاسمها قوات الدولة السورية، وفصائل كردية مسلّحة. فآخر الأخبار تشير إلى هجوم كبير للمسلحين على مواقع للجيش السوري في المدينة التي تقطنها غالبية عربية عشائرية. وتتحدث عن تدخل الطيران العسكري الأميركي فجأة في سماء الحسكة، لمنع المقاتلات السورية من قصف مواقع للمسلحين الأكراد..
وقد وصف الجيش السوري مسلحي "الأسايش" في الحسكة بأنهم "الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني".. بينما تصعّد منظمة "بيجاك"، هي الأخرى، بحسب بعض الإعلام، نشاطها في المناطق الحدودية حيث التجمعات الكردية الإيرانية. أما صالح مسلم، زعيم حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، فكان في كردستان العراق للتشاور مع مسعود البرزاني، عراب الانفصال الكردي، وسط أنباء عن اجتماعات مفتوحة جمعته مع قائد "التحالف الأمريكي الجنرال الأمريكي شون ماكفرلاند.
والوجود العسكري الأميركي، من خلال قوة "المارينز" التي أعلن عنها قبل يومين في الحسكة، أو في قاعدتي الرميلان وعين العرب، والمعزز بالوجود العسكري للفرنسيين والانكليز والألمان، الذين يمثلون حكومات سبق لها أن تحركت دعما للنزعات الكردية، في الشمالين السوري والعراقي، يشكل عملية تدحرج للحضور الأمريكي والأطلسي في سوريا، بما يحاكي تجربة التدحرج العراقية في مطلع التسعينيات وفرض منطقة الحظر الجوي، الممهدة للانسلاخ الكردي لاحقاً.
الورقة الكردية التي تلعبها واشنطن دفعت نحو حتمية التقارب التركي مع موسكو وطهران. وجعلت بنعلي يلدريم يعلن رفضه لأي مخطط لتقسيم سوريا والموافقة على مرحلة انتقالية لا يستبعد منها الرئيس الأسد. فتركيا تراقب كيف يحاول الأمريكان اجتثاث وجود الدولة السورية في الشرق والشمال السوري من ثلاث بؤر متبقية هي دير الزور والحسكة والقامشلي.
وما يفعله الأمريكيون هناك يهدد مستقبل العشائر العربية في معركة مصير ديمغرافي اقتلاعي، أشَّرت عليه بقوة عملية اضرام النيران في وثائق ومستندات الملكية في مدينة منبج بعد خروج داعش ودخول المقاتلين الأكراد اليها.
إن الأمريكي، من خلال قواعده العسكرية في الشمال، يريد تقييد حركة الأتراك ومنعهم من الوقوف حجر عثرة في طريق مخططه، والتحكم في خطوط التواصل والإمداد من الحدود التركية. ثم ضمان ولاء الدويلة الناشئة لاحقا من خلال وجود هذه القواعد.
لم يعد خافيا سعي الأمريكيين إلى تقسيم سوريا إلى ثلاثة دويلات على الأقل علوية على الساحل وكردية في الشمال الشرقي وسنية في الوسط والجنوب. وبقطع النظر عن شكوكنا الكبيرة في إمكانية تحقيق ذلك، فإن البوصلة الأمريكية تظل دائما متجه نحو المصلحة الكبرى لإسرائيل في المنطقة. وذلك كله يمكِّننا من الاستنتاج أن تفاهمات تحت الطاولة يجري الإعداد لها من أجل تقاسم التركة السورية وتوزيع جديد للنفوذ وتأمين محيط ضعيف للكيان الصهيوني. وهذا لن يكون نهاية المطاف، بل إن الدور قادم على بقية دول المنطقة. فكما تم سلخ كردستان من العراق عمليا، فإن الأمر ذاته يجري العمل لتحقيقه في سوريا، بينما تبقى تركيا ثم ايران أهدافا مستقبلية.
تقسيم المنطقة على أسس عرقية وطائفية هو ما يعطي لإسرائيل مشروعية إعلان نفسها دولة يهودية. فعندما تكون لدينا في المنطقة دول سنية وشيعية وعلوية وكردية... فإنه يصبح من المشروع إعلان إسرائيل دولة لليهود وحدهم ليتم على أساس ذلك أبعاد الفلسطينيين من الكيان الجديد وطردهم إلى أماكن أخرى!







الأربعاء، 10 أغسطس 2016

في ما وراء موجة الإلحاد الجديدة











قد لا نبالغ اذا قلنا ان العالم العربي يشهد في هذه المرحلة أوسع موجة إلحاد علني في تاريخه. حتى عندما كان للشيوعية دول وامبراطوريات تتبنى رؤية مادية للحياة ويدعو بعضها إلى الإلحاد، لم يكن الأمر على هذا النحو الذي نشهده اليوم. لا توجد أرقام دقيقة حول أعداد الملحدين. فهذه مسالة يصعب ضبطها. ومع ذلك توجد مؤشرات كثيرة على اتساع الظاهرة. سنة 2014، مثلا، عممت عدة وسائل إعلام سعودية دراسة أجرتها مؤسسة "وين غالوب الدولية للأبحاث" كشفت فيه أن "خمسة في المئة من السعوديين قالوا إنهم كانوا ملحدين"، في بلد يبلغ عدد سكانه 29 مليون نسمة.
أتاحت مواقع الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي مساحة واعية وحرة لمختلف الاتجاهات الدينية والايديولوجية والفكرية لتعبر عن نفسها بشكل غير مسبوق. فيسبوك وتويتر ويوتيوب والمدونات هي الوسائل الإعلامية التي وجد فيها كل صاحب فكرة نافذة لنشر فكرته. والملحدون العرب مثل غيرهم استغلوا هذه الفضاءات الآمنة حيث من الممكن لاي منهم اخفاء هويته الحقيقية.
 سنة 2014 أجرى قسم المتابعة الإعلامية لبى بى سى بحثاً على شبكات التواصل الاجتماعي في العالم العربي عن كلمة ملحد باللغة العربية والإنجليزية، وتبين أن مئات من صفحات فيسبوك وحسابات تويتر التابعة لـ ملحدين من العالم العربي جذبت آلاف المتابعين لها.
لا يكتفي الملحدون بالدفاع عن أفكارهم، التي تعادي الإنسان في جوهرها وليس فقط الدين، بل إن مهاجمة الإسلام ذاته في عقائده ومفاهيمه وأحكامه أصبحت المهمة الأساسية بالنسبة إليهم. بعضهم يتحدث عن "هدم خرافات الدين" وبعضهم يرفع شعارات قديمة لشعراء عرب مثل "لا إمام سوى العقل"، بينما ينشر آخرون مصاحف قرآنية ممزقة..
كان الإسلام منذ ظهوره هدفا لسهام أعدائه بمختلف توجهاتهم. ولم يسلم نبيه من هجمات قريش وتآمرها ثم حربها له مرة بالتحالف مع اليهود ومرات بالتحالف مع آخرين. ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل إن أهل بيته وخيرة أصحابه تعرضوا بعد غيابه لكل أنواع السحل والإيذاء والقتل والتشريد. والذين حاربوا النبي ص بكل ما يملكون من شراسة هم أنفسهم الذين عادوا بعد غيابه ليستولوا على الإسلام ويتحدثوا باسمه ويصطنعوا لحكمهم شرعيةً من خلاله.
كان هذا الدين ضحية مبادئه الأخلاقية وقيمه الإنسانية. فتلك المبادئ والقيم لا تعجب كبار القوم الذين يعيشون على استعباد الناس حينا واستحمارهم أحيانا آخرى. وكان لا بد من العبث بها وإفسادها وتخريبها. وهذا ما تواصل مع الحركات السلفية والتكفيرية وتيارات العنف والإرهاب. فهي جميعا تستخدم الإسلام لضربه من الداخل. وتلك واحدة من أكبر المصائب التي يتعرض لها هذا الدين.
تمارس الجماعات السلفية والدينية المشابهة لها الإرهاب والعنف والقتل باسم الدين. ومن السهل أن ينخدع البسطاء والعوام بما يرونه، ليتصوروا أنهم أمام دين دموي لابد من نبذه. أما الذين في قلوبهم مرض، فإنها فرصة كبيرة، بالنسبة إليهم، لإفراغ شحنات الحقد لديهم ضد هذا الدين ونبيه.
لكن المسألة لا تتوقف عند ممارسات هذه الحركات، بل إن الخطاب الديني نفسه يعاني مأزقا. فهو مشحون بالعنف والخرافة والانفعال. وغارق في قضايا تاريخية أو ميتافيزيقية بعيدا عن أية هموم فكرية أو معيشية حقيقية للإنسان العربي والمسلم.
لا شك أن كثيرا من العلمانيين والمثقفين من مختلف الاتجاهات يفهمون أن ممارسات تلك الحركات المظلمة لا تمثل الدين، وأن الاسلام شيء آخر مختلف تماما عما تروج له وتمارسه. وهم يحاولون إبراز ذلك فيما يقولون ويكتبون. ومهما بالغ بعضهم في نقد الحركات الدينية سواء كانت سلفية أو إخوانية، سنية أو شيعية، فإنهم يضعون دائما فاصلا كبيرا بين الإسلام الحقيقي والإسلام المزيف. بل إن بعضهم ذهب بعيدا ليدعو إلى الاكتفاء بالقرآن بعد أن اكتشف الكثير من التزوير والدس في كتب الحديث بما يتناقض مع المضامين القرآنية نفسها، كما فعل محمد الطالبي في تونس ومحمد شحرور في سوريا مثلا. فيما ذهب آخرون إلى ضرورة تحييد الدين والدعوة إلى الدولة المدنية من أجل إبعاد الإسلام عن أية استخدامات تسيء إليه.
أما ردود السلفيين والإخوان فإنها تخلط دائما بين منتقديها والمهاجمين للإسلام، أو بين الملحدين وغيرهم من العلمانيين والإسلاميين، لترمي الجميع بالردة والإلحاد. فهذا هو الطريق الأقصر، بالنسبة إليهم، للهروب من مواجهة حقيقتهم السوداء.
غير أن سؤالا يجب أن يطرح، وهو من صنع تلك الحركات التي تشوه الإسلام وتسبب هروب الناس نحو الإلحاد أو تدفعهم للهجرة إلى أديان وإيديولوجيات أخرى أو تختار الارتماء في أحضان الإدمان والفساد؟ لا شك في أن كثيرا من الحركات السلفية ذات الجذور الوهابية هي صناعة مخابراتية. فكما نجح اليهود قديما في اختراق الاسلام وزرع الاسرائيليات، نجحوا حديثا بالطريقة نفسها. الوهابية نفسها صنعتها المخابرات البريطانية. والقاعدة ثم داعش هما صنيعتا الولايات المتحدة الامريكية. أما حركة الإخوان، فقد كشفت عن حقيقتها بسرعة قياسية. لقد كانت لبريطانيا يد في تأسيسها. وسفارتها في القاهرة هي التي كانت تدفع قيمة الايجار لمقر الحركة زمن المؤسس حسن البنا. وكان سيد قطب يعترف أنه رجل ماسوني. ولم يفعل إخوان تونس ومصر، بعد وصولهم إلى السلطة، سوى تأكيد هذه الحقيقة. هذه أشياء لم تعد موضع شك.
غير أن وراء مخابرات تلك الدول الغربية تقبع في الظل مجموعة بيلدبيرغ، أو حكومة العالم الخفية كما أصبحت تعرف. وهي التي تقيم كل سنة مؤتمرا يحضره كبار السياسيين ورجال المال في العالم الغربي ممن يعرفون بالانتماء للحركة الماسونية التي لا يمكن لأي سياسي أن ينجح دون الانتماء إليها.
إن وجود الحركة الماسونية وهيمنتها على الاقتصاد العالمي والسياسة والإعلام والثقافة والتعليم أصبحت مسألة مكشوفة أمام كل باحث عن الحقيقة. وهذه الحركة، التي اخترقها اليهود منذ القرن الثامن عشر، تعادي الأديان وتنشر الإلحاد وتدعو إلى عبادة الشيطان بوسائل متعددة. وهناك روايات متواترة لسياسيين ومثقفين وفنانين وشباب خاضوا تجربة الانتماء للماسونية ثم خرجوا منها ليفضحوا حقيقتها في نشر الإلحاد وتخريب الأديان وتعميم الفساد كما فعل وليم جاي كار في اكثر من كتاب له وستيفن نايت في كتابه عن الماسونية..
جوهر الماسونية، كما وصفها جوزيف أبو زهرة، هو: "الإلحاد والتجديف في حق الله وإن كانت بعض المحافل والهياكل تتباين وتفترق في حقيقة الاعتقاد. إن بعض المحافل تسمي "الاله" ادونيرام فاذا بلغ البعض عندهم الدرجة الثالثة، درجة الأستاذ، كشفوا له سر هذا الاسم قائلين له: اعلم أن ادونيرام في مذهب الماسون إنما هو: ايزيس إله المصريين القدماء وميترا إله الفرس". ولا شك أن المقصود هو إبليس.
"الشيطان أمير العالم" كان ذلك عنوان كتاب لـ وليم جاي كار قبل أن يقتل بشكل غامض! لم تكن تلك نبوءة بل كانت واقعا ينكشف اليوم بشكل أوسع. فالضباب الأحمر لم يعد يغطي سماء أمريكا وحدها..


الأربعاء، 3 أغسطس 2016

دُمَى قراطية أمريكا الفارغة







قاسم محمد


يتكرر المشهد كل أربع سنوات. انتخابات تمهيدية داخل الأحزاب تنتهي بتسمية ممثل عن كل حزب ليكون مرشحه للانتخابات الأمريكية الجديدة. هذه المرة أصبح دونالد ترامب مرشحا عن الحزب الجمهوري وهيلاري كلينتون مرشحة عن الحزب الديمقرطي. ظاهر المشهد يوهم أننا أمام شعب حيوي يختار رئيسه بكل حرية. شعب يخرج ويشارك في التظاهرات والأنشطة والدعايات، ويوم الانتخاب يضع ورقة تحمل اسم مرشحه. وإذا كُتب للاسم الذي اختاره النجاح تملأه الفرحة.
على شاشات التلفزيون وفوق منصات الخطابة وفي صفحات الجرائد لا توجد سوى صور المرشحين. وعندما يصبح أحدهم رئيسا تختفي كل الصور لتبقى صورة الرئيس وحده. هذا الرئيس يقولون للعالم إنه منتخب من الشعب. هل ينتخب الناس حقا مرشحهم بوعي وإرادة أم إنه يتم سوقهم فاقدين للوعي لتنفيذ إرادة أخرى؟ ألا توجد ماكينة لصناعة الرأي العام في أمريكا والأنظمة الرأسمالية بشكل عام؟ كيف يتم غسل الأدمغة لتسهيل التحكم في أصحابها؟
يحكم أمريكا النظام الرأسمالي بشكل واضح. والرأسمالية نظام اقتصادي يسمح بالإثراء الفاحش دون حدود وبكل الوسائل ولا تحد من ذلك سوى بعض القوانين التي يمكن دائما التحايل عليها وتجاوزها. والذين أقروا هذا النظام  كانوا يعرفون أن مصالحهم وأهدافهم الكبرى لا يمكن تحقيقها إلا من خلاله.
طوال التاريخ الأمريكي، كان الذين يسيطرون بشكل فعلي على أمريكا هم الأثرياء. والنجاح الذي يحرزه السياسيون في دوائرهم المغلقة كان بفضل الإخلاص للطبقة الثرية الحاكمة. أيُّ فرد لا يمكنه أن يصبح رئيسا ولا حتى عضوا في الكونغرس دون المرور عبر دوائر الطبقة الثرية الحاكمة.
ومن الطبيعي أن يكون رئيس الولايات المتحدة، في مثل هذا النظام، مجرد ديكور؛ لان السياسة الحقيقية لا يرسمها الرئيس ومستشاروه في البيت الأبيض، بل تيرسمها جهاز الدولة الذي يدين بالولاء المطلق للمؤسسة الحاكمة. فمهمة هذا الجهاز هي السيطرة على الرئيس وتوجيه أعماله.
كانت الولايات المتحدة الدولة الوحيدة في العالم التي أسسها كبار ملّاك الأراضي والصناعيين والمصرفيين. وقد نجح مؤسسو الولايات المتحدة في خلق نظام جديد للحكومة لا تسيطر فيه الأراضي والطاقة والأيديولوجية على العائلة المالكة والكنيسة، ولكن تسيطر فيه الأقلية بحسب فلاديمير ليفين.
في كتابهما "الطبقة الحاكمة في أمريكا: تأثير الأثرياء والنافذين في دولة ديمقراطية"، يفضح  ستيف فرايزر وغاري غرستل كيف مارست طبقة الأثرياء وذوي الامتيازات نفوذها في الولايات المتحدة لتكون هي من يحكم حقيقة من خلال ديمقراطية فارغة ومزيفة.
فبعد الانهيار الاقتصادي عام 1929، ظهرت عدة مؤلفات لمفكرين عارفين حول الواقع السياسي الامريكي. في كتاب "عائلات أمريكا الستين" حاول المؤلف فيردناند لندبيرج وضع خارطة للترابطات القائمة بين أجيال النخبة في البلد. ونشر ماثيو جوزفسون في تلك المرحلة كتاب "الرأسماليون الذين جمعوا ثرواتهم من أعمال الاستثمار والاستغلال" وهو عنوان يلخص السمة الأخلاقية لمؤيدي حكم تلك القلة.. ثم توالت الكتابات التي تتهم الطبقة الحاكمة باغتصاب البلاد باقتصادها وشعبها الموزاييكي.
وبعد الحرب العالمية الثانية، تراجعت حدة الانتقاد إلا أنها لم تنته، فقد نشر سي رايت ميلز كتاب "نُخبة السلطة" في أواسط الخمسينات من القرن العشرين، وتتبع فيه تشابك وتفاعل الهرميات العسكرية والصناعية والاقتصادية والسياسية. كانت الطبقة الحاكمة قد اكتسبت سمعة سيئة خلال الحرب الباردة داخل أمريكا، لكن ميلز لم يستخدم هذا التعبير حتى لا يُتهم بمعاداة الدولة!
في نهاية الخمسينات من القرن العشرين، ظهر مصطلح جديد لوصف الطبقة الحاكمة هو المؤسسة الحاكمة والذي يبدو أكثر مهادنة من سابقاته.  ويمكن القول أنه في القرن العشرين لم يكن هناك سوى حالتين استثنائيتين لاستقلالية الرئيس الأمريكي. الحالة الأولى هي حالة فرانكلين روزفلت الذي حصل، في أوقات الكوارث الاقتصادية في عام 1933 والحرب العالمية الثانية، على تفويض مطلق لإجراء عملية مستقلة. والحالة الثانية، كانت في رئاسة جون كينيدي، وهو ديمقراطي كان لا يملك تفويضًا من القلة الثرية ولم يكن مقبولًا داخل نظام الحكم الأمريكي، تبعا لذلك، ليس فقط في صفوف الجمهوريين بل أيضًا بين حزبه الديمقراطي. وقد أصبحت الإطاحة المأساوية بجون وروبرت كينيدي آنذاك الأساس للأمريكان الآخرين الذين سعوا في وقت لاحق لدخول الحياة السياسية في البلاد. ولم يتم تحدي قواعد هذه السياسة حتى الآن من قِبل أي شخص، بما في ذلك باراك أوباما.
غني عن البيان أن ممولي الحملات الانتخابية والمروجين لمرشحي الرئاسة في الإعلام هم الطبقة الثرية أو المؤسسة الحاكمة كما أصبحت تسمى.  والممولون هم أنفسهم الذين يبدعون في ابتكار وسائل غسل الادمغة. ورغم أن هذه سياسة قديمة، إلا أن المؤسسة الأمريكية الحاكمة استخدمت كل ما يمكنها لتنفيذها بنجاعة. أما أبرز تلك الوسائل فهي التجهيل. أصبح شيئا معروفا محدودية معارف الإنسان الامريكي وجهله الكبير بما يجري حوله، فالدماغ الفارغ من كل محتوى ثقافي أو علمي هو دماغ يسهل غسله، وتوجيهه بما يرضي رغبات صاحب المخطط.
في هذه الانتخابات الدائرة الآن في امريكا رشحت مافيا النظام الرأسمالي الأمريكي من بارونات المال والإعلام والتكتل الصناعي العسكري دونالد ترامب وهيلاري كلينتون. استقرؤا الرأي العام ورشحوا اثنين على طرفي نقيض : دونالد ترامب الرجل التافه الذي يصنف بأقواله العنصرية ضمن فئة اليمين المتطرف. وهيلاري الكلينتون الاكثر طاعة للمؤسسة الحاكمة والأقرب إلى قلبها.
كتبت الأستاذة في جامعة كولومبيا بلير Blair  كتاباً عن آل ترامب عنوانه: The Trumps: Three Generations That Built an Empire    قالت فيه أن جده فردريك ترامب كون ثروته بواسطة بيت دعارة افتتحه في محيط مناجم الذهب الكندية والذي كان داخل فندق ومطعم وبار يتردد عليه ممن وجدوا الذهب. كتبت بلير ” كان أكثر الربح يأتي من المشروب والجنس“. وأعطت مثالاً للدعاية التي كان ينشرها الجد ترامب: "هناك غرف مخصصة للسيدات وبها موازين لمن يحب أن يدفع بالذهب". توفي الجد فريدريك ترامب في نيويورك بعد أن بدأ العمل في مجالات العقار سنة 1918 واستلم العمل والد دونالد ترامب الذي طور تلك الشركة إلى امبراطورية أمريكية للعقارات ثم طورها ابنه دونالد ترامب لتصبح عالمية المجال.
كوّن الجد ثروته من الدعارة، ثم جاء الحفيد دونالد ليتابع الطريق فزاد من الثروة بإنشاء كازونيهات القمار وما صاحبها من جنس وأضاف إلى ذلك العمل مع المافيا. في تقرير بتاريخ 31/7/2015 لــCNN بعنوان : دونالد ترامب والمافيا نجد: "امبراطورية دونالد ترامب البرّاقه من ناطحات سحاب في نيويورك وكازينوهات قمار في اتلانتك سيتي كان لها دائماً جهة سوداء وهي اتهامه بأن المافيا هي التي ساعدته في بناءها". وأضافت الـ CNN: "التهم  عن علاقة ترامب بعائلات المافيا في نيويورك وفيلادلفيا ترجع إلى عقود عديدة وتم تكرارها في  الكتب والجرائد وفي سجلات الحكومة وهذه العلاقة بدأت مع والده. وعند اتصال CNN بدونالد ترامب رفض الإدلاء بأي تصريح.
أمثال ترامب من الحثالات الدجالين يمكنهم أن يصبحوا رؤساء في أمريكا.  فهم ليسوا أكثر من أحجار شطرنج يمكن تحريكها في الاتجاه الذي تريده المؤسسة ويمكن من خلاله بتنفيذ برامجها. وإذا كانت تلك المؤسسة يسيطر عليها يهود، فإن إعلان ابنة دونالد ترامب المدعوة IVANKA سنة 2009 اعتناقها اليهودية ربما ساهم في قبوله مرشحا للحزب الجمهوري.
اما مرشحة الحزب الديمقراطي، فإنها لا تقل تفاهة وسوقية عن ترامب، ماعدا كونها دبلوماسية وزوجة رئيس سابق. كانت إدارة كلينتون من رأسها حتى قدميها إدارة يهودية صهيونية. وكانت شطحات الرئيس كلينتون جميعها مع يهود. كانت عشيقته التي مارس الجنس معها في البيت الابيض يهودية. وكانت المرأة التي احتفظت بتسجيلات وأحاديث الغرام بين كلينتون وعشيقته يهودية أيضاً.  وكانت Paula Jones   التي رفعت ضده قضية التحرش يهودية، وكان كاتب مذكراته  Branch   يهوديا، وزوجته كانت سكرتيرة هيلاري كلينتون. وكان Morris  مدير حملته يهودياً، وكان أصحاب المناصب الكبرى في ادارته مثل مدير CIA، ووزير المالية ، ووزير الخارجية وأكثر المناصب السيادة يهودا. بل ابنة بل وهيلاري كلينتون الوحيدة تزوجت من اليهودي مارك ميزفينسكي، وانجبت مؤخراً طفلة يهودية. لتصبح هيلاري كلينتون جدة ليهودية!
الديمقراطية الأمريكية ديمقراطية فارغة. مجرد خدعة تجعل الناس يتوهمون أنهم هم من يختار رئيسهم، بينما هم في الحقيقة مُغيَّبون. ولا يفعلون شيئا سوى تنفيذ ما يريده بارونات المال الذين نجحوا في سحب سلطة اتخاذ القرار من الكثرة إلى القلة. فـ"ما يقبع خلف الإطار أو القشرة الرسمية هو تحطيم منظم للقيم المدنية والفضائل التي نسميها الديمقراطية".
الرئيس الأمريكي كما قال ريغن مجرد ممثل. ممثل في مسرحية مخرجها وكاتب السيناريو فيها لا يظهران. ولنقل هو مجرد دمية. لقد أجاب ريغن أحد الصحفيين عندما سأله: كيف يمكن  لممثل مثلك من هوليود أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة؟. فقال: سؤالك معكوس ويجب أن يكون: كيف يمكن لأي رئيس امريكي ألا يكون ممثلاً؟