الأحد، 5 فبراير 2017

ترامب.. السير نحو الهاوية بالسرعة القصوى








قاسم شعيب


عندما قال نعوم تشومسكي أن ترامب حصيلة مجتمع ماض بقوة نحو الانهيار، لم يكن مخطئا. فنحن اليوم أمام رئيس أمريكي غير مسبوق في غوغائيته وتهوره وردود فعله الانفعالية. ولعل آخر قراراته حول منع مواطني سبع دول مسلمة من دخول الولايات المتحدة ثم قرار محكمة سياتل بولاية واشنطن، الجمعة، إيقاف العمل المؤقت بقراره التنفيذي، الذي وصفه ترامب بالسخيف، يلخص ماذا يمكن أن يفعله في الأيام والشهور القادمة.
لم يأت ترامب من الفراغ بل إنه رجل المؤسسة المفضل. وتلك المؤسسة أصبح الجميع يعرفون لمن تخضع. بل إننا عندما ننظر في محيط الرئيس الامريكي الجديد نجده محاصرا باليهود في كل المواقع. يكاد الرجل يكون يهوديا من كثرة اليهود من حوله؛ داخل بيته، وفي شركاته، وفي البيت الأبيض، وفي دوائر صنع القرار.
في العائلة، ابنته إفانكا يهودية بالاعتناق، وزوجها جيريد كوشنر يهودي مناصر لإسرائيل، وابنه دونالد الابن متزوج من يهودية تدعى فلنسيا هيدن، وابنه بيتر متزوج من يهودية تدعى لارا ياناسكا، وابنته تيفاني ترامب تعاشر صديقاً يهودياً يدعى روس ميكانك..
وفي العمل، كلّ رؤساء شركاته ونوّابهم وكل المسؤولين من اليهود.. أما على مستوى الإدارة السياسية، فيشكل اليهود نسبة كبيرة بين مساعديه السياسيين في البيت الأبيض وفي الإدارة الأمريكية.. وحتى الأصدقاء فأغلبهم من اليهود أيضا.
لا يمكن أن لا يكون لهؤلاء تأثير عليه. تبدو المسألة كما لو كانت مبرمجة منذ سنوات. اختيار رجل مناسب للقيام بالمهمة وإحاطته باليهود من كل جانب ثم إيصاله إلى البيت الأبيض ليؤدي ما عليه بشكل تلقائي ودون الحاجة إلى استعمال جهاز تحكم عن بعد.
يعتبر القرآن اليهود "أشد الناس عداوة للذين آمنوا". هو يجعلهم في الموقع الأكثر عداء قبل "الذين أشركوا". والشرك عنوان واسع يشمل فئات متعددة. إن الذين يحاولون تبرئة اليهود من كل ما يحدث للعالم اليوم لا يعرفون كيف يفكر هؤلاء الناس. كل الناس بالنسبة إلى اليهود غوييم وأميون مستباحون بالكامل لأنهم مجرد حيوانات خلقها الله لخدمتهم كما في التلمود..
هؤلاء هم من يحيط بالرئيس الأمريكي. ولعل دونالد ترامب الذي أصبح منهم بحكم المعاشرة، من هذا الصنف من الأعداء. لقد جاء إلى الإدارة الأمريكية بفريق من اليمين المتشدد، وبطاقم صهيوني حاقد، يظهر انحيازه الكامل للكيان الغاصب، ولا يخفي حبه وولاءه له، بل إن بعض عناصر ذلك الفريق خدم في جيش العدو، وقاتل في حروبه، وبعضهم الآخر أعضاء فاعلون في المنظمات الاستيطانية المتطرفة؛ يؤمنون بأفكارهم ويدعون إليها، ويجمعون التبرعات لها، ويدافعون عن سياستها. وبعضهم يملك منازل في تلك المستوطنات ويتحدثون العبرية بطلاقة. وآخرون تلقوا تعليمهم الديني والعام في المعاهد والجامعات الإسرائيلية. وحتى سفيرهم الجديد يملك منزلا في مدينة القدس، يفترض أن يعود إليه ويسكن فيه، ليكون مقره الرسمي، بعد نقل السفارة الأمريكية إليها.
جاء دونالد ترامب ليكون انعكاسا للوجوه المتطرفة والعقول اليابسة والقلوب الحاقدة داخل المؤسسة الحاكمة في أمريكا. وهي وجوه يجمعها الانتماء إلى الحزب الجمهوري الذي عرف بحروبه المدمرة في مواقع كثيرة من العالم.
لا تتغير الاستراتيجيات الأمريكية، فهي مرسومة بدقة. وقد أوكلت لكل من الحزبين الحاكمين مهمة معينة وطريقة مختلفة في إدارة الأمور بالتداول. فالاختلاف هو في الأسلوب أما السياسات والاستراتيجيات والأهداف فهي ذاتها. يخطئ من يعلق آمالا من العرب على هذا الرئيس أو ذاك أو هذا الحزب أو ذاك.
ينجح الديقمراطيون عادة في خداع العرب. فهم من جرّهم إلى كامب ديفيد في عهد الرئيس كارتر، وإلى أوسلو في عهد الرئيس كلينتون.. وعندما يريدون إشعال الحرب فإنهم يفعلون ذلك بطريقة غير مباشرة. هذا ما فعله أوباما حين صنعت مخابراته داعش وحين جعل الأطراف المختلفة تتقاتل في سوريا لتدميرها دون أن يفكر في التدخل المباشر مكتفيا بدعم المنظمات الإرهابية التي صنعها عسكريا ولوجستيا وماليا وجعل الخليجيين يدفعون الفاتورة.
يُغرق الديقراطيون العربَ في تفاصيل كثيرة لإلهائهم عن مطالبهم الأساسية، ويكثرون من الوعود حول تسوية القضية الفلسطينية، ويوزعون الكثير من الابتسامات الساخرة، ثم يغادرون الحكم دون أن ينفذوا وعدا واحدا.
لكن الجمهوريين يختارون عادة العنف الأهوج والقوة المفرطة لتحقيق الأهداف ذاتها. حدث ذلك مع ريغن الذي هاجم ليبيا ومع بوش الأب الذي هاجم العراق ومع بوش الابن الذي كرر ذلك بشكل أكثر فظاعة.. كان الحزب الجمهوري، دائما، مجرد منظمة إرهابية مفضوحة.
والمفارقة أن كثيرا من العرب صفقوا بحرارة لوصول ترامب. هؤلاء لازالوا مرابطين في أوهاهم القديمة ولا يعرفون أن الرئيس مجرد دمية تتلاعب به المؤسسة التي يديرها رأس المال. غير أن استعجال الرجل جعلهم يتراجعون في زمن قياسي بعد أن تتالت تهديداته لإيران والعراق وبعد أن بدأ يتحدث عن مناطق آمنة في سوريا وبعد أن رفض استقبال رئيس وزراء العراق بينما استقبل ملك الأردن الذي عاد ليباشر قصف مواقع جنوب سورية بدعوى أنها مواقع لداعش..
وصول ترامب الحكم فرصة للعرب الذين لازالوا يحملون أوهاما حول ديمقراطية أمريكا واحترامها لحقوق الناس، من أجل اكتشاف وجهها الحقيقي بلا اقتعة..





ليست هناك تعليقات: