الأحد، 30 أبريل 2017

حروب الجيل الرابع.. ومشروع إسرائيل الكبرى





قاسم شعيب


عندما يكون هناك مشروع لبناء شيء جديد فلا مفر من هدم القديم لإقامته مكانه. المشروع الكبير، لدى الصهيونية العالمية المالكة لكل أسباب النفوذ، هو إسرائيل الكبرى. وهو نفسه مشروع الشرق الأوسط الجديد. حلم قديم يريد أصحابه تحقيقه الآن على بعد 100 عام من وعد بلفور.
يحتاج المشروع المعلن إلى حروب غير تقليدية. والحرب المستخدمة اليوم لتحقيق هذا الهدف هي ما يعرف بحرب الجيل الرابع. ظهر هذا المصطلح سنة 1989 ضمن نظرية متكاملة صاغها فريق من المحللين الأمريكيين، من بينهم المحلل الأمريكي ويليام ستِرغس ليند لوصف الحروب التي تعتمد على مبدأ اللا مركزية.. وبحسب هذه النظرية مرت الحروب بأربعة أجيال:
الجيل الأول: هو الحرب التقليدية بين جيشين نظاميين لدولتين. وبحسب الخبير العسكري والكاتب الأمريكي ويليام ليند امتد هذا الجيل من 1648 حتى 1860 وعرف بالحروب التقليدية Conventional War بين جيشين نظاميين يمثلان دولتين أو أكثر على أرض معارك محددة وفي مواجهة مباشرة. وفي الحقيقة، فإن هذا الجيل يمتد في التاريخ أبعد من القرن 17 لأنه هو الأسلوب الذي ظل متبعا في الحروب القديمة حين كان يلتقي جيشان نظاميان على أرض المعركة وتكون المواجهة مباشرة بالسيوف والسهام والرماح..
والجيل الثاني: هو الحروب التي أصبحت تتم عن بُعد، بَعد اختراع المدافع والبنادق والطائرات. فيتم قتل العدو دون حدوث اشتباكات مباشرة. ويشبهها البعض بحرب العصابات Guerilla War التي كانت تدور في دول أمريكا اللاتينية.
والجيل الثالث: دخلت فيه التكنولوجيا الحديثة وأصبح الاعتماد فيه كبيرا على الدبابات والمدرعات والطائرات والصواريخ والتجسس عبر الأقمار الصناعية لكشف العدو. وكذلك اعتماد المناورة والسرعة الخاطفة والهجوم من خلف بدلا من المواجهة. وقد يسمى هذا الجيل أيضا بالحروب الوقائية أو الاستباقية Preventive War كالحرب على العراق مثلاً. ويقول الخبير العسكري الأمريكي ويليام ليند أن هذا الجيل طوّره الألمان في الحرب العالمية الثانية.

أما حروب الجيل الرابع Fourth-Generation Warfare أو اختصاراً 4GW، فيتفق الخبراء العسكريون بأنها حروب أمريكية صرفة طورها الجيش الأمريكي وسميت بـ"الحرب اللا متماثلة" Asymmetric Warfare  حيث وجَد الجيش الأمريكي نفسه لا يحارب دولة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، بل تنظيمات محترفة منتشرة في العالم وتملك إمكانيات كبيرة ولها خلايا خفية تنشط لضرب مصالح الدول الأخرى الحيوية كالمؤسسات الاقتصادية وخطوط المواصلات لإرغامها على الانسحاب من التدخل في مناطق نفوذها. والمثال الذي يقدمونه على هذه التنظيمات القاعدة وداعش المصنوعة مخابراتيا..

الحرب اللا متماثلة
تخلت حروب الجيل الرابع عن المواجهة بين قوتين عسكريتين نظاميتين، وانتقلت إلى الحرب بين الجيش النظامي ومجموعات غير نظامية تتشكل من خلال مليشيات أو خلايا خفية منتشرة في أنحاء العالم تهدف إلى تحطيم القوة العسكرية للدولة المستهدفة وإفقادها السيطرة على الأرض وخلق حالة من عدم الاستقرار ثم تحويلها في النهاية إلى دولة فاشلة، كما شرح ذلك الأكاديمي والعسكري الأمريكي أنطوليو إتشيفاريا، الذي شغل مناصب رفيعة في مؤسسات بحث وتدريب تابعة للجيش الأمريكي، في ورقة بحثية قدّمها في العام 2005 بعنوان «حرب الجيل الرابع وأساطير أخرى».
ورغم النقد الذي واجهته هذه النظرية إلا أن الواقع على الأرض في ليبيا وسوريا والعراق واليمن ومناطق أخرى يؤكد أنها تمثل جزء من الاستراتيجية الأمريكية والصهيونية لتحقيق أهداف محددة. والتنظيمات المسلحة التي تقاتل في سوريا وليبيا ومصر والعراق وغيرها هي جزء من تطبيقات حرب الجيل الرابع.
وقد يرى بعض الباحثين أن أمريكا اخترعت هذه النظرية لتبرير فشلها في مواجهة الارهاب منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، إلا أن هذا الكلام يصطدم بحقيقة أن الإرهاب صنعته وترعاه المخابرات الأمريكية بالأساس والمخابرات الصهيونية والغربية بشكل عام. وقد أصبح هذا الأمر مؤكدا بعض تصريحات الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب الذي اتهم سلفه باراك أوباما بتأسيس تنظيم داعش.
لقد استُخدم هذا المصطلح، كما سبقت الإشارة، لأول مرة في عام 1989 من قبل فريق من المحللين الأمريكيين، وهذا يعني أن التنظير لهذه الحرب سبق التجربة والممارسة على الأرض.
والجيل الرابع من الحروب قد يسمى، كذلك، حرب العولمة وتستخدم فيها، أيضا، وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني والمعارضة والعمليات الاستخباراتية والنفوذ الأمريكي في المنظمات الدولية وعلى الحكومات. وكما يقول البروفسور الأمريكي ماكس مايوراينج في معهد الأمن القومي الإسرائيلي، إنها "الحرب بالإكراه، إفشال الدولة، زعزعة استقرار الدولة ثم فرض واقع جديد يراعي المصالح الأمريكية".

تجليات القوة الناعمة الأمريكية
تسيطر الولايات المتحدة الأمريكية على وسائل الإعلام الجديد من الإنترنت، إلى وسائل التكنولوجيا الحديثة. فأهم محركات البحث الإلكتروني أمريكية مثل غوغل وياهو وأم آس آن وبينغ.. وشبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر والبرامج والتطبيقات الإلكترونية ومشغلات الهواتف الذكية مثل آبل وأندرويد وويندوز 8 هي أمريكية، ولا يوجد منافس لها في أيّ من هذه المجالات.
كما تتحكم الولايات المتحدة الأمريكية في أكبر المؤسسات الإعلامية التقليدية مثل السي آن آن وفوكس ووكالات الأنباء العالمية الرئيسية حول العالم مثل رويترز وهي بذلك تصنع الخبر وتوجهه أيضاً.
وهذه الإمبراطورية هي الأولى في صناعة السينما من خلال هوليوود والبرامج الفنية المختلفة وحتى نمط للحياة العصرية Life Style. فهي بذلك تتحكم في الأذواق وأنماط التفكير وطريقة العيش..
بل إن المنظمات الدولية بما فيها منظمات الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي واقعة تحت سيطرة الولايات المتحدة تستخدمها حسب مزاجها ومصالحها حيث لا معنى للقانون عندها.
وحتى منظمات المجتمع المدني العالمية انبثقت كلها من الولايات المتحدة الأمريكية وتخضع للقانون الأمريكي وتتصرف حول العالم حسب المعايير والقوانين الأمريكية. وبشكل طبيعي تمول الولايات المتحدة العديد من هذه المنظمات حول العالم خدمة لأهدافها وأجنداتها وهي تستخدمها في الوقت المناسب الذي يوافق مصالحها. كما تموّل أمريكا قوى المعارضة المختلفة حول العالم في أمريكا وخارجها وتستخدمها حسب مصالحها وفي الوقت الذي تراه مناسبا.
إن هذا كله يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تملك القدرة على إسقاط أي دولة يمكن أن تستهدفها بسبب ما تشكله من تهديد لمصالحها أو مصالح الحاكمين الفعليين فيها.
تستطيع أمريكا تحريك منظمات المجتمع المدني الممولة مسبقاً ضد أي دولة تعارض مصالحها. كما يمكنها أن تحرض وسائل الإعلام ضدها. ولا شك أيضا أنها قادرة على تحريك قوى المعارضة التي تموّلها أو تسيطر عليها في الوقت الذي تشاء.
وعندما تريد الإمبراطورية الأمريكية استخدام نفوذها العالمي في المنظمات الدولية لإضعاف الدولة التي تعارض مصالحها ومحاصرتها، فإنها تستطيع أن تفعل ذلك. فهي تستخدم متى تريد علاقاتها الدولية وأحلافها ونفوذها السياسي لمحاصرة أي دولة في العالم مالياً واقتصادياً وثقافياً وسياسياً..
إننا، دون بالغة، أمام قوة عسكرية وتكنولوجية وسياسية واقتصادية وثقافية عظمى تمتد كالأخطبوط عبر العالم وتحكم قبضها عليه كله. وعندما توجد دولة أو منظمة تقاوم نفوذها، فإنها تتعرض لأشكال مختلفة من الحرب ضدها.
وكل دولة اليوم محكوم عليها إما أن تدور في فلك المصالح الأمريكية أو أن تتوقع هذه الحرب من الجيل الرابع بوسائلها المتعددة!.
غير أنه من الضروري القول إن أمريكا، ومَن وراءها، ليست قوة مطلقة وهي قابلة للهزيمة وحتى التدمير. فالأمم والدول والحضارات لها أعمار. وكما يؤكد القرآن الكريم: "لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون". يونس: 49. ثم إن أمريكا هذه لا تحكم نفسها. وما يبدو في الظاهر من انتخابات ومجالس ليس إلا ديكورا يخفي الحقيقة. والحقيقة هي أنها دولة تحكمها الشركات الكبرى والرساميل الضخمة والبنوك الدولية. والذين يملكون ذلك كله بما يعنيه من قوة اقتصادية طاغية هم اليهود الصهاينة بشكل خاص وبعض الآخرين ممن ينتمي لنادي بيلدبيرغ. وهذا يعني أن هذه العصابة المسيطرة على الإدارة الأمريكية والدولة الأمريكية قادرة على تحطيمها متى شاءت.
إن حروب الجيل الرابع، التي تعتمد وسائل متعددة كالمنظمات الإرهابية والإعلام ووسائل التواصل ووكالات الأنباء ومراكز الإنتاج السينمائي ومنظمات المجتمع المدني والمعارضات السياسية..، لها أهداف أبعد من مجرد استهداف "دولة مارقة" هنا أو هناك.

مشروع إسرائيل الكبرى
إن الهدف المعلن لهذه الحروب هو مشروع الشرق الأوسط الجديد والنظام العالمي الجديد. وهو مشروع لا يعني شيئا سوى إقامة "إسرائيل الكبرى" التي تحكم العالم كله انطلاقا من العاصمة القدس. أي توسيع حدود الكيان الصهيوني الحالي ليصل إلى الفرات شرقا والنيل غربا.
لم تُخفِ الحركة الصهيونية يومًا مطامعها في تقسيم العرب أكثر مما هم مقسمون لاستكمال السيطرة عليهم سياسيا وثقافيا واقتصاديا.. لم يبق مشروعها مجرد أفكار بل إنها عملت على مدى قرن من الزمان وأكثر من أجل تحقيق الحلم الذي يجعلها الدولة الأقوى والأكبر في الشرق العربي. بل ويجعل منها مركز الدولة العالمية التي ينظِّر لها جماعة نادي بيلدبيرغ الذين يحركون اللعبة من وراء حجاب.
يعمل الصهاينة، الذين يسيطرون فعليا على الولايات المتحدة ودول الغرب بشكل عام، منذ سنوات على إثارة الحروب والفوضى وعدم الاستقرار في أكثر الدول العربية حيوية بالنسبة إليهم وبشكل خاص العراق وسوريا ومصر.. باستخدام الجيل الرابع من الحروب. فهذه الدول لا بد من تدميرها، في مخططهم، بسبب ما تشكله من خطر على "إسرائيل"، ولأن مشروع إسرائيل الكبرى سيُبنى على أنقاضها كما يقولون.
تنسب هذه الرؤية إلى شخص صهيوني يدعى عوديد يينون، وهو من مُنظّري حزب الليكود الحاكم في إسرائيل. هو يُحيط نفسه بالسريّة التامّة، وقد عمل لفترة في شعبة الاستخبارات العسكريّة "أمان"، والخارجيّة الإسرائيليّة، حيث كان عضوا في البعثة الدبلوماسيّة الإسرائيليّة إلى أمريكا لسنواتٍ طويلةٍ. غير أن المسألة أبعد من أن تتعلق بشخص لأنها استراتيجية حركة نشأت منذ القرن 18 وتملك مخططا شاملا لكل أهدافها..
والنموذج المتّبع الذي يجري تطبيقه في العراق وسوريا ومصر هو نموذج الحرب الأهلية اللبنانية عندما كان لبنان مقسما عمليا إلى خمس دويلات. الشمال في أيدي المسيحيين التابعين لسليمان فرنجيه والذين كانت تؤيدهم سوريّة، والشرق الذي كان تحت سيطرة الجيش السوريّ، والوسط الذي يسيطر عليه الجيش اللبنانيّ، ومحاذاة نهر الليطاني التي تهيمن عليها منظمة التحرير الفلسطينية، والجنوب الخاضع لإسرائيل وميليشيات سعد حداد..
هذا النموذج رغم أنه فشل في تقسيم لبنان فعليا، إلا أنه يطبق اليوم في سوريا للتخلص من الجيش السوريّ وتقسيم البلد إلى ثلاثة دويلات هي علوستان وكردستان وسنستان، كما كان الأمر بالنسبة إلى الجيش العراقي الذي تم إضعافه لتقسيم العراق الى كردستان وسنستان التي قد تدمج مع نظيرتها السورية وشيعستان في الجنوب.. وكما حدث مع الجيش الليبي الذي تم تفتيته لتقسيم ليبيا إلى ثلاثة دويلات هي طرابلس وفزان وبرقة.. وكما هو مخطط للجيشين المصري والجزائري لتقسيم مصر والجزائر بالطريقة نفسها..
تقسيم الشرق العربي ثم مغربه وصولا إلى عموم العالم الإسلامي، لاحقا، هو الوسيلة الفضلى لدى اليهود لحكم مساحة جغرافية تمتد من النيل إلى الفرات. ولإعطاء شرعية دينية للدولة اليهودية التي يريدون إعلانها لتكون هي المركز البديل عن الدولة الأمريكية.

لا نعتقد أبدا أن المخططات الصهيونية لتقسيم العالمين العربي والإسلامي ستنجح. غير أنه من الضروري الوعي بها. ورغم أن الحكومات والأنظمة القائمة متواطئة، في أغلبها، مع تلك المخططات، إلا هذه الأرض لا تخلو من وجود أحرار قادرين على إفشالها.

الاثنين، 24 أبريل 2017

الملك السعودي يؤجج صراع الأحفاد.. هل اقترب انقلاب القصر؟!




قاسم شعيب


قرارات كثيرة أصدرها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بعد زيارة وزير الدفاع الأمريكي للرياض قبل أيام، وكلها تخدم مصلحة ابنه محمد من أجل تقوية موقعه وترجيح كفته لاستلام الحكم بعد موت أبيه وإزاحة ولي العهد الأمير محمد بن نايف. 
أهم تلك القرارات تعيين نواب لأمراء المناطق من أحفاد الملك عبد العزيز مع إطلاق وعود لهم بالترقية إلى منصب الأمير الفعلي إذا ساهموا في وصول محمد بن سلمان إلى العرش الملكي. والقرار الثاني، وهو الأهم، تعيين خالد بن سلمان سفيرا للمملكة في واشنطن التي يُدرك محمد بن سلمان أنها الممر الأساسي لاعتلاء كرسي الحكم. فوجود الابن التاسع قريبا من البيت الأبيض له أهمية كبيرة لنقل الأوامر الأمريكية بالسرية والسرعة اللازمتين. فهو موضع الثقة لأن وجود أي سفير آخر قد يكون اختراقا يخدم مصالح محمد بن نايف ولي العهد. 
هذا القرار يعكس أيضا رغبة جامحة لدى ابن سلمان في تسويق اسمه لدى مؤسسة الحكم الأميركية، خليفة لوالده، بعدما رشحت أخبار تنفي حسم دوائر القرار في واشنطن في أمر الاختيار بين أحد المحمدين، بينما تؤكد تسريبات أخرى ميل الأميركيين إلى محمد بن نايف، بسبب خبرته الواسعة وخبرة الأميركيين في التعامل معه في قضايا مختلفة أحدها ملف الإرهاب. أما القرار الثالث، فكان محاولة ترضية الجيش والناس عبر قرار إعادة العلاوات والبدلات للموظفين والعسكريين، التي كانوا قد جرّدوا منها إثر أزمة أسعار النفط.
يريد محمد بن سلمان استباق أي حادث مفاجئ قد يتعرض له الملك، حتى يجد نفسه في موقع قوي يمكنه من إزاحة ولي العهد من طريقه باعتباره العقبة الأخيرة أمامه. لكن تلك القرارات لن تُبقي محمد بن نايف مكتوف اليدين. بل من المؤكد، حسب تسريبات، أنه يعمل في الخفاء من أجل قلب الطاولة على الملك وابنه والتخلص منهما قبل أن يتخلصا منه. يخشى ابن نايف إزاحته من ولاية العهد، وهو لذلك لن يتوقف عن العمل من أجل ازاحة الملك بطريقة ما واستلام الحكم. فالهدوء الذي نراه قد يكون الهدوء الذي يسبق العاصفة التي تطيح بآخر الملوك الأبناء.
يقول القريبون من المطبخ السعودي أن محمد بن سلمان ولي ولي العهد شخص مكروه في أوساط الجيش وأجهزة الدولة لأنه أدخل البلاد في حرب عبثية مع أبناء عمومتهم في الجنوب تلبية لإملاءات الأمريكيين الذين كانت لهم مخططاتهم ونواياهم. ولأن الأزمة المالية التي سببتها الحرب والفساد أضرت بهم.
ومن الممكن أن يكون استدعاء السيسي لزيارة السعودية وإعادة العلاقات مع مصر إلى سالف عهدها ترضية للرئيس الأمريكي ترامب، الذي عبّر عن استيائه من "العقاب" السعودي لمصر أثناء زيارة ابن سلمان إلى واشنطن في الشهر الماضي. فقد تسربت أنباء عن توبيخ وجهه ترامب لولي ولي العهد السعودي طالبا منه استئنافا فوريا للعمل بالاتفاق النفطي بين البلدين الذي ينص على إرسال السعودية 750 ألف طن من النفط لمصر شهريا لمدة خمس سنوات مقابل 15 مليار دولار.
وفي المقابل يحظى محمد بن نايف بعلاقات قوية ليس مع ضباط الأمن فحسب، وإنما أيضا مع كثير من ضباط الجيش منذ أن كان والده نايف وزيرا للداخلية حيث كان الابن على احتكاك مباشر بهم. بل إن ابن نايف هو الآن على تواصل مع أمراء في هيأة البيعة ولديه علاقة قوية مع متعب بن عبد الله وزير الحرس الذي وعده ابن نايف بولاية العهد إذا نجحت الخطة معه لإعلان انقلاب على الملك المريض وتنصيب نفسه ملكا على البلاد.
لا يريد ابن سلمان إغضاب الإدارة الأمريكية وهو مستعد لفعل أي شيء يضمن وصوله للحكم. لكن محمد بن نايف، الذي يملك قبولا أقوى لدى الناس، له حسابات أخرى. وليس مستبعدا أن نستفيق في يوم قريب فنجده الخبر الأول على شاشات التلفزيون إزاحة الملك سلمان وإعلان حالة الطوارئ إلى أجل غير مسمى!
يبقى المشهد السعودي مفتوحا على كل الاحتمالات في الفترة القادمة. ومن الصعوبة بمكان تصور حالة من الاستقرار بعد موت الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز أو الإطاحة به. بل إن اضطرابات كبيرة على مستوى السلطة تنتهي بسببها دولة حكمتها الفتوى والسيف منذ أكثر من ثمانين عاما، ليست أمرا مستبعدا!..
من يعرف المملكة السعودية من الداخل يلاحظ بسهولة انقلابا في الأمزجة وخوفا من المستقبل وبحثا عن مخارج أمام الصراع الحاد بين الأحفاد على السلطة وبعد أن بلغ الفساد وسوء الإدارة مستويات مرتفعه ليس على مستوى السلطة فحسب بل على مستوى المجتمع أيضا.. وانقلاب الأمزجة ليس إلا إشارة لانقلاب سياسي قريب قد لا يراه الكثيرون..





السبت، 15 أبريل 2017

رائحة النووي!









 حاملة الطائرات الأميركية تثير غضب كوريا الشمالية

رائحة النووي!


قاسم شعيب


لم تعد الحرب النووية مجرد أوهام يحملها بعض الناس – أمثالنا! –  في رؤوسهم. بل أصبحت احتمالا كبيرا يزداد قوة كل يوم امام التطورات السريعة في الأفعال وردود الأفعال بين الأطراف المتنازعة. ورغم ارتفاع حمى التهديدات النووية يظل العرب آخر من يشعر. لا تملك أية دولة عربية خطة للطوارئ لمواجهة أسوأ الاحتمالات كالحرب النووية مثلا. لا مخابئ ولا ملاجئ ولا كمامات واقية ولا خطط إجلاء.. لا شيء تقريبا.
عندما طفى اسم ترامب على السطح الإعلامي بقوة وقامت المؤسسة الأمريكية بفرضه رئيسا بأصوات المندوبين رغم فارق الأصوات الكبير لصالح خصمته كلينتون قلت حينها أن طبخة مخابراتية يتم إعدادها بمكر شديد تمهيدا لحرب واسعة لا تبقي ولا تذر.
تم إلصاق تهم التواصل مع الروس بترامت واتهمت المخابرات الروسية بمساعدته على الفوز بالانتخابات وهو كلام بلا أساس. وكان متوقعا ان يرد ترامب الفعل ويحاول تبرئة نفسه من التهمة الماكرة. فتم اصطناع ضربة كيمياوية ضد سكان قرية خان شيخون من أجل إعطاء مبرر لتدخل الجيش الأمريكي في سوريا وتوجيه صواريخه نحو قاعدة الشعيرات الجوية في حمص.
بعد أن كان ترامب يُوَاجَه بالنقد اللاذع من الإعلام والكونغرس والنواب وحتى حزبه الجمهوري، أصبح الرجل فجأة متوّجا بأكاليل المديح وباقات الشكر. لا شك لدينا أن المخابرات الأمريكية الممسوكة جيدا من شركات السلاح والنفط والأدوية والغذاء نجحت في حشر ترامب في الزاوية ودفعته، كما خططت، إلى التصرف وفق إرادتها. لقد تم توجيه صفعتين متتاليتين إليه الأولى عندما أُسقط قانون منع دخل مواطني عدة دول إسلامية والثانية عندما أُفشلت محاولة تعديل برنامج أوباماكير الصحي.
لم تتوقف بعد ذلك التصريحات الأمريكية عن تكرار الضربة أو التدخل على نحو أوسع إذا تكررت الضربات الكيمياوية ضد المدنيين أو تم استخدام البراميل المتفجرة. لا نشك لحظة أن من يقود تحركات الجيش الأمريكي ليس ترامب بل من وضع ترامب في البيت الابيض. هم من نصّب ترامب على عرش أمريكا وهم من يوجّهه بوسائلهم الماكرة والمعقّدة ومنها تقنيات التحكم في العقل.
فضلت موسكو بعد الضربة غض النظر عن تصرف ترامب وأبدت التفهم لوضعه رغم شجبهم الضربة واستخدامهم الفيتو ضد القرار المعادي لسوريا في مجلس الأمن الدولي. ولكنهم في المقابل استقبلوا وزير خارجيته ريكس تيلرسون.
لا يوجد أي شك لدينا أن ترامب سيكرر أعماله ليس في سوريا وحدها وإنما في أماكن أخرى أيضا قد تكون كوريا الشمالية أقربها رغم أنها دولة تختلف عن سوريا في قدراتها الردعية ورؤيتها العسكرية.
عانى سكان كوريا الشمالية كثيرا من الاستعمار الياباني الموحش الذي لم يرحم السكان. كما فعلت الحرب الكورية الرهيبة فعلها في نفوس الناس، عندما دمر الأمريكيون البلاد بالكامل وقتلوا الملايين منهم. شكّل ذلك لديهم حافزا لاكتساب وسائل قوية للدفاع عن النفس. وقرروا أن لا تخضع بلادهم لأي غريب، فعملوا على امتلاك السلاح النووي لاستخدامه عند الضرورة. وإذا تجرأ الأمريكيون على ضرب بيونغ يانغ فسيكون ذلك فرصة لتصفية الحساب بالكامل مع اليابانيين والأمريكان وحلفائهم في جنوب شبه الجزيرة.
تزدحم الشواطئ الكورية اليوم بالسفن الأمريكية المحملة بالأسلحة النووية بشكل غير مسبوق. ولم تتوقف تجارب الجيش الأمريكي على ما يمتلكه من أسحلة فتاكة، فاختبروا ما سموه أم القنابل في أفغانستان وهي أكبر القنابل غير النووية ذات القدرة الكبيرة على اختراق الأماكن المحصنة. وقد جرى تطوير القنبلة التي تبلغ زنتها 21600 رطلا أي ما يعادل9797 كيلوغراما، وهي واحدة من 15 فقط تم تصنيعها، بعد أن وجد الجيش الأمريكي نفسه دون السلاح الذي يحتاجه للتعامل مع شبكات أنفاق القاعدة في 2001. لكن هذه القنبلة لم تستخدم إلى أن أسقطتها طائرة أمريكية إم سي-130 على منطقة أتشين في إقليم ننكرهار على الحدود مع باكستان يوم الخميس 13/04/17.
بعد ساعات من إلقاء أم القنابل على أفغانستان كشف الجيش الأمريكي عن إجراء اختبار لقنبلة نووية تكتيكية هي الأولى من نوعها في منطقة للرمي في صحراء نيفادا. وقال الجيش الأمريكي على موقعه الرسمي إن القنبلة النووية B61-12 نجحت في الاختبار الذي أظهر نجاح طائرة أف 16 المعدلة على حمل مثل هذا النوع من القنابل التكتيكية المجهزة بنظام خاص للإطلاق والتسليح والتحكم في الإطلاق ومقياس الارتفاع في الرادار. والقنبلة الجديدة هي النسخة المعدلة للقنبلة B61 التي صنعت في الستينيات. فعل الأمريكان ذلك بينما كان الزعيم الصيني ينزل ضيفا عليهم وتمكنوا من رشوته من خلال إعطائه وعدا بعدم مطالبته لاحقا برفع سعر اليوان بالنسبة للدولار، وهو ما انعكس في امتناع الصين عن التصويت ضد القرار المعادي لسوريا.
يدرك الكوريون الشماليون خطورة الخطط الأمريكية ضد بلادهم من أجل تدميرها وإخضاعها. ولكنهم فهموا بعد تجارب قاسية من احتلال بلادهم أن نجاح الولايات المتحدة ارتبط دائما بضعف العدو وتردده. لقد سلم الزعيم الليبي سلاحه تحت الضغط فتم إسقاط نظامه وذبحه واستباحة بلده. وقبله تخلى الرئيس العراقي عن سلاحه وامتنع عن مهاجمة القواعد الامريكية القريبة منه، فتم إسقاطه وشنقه. وبالطريقة نفسها قبِل الرئيس السوري نزع أسلحته الكيمياوية، لكن الحرب ضده لم تتوقف.

لن يقبل الكوريون نزع سلاحهم. وسيختارون الحرب اذا فرضها الأمريكيون عليهم. والخطر الكبير اليوم هو أن يقدم كيم أون على تجربة نووية جديدة ليكون ذلك مبررا لترامب للتدخل وضرب بيونغ يانغ. وهذا ما لن يسكت عليه الشماليون الذين سيجدونها فرصة للانتقام من اليابانيين والأمريكيين معا. سيموت الملايين من البشر بالسلاح النووي إذا حدث ذلك وستكبر كرة الثلج لتسع العالم.

الأحد، 9 أبريل 2017

الساعة الصفر لم تحن بعد!






قاسم شعيب


في ظرف وجيز وبشكل متواتر، زار البيت الأبيض كل من محمد بن سلمان وحيدر العبادي وعبد الفتاح السيسي وعبد الله الثاني. أي أن قيادات السعودية والعراق ومصر والأردن تجمعوا هناك. في الوقت نفسه، كان صهر ترامب اليهودي وكبير مستشاريه كوشنير يزور العراق، الذي مسحه من الجو، ويعلن أن شراكته في العراق دائمة.
وسط هذا الزحام أمام البيت الأبيض، جاءت الضربة الأمريكية ضد مطار الشعيرات، في ذكرى تأسيس حزب البعث. ليس في الأمر صدفة. ودلالاته واضحة. فقد تم إسقاط النظام البعثي الآخر في العراق في المناسبة نفسها.
أرسل الامريكيون 59 صاروخا من نوع توماهوك، لم يسقط منها سوى 23 صاروخا في المطار المستهدف، ولم تظهر الصور المتداولة أضرارا حقيقية! أما بقية الصواريخ، فقد تم التعتيم على مصيرها. هل سقطت في البحر؟ أم هل أسقطها الروس؟ أم هل استهدفت مواقع أخرى؟ لا أحد يعرف غير أصحاب الشأن. بل إن هناك من يقول إنها لم تكن صواريخ توماهوك العالية الدّقة والشّديدة التفجير، بل كانت صواريخ كروز قديمة! وفي كل الأحوال، كانت الضربة رمزية. لكنها كانت اعتداء له أهدافه.
قالت تيريزا ماي "إن الضربات جاءت لردع نظام الأسد لكي لا يعود لمثل هذه الأفعال". وقالت وزارة الدفاع الأمريكية أن "الـ 59 صاروخا أرسلت لتقليص إمدادات الأسد الكيماوية". ولا نشك في عدم مصداقية هذه التصريحات لأنه لا دليل على أن الأسد استخدم الكيمياوي ولو كانت هناك شكوك حقيقية لوقع انتظار نتائج التحقيق الدولي.
ليس المقصود سوريا وحدها بما يجري، بل هناك مشروع كبير يُحضّر للمنطقة. والذين تم استدعاؤهم إلى البيت الأبيض هم جزء من تمشية المشروع قبل التخلي عنهم. يحتاج هذا المشروع إلى حرب كبيرة للبناء على أنقاضها. إذ لا يمكن البناء في مكان قبل هدم ما عليه.
يعلم الروس والأمريكان والإسرائيليون أن هناك حربا إقليمية كبرى تتحول إلى حرب عالمية بناء على مخططات استراتيجية ونبوءات دينية يهودية ومسيحية أهمها رؤيا دانيال. فالغرب والروس والصهاينة صدقوا تلك النبوءات وبنوا مخططاتهم على أساسها. وهذا واضح لمن يتابع تصريحات السياسيين ورجال الدين الغربيين والروس واليهود. وآخرها تصريح زعيم الحزب الشيوعي في روسيا وغانوف يوم 7/4/2017 عندما قال: "ندعو الشباب للاستعداد للحرب المقدسة في سوريا للدفاع عن كرامة روسيا"! وقبله تصريح الكنيسة الارتودوكسية الروسية في بداية التدخل الروسي في سوريا عندما قالت "إن التدخل الروسي في سوريا هو تدخل مقدس في حرب مقدسة"..
يعتقد اليهود في خروج مسيحهم ليكون ملك العالم وهم يعملون للتمهيد له بما يملكونه من مال وسلطة ونفوذ على أكبر القوى في العالم: أمريكا وروسيا وأوروبا..
تزامن ذلك كله مع تعيين سفير أميركي يهودي في إسرائيل قال إنه يريد العمل في سفارة الولايات المتحدة في القدس مذكرا بوعد الرئيس ترامب بنقل السفارة إلى القدس تمهيدا لإعلان ولادة الدولة اليهودية والشروع في تهجير جزء من فلسطينيي الداخل نحو الأردن والمنطقة الغربية في العراق بموافقة زعماء عراقيين مقابل مناصب ومغانم وبمساعد ملك الأردن الذي كان أحد المدعوين إلى البيت الأبيض الذي يريد أن يكون شريكا استراتيجيا في مشروع الدولة الدينية اليهودية. هذا الأمر طرح على العبادي في زيارته لواشنطن كما طرحت عليها مسائل الاعتراف بإسرائيل وحل الحشد وإيفاء الديون..
إن ما يحرك السياسات الكبرى والإستراتيجية الأمريكية والأوروبية هو الدولة العميقة أو المؤسسة التي يمسك خيوطها جميعا اليهود. فهم من يخطط والإدارات المتعاقبة ليس لها سوى التنفيذ مع هامش محدد من التصرف في القرارات غير مؤثرة. وهنا يمكن أن نقرأ الضربة الأمريكية على مطار الشعيرات.
أخطر الأمريكان الروس بالضربة. والروس بدورهم أخبروا السوريين، فتم إخلاء المطار، ولم تكن للضربة تأثيرات أو خسائر كبيرة. كانت ضربة متوقّعة ومحدّدة كما قال وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، مما يوحي بوجود اتفاق روسي أميركي لتجاوز الفيتو الروسي في مجلس الأمن.. فترامب يريد الظهور بمظهر القوي أمام بوتين. ولا يريد فيتو روسي. كانت الضربة رمزية لاا أكثر، الهدف منها القول للعالم أن أمريكا هي من يرسم الخطوط الحمر، وإرسال رسالة إلىى المعارضة لإسكاتها وإيقاف الصوت المتعالي ضد واشنطن الصادر عنها وعن حلفائها والقول إن الإدارة الأميركية جادة ضد النظام السوري.
أرادت الإدارة الأمريكية اختبار ردود الفعل العالمية لقياس مدى مصداقية الدول حتى تضع تحالفاتها الجديدة ضمن الاستراتيجية التي يتم العمل عليها التي يسمونها الإستراتيجية الكونية التي يريدون من خلالها تأسيس مستعمرة الشرق الأوسط: إسرائيل الكبرى.
أظهرت الضربة الدول المؤيدة التي ستكون في مقدمة الأنظمة التي ستحارب مع أمريكا في الحرب العالمية الثالثة، حسب صحيفة اكسربس البريطانية، وهي كل من أستراليا وتركيا واليابان وإسرائيل وإيطاليا وألمانيا والسعودية التي أشادت بقرار ضرب سوريا.
كما أن دونالد توسك، رئيس المجلس الأوروبي، وجان كلود جانكر، رئيس المفوضية الأوروبية أيّدا الضربات الأمريكية وهو ما يعني تأكيد موقع أوروبا ضمن الحلف الأمريكي.
وفي المقابل أدانت الضربة كل من روسيا وإيران وكوريا الشمالية وبعض الدول من أمريكا الجنوبية وغيرها. بينما كان الموقف الصيني غامضا.

كانت الضربة إعلانا أمريكيا أن سوريا تقع ضمن الاستراتيجية الكونية وأن الروس عليهم أن يفهموا ذلك إذا لم يفهموه حتى الآن. كانت ضربة سريعة ورمزية لأن الساعة الصفر لم تحن بعد. فالدخل في حرب لإسقاط الرئيس السوري ونظامه يعني مباشرة اندلاع الحرب في كل المنطقة لأن الروس والإيرانيين حلفاءهم لن يسكتوا على استهداف حليفهم السوري.