الجمعة، 30 يونيو 2017

مصر المنهَكة.. ماذا بعد إعلان "إسرائيل" بناء قناة بن غريون واكتمال بناء السد الأثيوبي على النيل؟





قاسم شعيب


اتفاقية نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية لم تكن شيئا اعتباطيا ولا هي مجرد صفقة تجارية تم من خلالها بيع أرض مصرية من أجل المال لضخه في اقتصاد البلاد المتهالك، كما يتم تصوير الأمر. تتعلق المسألة بمشروع أوسع تم التخطيط له وهو اليوم يُنفّذ بعد أن أصبح الظرف مناسبا لتنفيذه.

أصبح ممر تيران ممرا دوليا بموجب اتفاقية نقل السيادة، بعد أن كان ممرا خاضعا للسيادة المصرية. وأصبح بإمكان إسرائيل تبعا لذلك فتح قناة تربط بين الممر والبحر الأبيض المتوسط. وهذا ما أعلنته "إسرائيل" حيث بدأ العمل على إنجاز قناة بن غريون الرابطة بين البحر المتوسط والبحر الأحمر عبر مضيق تيران، لتكون قناة بديلة لقناة السويس.

خسرت مصر بتنازلها عن الجزيرتين الحق في التحكم بممر تيران، وهو ما كانت تفعله قبل ذلك. فرغم أن اتفاقية كامب ديفد تشترط أن تكون مضايق تيران مفتوحة أمام كل السفن، فإن هذا الشرط يسري فقط في أحوال السلم وفي ظروف "المرور البريء"، وما دامت المضايق تحت السيطرة المصرية فإن مصر تستطيع إغلاقها في حالة الحرب أو لو اشتمت نوايا سيئة للسفن المارة. غير أنه وبعد التنازل عن الجزر للسعودية تصبح مياه مضيق تيران دولية وليس لمصر أي حكم عليها لا في السلم ولا في الحرب.

إنشاء قناة بن غريون لا يعني شيئا سوى خنق قناة السويس. فالقناتان متقاربتان في الطول باعتبار أن المسافة بين إيلات والبحر المتوسط مساوية تقريبا للمسافة التي أنشئت عليها قناة السويس. غير أن "إسرائيل" ستقوم بخفض المسافة في قناة بن غريون بالمقارنة مع تلك التي تجتازها السفن في قناة السويس إلى البحر الأبيض المتوسط.. وهو ما يعني خلق منافسة غير متكافئة أبدا بين القناتين.

والامتياز الآخر لقناة بن غريون المزمع إنشاؤها في ظرف 3 سنوات بكلفة 14 مليارًا من الدولارات سيتم اقتراضها من 3 مصارف أمريكية بفائدة 1 % على أن تردَّها على مدى 30 سنة، هو أنها ستكون قناة بممرين؛ أحدهما من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط والآخر من المتوسط إلى البحر الأحمر. إن ذلك سيكون ضربة إضافية لقناة السويس ذات الممر الواحد الذي يستخدم بالتداول يوم للسفن القادمة من البحر الأحمر في اتجاه البحر المتوسط ويوم للسفن القادم من المتوسط في اتجاه البحر الأحمر.

وفوق ذلك ستكون القناة الإسرائيلية أكثر مرونة وتنظيما وحداثة، فمثلا ستكون القناة بعمق 50 مترًا، أي زيادة 10 امتارعن قناة السويس، وستستطيع سفينة بطول 300 متر وعرض 110 أمتار، وهي أكبر قياس السفن في العالم، العبور في القناة التي ستبنيها "إسرائيل". كما ستحاول "إسرائيل" إقامة مدن على طول القناة على مسافة ضخمة حولها، كما هي المدن والبيوت القديمة، تحيي إيلات شبه الصحراوية.

ومن أجل تأمين القناة ستضع "إسرائيل" أجهزة تجسس في عمق القناة، وأجهزة مراقبة في قلب القناة، وستقيم أكبر حاجز يكشف الأسلحة ويصوِّر بطريقة الأشعة الليزر كل سفينة تقطع القناة ذهابًا أو إيابًا.

تساهم قناة السويس الآن ب 8 مليارات دولار من المداخيل وعند تشغيل القناة الصهيونية فإنها سوف تنخفض إلى 4 مليارات، إذ تتوقع "إسرائيل" أن مدخول القناة الجديدة سيكون 4 مليارات في السنة وما فوق. ولا تستطيع مصر المكبلة باتفاقية كامب دايفيد فعل شيء لإيقاف مشروع قناة بن غريون لو فرضنا جدلا نيتها فعل ذلك.. فالجيش المصري ممنوع من تجاوز قناة السويس. وحتى لو ألغت مصر كامب دايفد فلن تستطيع استعادة سيناء؛ لأن القوة العسكرية "الإسرائيلية" قادرة على ضرب الجيش المصري في حال تجاوزه قناة السويس.

أما الاعتراض المصري الرسمي على إنشاء هذه القناة والتهديد بقطع العلاقات مع "إسرائيل" فليس إلا تغطية على حماقة تاريخية ارتكبت في حق البلد. لم يكترث الكيان الغاصب معتبرا أن العلاقات الدبلوماسية مع مصر شبه مقطوعة، كما لم يكترث للتهديد العسكري.

هل يمكن لحاكم وطني أن يتخذ، بإصرار ملفت، قرارا يعرف مسبقا أنه يؤدي إلى تدمير اقتصاد بلده؟ ألم يكن الرئيس المصري وحكومته يعرفان أن نقل السيادة على تيران وصنافير إلى السعودية يعني إعدام قناة السويس، وما يجره ذلك من خسائر اقتصادية فادحة على مصر؟ ألا يبرر هذا القرار بالتخلي عن السيادة على الجزيرتين طرح أسئلة حول الجهة التي يعمل النظام المصري من أجل تأمين مصالحها؛ وهل هي مصر أم أعداء مصر؟

كانت الأغلبية الكبيرة من المصريين تعيش إحساسا بالتهديد في حياتها ومستقبلها وأرزاقها منذ عقود، لكنها الآن تشعر بتهديد وجودي. وإذا أضفنا إلى صدمة التنازل عن الجزيرتين، التهديد الذي يمثله السد الأثيوبي الذي يوشك بناؤه على النهاية، وما يمثله ذلك من قضم لحصة مصر من مياه النيل أمام التربة المجهدة، وموارد البلاد المستهلكة، والاقتصاد المترنح، وعوز الكثير من المواطنين، وهواء المدن الملوث، يصبح واضحا أن مصر مستهدفة اليوم كما لم تكن مستهدفة في أي وقت مضى..




الأحد، 25 يونيو 2017

حروب المناخ.. مشروع "هارب HAARP" وسلاح افتعال الكوارث الطبيعية






قاسم شعيب


لم تعد التغيرات المناخية المفاجأة التي تتراوح بين الحرارة المرتفعة بشكل غير عادي وكثرة الفيضانات والتسونامي في مناطق مختلفة من العالم وحدوث الزلازل والبراكين بشكل مفاجئ.. خافية على أحد. من الطبيعي أن تحدث أحيانا مثل هذه الظواهر، غير أن كثرتها وتواترها هو ما أثار الشكوك لدى المهتمين الذين بحثوا في الأسباب الممكنة ووجدوا أسبابا مصطنعة لكنها خفيّة ولا يعرفها إلا القلة من الناس. وتلك الأسباب ليست إلا سلاح التحكم في المناخ الذي يعرف بسلاح هارب.
وهارب HAARP هو مشروع أمريكي يعمل على صناعة أسلحة من الجيل الخامس لا تحتاج إلى وجود قائد. ويعتبر البعض أن أول من اكتشف فكرة هذا السلاح باحث أمريكي من أصل صربي يدعى نيقولا تسلا (1856- 1943).
بدأ العمل على صناعة السلاح الجيوفيزيائي - البيئي الجديد منذ عقد الستينات من القرن الماضي تحت اسم "مشروع هارب". وهذا السلاح يمكن من خلاله التحكم في درجات الحرارة وزيادة مساحات التصحر وحدوث عواصف وفيضانات ووقوع الزلازل وانفجار البراكين.
يدير برنامج هارب مؤسسة رئيسية في القطب الشمالي، معروفة باسم محطة بحوث هارب. وقد بنيت هذه المحطة في موقع للقوات الجوية الأمريكية قريب من منطقة جاكونا بولاية ألاسكا الأمريكية.
ويُعتقد إن عام 2015 كان الموعد المقرر لإنهاء مشروع هارب ووضعه موضع التنفيذ الفعلي، ليكون السلاح المستقبلي الذي يضمن الهيمنة الأمريكية على العالم، أو بالأحرى ليضمن تحقيق الأهداف والمخططات اليهوماسونية.
ومشروع هارب هو منظومة من الأقطاب الكهربائية العملاقة التي تولد طاقة عالية جدا تصل إلى حدود 3600 ألف واط، يمكن توجيهها إلى طبقات الجو العليا، وبشكل خاص نحو طبقة الغلاف الجوي "الآيونسفير"، بحيث يجري التحكم بخواصها عبر إحداث تغييرات نوعية مقصودة في العوامل المناخية للمنطقة المراد استهدافها لتحويلها إلى بيئة ماطرة أو جافة، باردة أو حارة، زلزالية أو طبيعية، ناشطة بركانيا أو خامدة.. إلخ.

وبكلمة أخرى، يعتمد هذا السلاح على المادة الكهرومغناطيسية التي تعمل على تركيز أمواج راديوية بترددات خاصة وبطاقة عالية إلى أعلى من طبقات الأوزون، حيث يتم تسخين طبقات الغلاف الجوي بشكل مكثف لتتحول إلى وسادة مطاطية تخزّن الطاقة بشكل كبير. ومن ثم يتم إطلاق موجات مغناطيسية، قادرة على اختراق الأجسام الحية والميتة، نحو منطقة معينة وتحرير هذه الطاقة من خلال الغلاف الجوي.
وقد علق الأمريكي بول شيفر وهو مهندس كهربائي عمل لعدة سنوات في بناء الأسلحة النووية على خاصية هذا المشروع قائلا: "إذا ما تم العبث بالغلاف الجوي، فإن حال الأرض سيكون أشبه بمريض الحمى الذي يبدو عليه السعال وارتفاع شديد في درجات الحرارة، فضلا عن زيادة نشاط البراكين والزلازل والفيضانات المدمرة".
والأداة الأكثر وضوحا واستخداما في محطة هارب هي أداة البحث الأيونوسفيريIRI ، وهي عبارة عن مرفق لإرسال الترددات اللاسلكية العالية القوة ويتم تشغيلة بواسطة ترددات عاملة في النطاق العالي.
تستخدم أداة البحث الأيونوسفيري IRI لإثارة وتنشيط منطقة محدودة من المجال الأيوني بشكل مؤقت. وتستخدم بعض الأدوات الأخرى، مثل أداة التردد العالي جدا ورادار التردد فائق العلو، ومقياس المغناطيسية، وجهاز استقراء مغناطيسي.. كل هذه الأدوات تستخدم لدراسة العمليات الفيزيائية التي تحدث في ذات المنطقة المُثارة.
بدأ العمل في محطة هارب عام 1993 وتم الانتهاء من الأعمال الحالية لأداة البحث الأيونوسفيري في 2007، وكان المقاول لهذا العمل شركة بريطانية تدعى بي إيه إي سيستمز للتكنولوجيات المتقدمة.
ويرى متابعون أن اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بهذا المشروع، دفعها إلى توريط بعض الدول الأخرى مثل السويد والنرويج وروسيا وبريطانيا.. لبناء محطات مماثلة فوق أراضيها مرتبطة بالمحطات الرئيسية الموجودة على الأراضي الأمريكية. وهي ليست محطة واحدة بل محطات متعددة لأن الهدف هو أن إحداث التأثير المطلوب في الأماكن المستهدفة بذريعة مكافحة تجارة المخدرات في المناطق التي تمارس زراعة مثل هذه النباتات، عبر التلاعب بشروطها المناخية بواسطة الموجات الكهربائية الموجهة والتي تفضي في النهاية إلى إتلافها.
كتبت دورية عسكرية روسية أن التجارب الأيونوسفيرية لبرنامج هارب "قد تؤدي إلى سلسلة من الإلكترونات التي بدورها يمكن أن تقلب أقطاب الأرض المغناطيسية رأسا على عقب".
أما الكاتب نيك بيجيتش فقد حذّر في كتابه "الملائكة لا تعزف هذا الهارب"، الحاضرين في إحدى محاضراته بأن مشروع الهارب قد يؤدي إلى العديد من الزلازل التي بدورها قد تحول الغلاف الجوي العلوي إلى ما يشبه العدسة العملاقة بحيث "تبدو السماء للرائي وكأنها تتعرض تماما للاحتراق".
وبحسب البروفسور في العلوم العسكرية الروسية والنائب الأول لرئيس أكاديمية القضايا الجيوسياسية الدكتور قسطنطين سيفكوف، فإن "تأثير هذا السلاح المناخي – الجيوفيزيائي لا يقتصر فقط على إحداث خلل في العوامل المناخية / البيئية، بما يضمن حصول تغييرات دراماتيكية في المناطق التي يراد إيقاع الضرر بمكوناتها الحيوية فحسب، بل خطورتها تتعدى ذلك إلى التأثير على طريقة تفكير المجتمعات المستهدفة، حيث تقوم منظومة هارب ببث موجات معينة وبترددات تتناسب وموجات عقل الإنسان، توجه نحو الغلاف الجوي "الايونسفير"، لكي يقوم هذا الأخير بعكس تلك الموجات والإشعاعات إلى الأرض بما يجعلها تتحكم بأمزجة الناس والتلاعب بعواطفهم؛ على شكل اكتئاب وهيجان شامل تارة، أو الانبساط والانشراح تارة ثانية، أو الخمول والبلادة تارة ثالثة"!.
وبشكل عام يمكن لمشروع هارب تحقيق عدة مهام:
·       التحكم في أحوال الطقس في أي منطقة من العالم وعلى مساحات شاسعة جدًا من الكرة الأرضية.
·        تعطيل أنظمة الاتصالات الحربية والتجارية في أي مكان من العالم أو تدميرها.
·       استخدام تقنية الشعاع الموجه الذي يسمح بتدمير أية أهداف على الأرض من مسافات بعيدة جدًا.
·       إطلاق الأشعة غير المرئية للناس في الجو والتي تتسبب في السرطانات والأمراض المميتة.
·        استخدام الأشعة لإعادة بث المعلومات في الدماغ بصورة مباشرة عبر الهواء والتي تبعث هلوسات سمعية.
·        التحكم في مضادات الغلاف الجوي، واستحداث وعمل ثقب أو شقوق في الغلاف الجوي الأيوني فوق دولة العدو بتسخين منطقة بمساحة 30 كم مربع وتحويلها إلى غطاء من البلازما يدمر أي صاروخ أو طائرة تحاول الطيران من خلالها.
·       عمل انفجارات تضاهي حجم الانفجار النووي دون إشعاعات.
·        افتعال الزلازل والبراكين من خلال استثارة المجال الكهرومغناطيسي للطبقة التكتونية في باطن الأرض.

ويشير خبراء الى أن الأمريكيين قاموا بتجربة هارب HAARP في أكثر من دولة وتسبب ذلك في العديد من الكوارث الطبيعية منها سقوط الرافعة في الحرم المكي، والبراكين التي أثيرت بشكل مفاجئ حول باب المندب، وافتعال تسونامي في الفليبين وأندونيسيا، والزلازل المدمرة في أندونيسيا واليابان من خلال استخدام الموجات الكهرومغناطيسية. ولعل أبرز الحوادث التى يقوم الباحثون بالتأكيد على أنها حصلت بواسطة جهاز هارب هو تسونامى اليابان الذى أدى إلى غرق المفاعل النووى الياياني.
فقد أكد علماء يابانيين أن المنطقة التى تم بناء المفاعل فيها وتعرضت إلى زلزال لم تكن حسب الأرقام والحسابات من ضمن المناطق التى يمكن أن تتعرض للزلازل، مما يعني أن اليابان، الذي هو أحد المنافسين الاقتصاديين لأمريكا، يعتقد أن الولايات المتحدة هي التي استخدمت سلاح هارب لتوليد زلزال اصطناعى أدى إلى غرق المفاعل النووى اليابانى .
 والأخطر في ذلك كله، ما يخطط له الأمريكيون ومن يقف وراءهم من افتعال كوارث مناخية وطبيعية عبر العالم من خلال إثارة براكين وزلازل وتسونامي وفيضانات في المرحلة المقبلة من أجل ادعاء قيام الساعة وخروج الملك اليهودي المعروف لدى المسلمين بالدجال، حيث أن أحد وظائف هارب HAARP "استخدام الأشعة لإعادة بث المعلومات في الدماغ بصورة مباشرة عبر الهواء والتي تبعث هلوسات سمعية".
 ويمكن استخدام تقنية الهولوغرام، لتصوير أجسام في الفضاء، لتعاضد هارب الذي من خلاله يمكن إرسال بعض الأصوات والهلوسات السمعية من أجل أن يصدق العالم كل ما يدعيه أصحاب هذه المشاريع من جماعة المتنورين اليهود.
لم تعد الحروب مقتصرة على المجالات العسكرية الصلبة ولا حتى على المجالات المادية والاقتصادية والمجالات الثقافية والذهنية الناعمة، بل إنها ذهبت بعيدا من أجل التحكم في المناخ وافتعال الكوارث الطبيعية لهزيمة العدو أو حتى لتصفية من لا يرغب مالكو هذا السلاح في وجوده وحياته..






الخميس، 22 يونيو 2017

صعود محمد بن سلمان.. وفرحة إسرائيل!








قاسم شعيب


إذا أردنا أن نفهم ما يجري في المنطقة من إيران إلى مصر مرورا بالخليج والعراق والشام وصولا إلى المغرب العربي، والتطورات المتسارعة فيها، فليس أمامنا سوى معرفة ما تريده إسرائيل والحركة الصهيونية.
من إيران وحتى المغرب لا تخطئ العين حقيقة الارتباط الشديد بين دول المنطقة بحكم المشتركات الكثيرة والانتماء الواحد دينيا وثقافيا ولغويا. وما يحدث في بلد معين يؤثر بشكل أو بآخر على بقية البلدان أمام التقارب الكبير الذي سمحت به التكنولوجيات الجديدة. وقد رأينا كيف أن بلدا بعيدا عن قلب المنطقة مثل تونس انتقل منه حدث سقوط نظام ابن علي إلى اكثر البلاد العربية، وربما كلها في وقت قريب. وعندما نكون أمام بلد مؤثر مثل المملكة السعودية، فإن ذلك التأثير يصبح أقوى وحقيقة لا مفر منها.
لا شك أن ما يحدث الآن وما سيحدث لاحقا في المملكة السعودية، سيكون محدِّدا لمستقبل المنطقة برمّتها. يدرك الصهاينة ذلك وهم يعملون على هندسة صراع واسع ومدمر بين أمراء آل سعود بعد تنحية الملك سلمان بن عبد العزيز أو موته. ولعل قراءة سريعة في مواقف الإسرائيليين وإعلامهم يكشف ترحيبا واسعا بإزاحة محمد بن نايف من ولاية العهد السعودية وتعيين محمد بن سلمان مكانه. فقد قالت صحيفة هآرتس، مثلا، إن الأمير محمد بن سلمان، الذي وصفته بـ"الغلام"، هو بشرى جيدة لإسرائيل.. وهو ما يعني أن خطّتهم تتقدم في انتظار إزاحة الملك، بشكل أو بآخر، لتبدأ حرب الأمراء المتوقعة..
يفهم أكثر المهتمين الآن أن الـ 480 مليار دولار التي دفعها الملك السعودي سلمان للرئيس الأمريكي ترامب في شكل عقود أسلحة واستثمارات كانت ثمنا لإزاحة محمد بن نايف وتنصيبه ابنه وليا للعهد.. غير أن ذلك ليس كل شيء. بل كانت هناك شروط إضافية.
واهم تلك الشروط التي سرّبها الأمير المنشق خالد بن فرحان آل سعود هي: أولا، الانصياع المطلق لأمريكا وإسرائيل وتحقيق جميع ما يُطلب منه. وثانيا، العمل بشكل جدي وعلى وجه السرعة على توطين جميع سكان قطاع غزة بشمال سيناء في مصر باعتباره وطنا بديلا لهم وتكفل كلٍّ من السعودية والإمارات بالاستحقاقات المالية لتحقيق ذلك الشرط والقضاء علي حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وبشكل خاص جناحها العسكري كتائب عز الدين القسام ومن يدعمهم. وهذا مغزى الحصار الذي ضُرب على قطر. وثالثا، العمل جدياً علي تحويل ملكية جزيرة تيران من مصر إلى السعودية حتى يصبح مضيق تيران في خليج العقبة تابعاً للمياه الدولية بدل تبعيته للمياه الإقليمية المصرية من أجل أن تتمتع  البحرية الإسرائيلية بحرية الملاحة فيها وتنفيذ مشروع موازٍ لقناة السويس في خليج العقبة. وهذا ما فعله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وبرلمانه الذي صوَّت الأسبوع الماضي لصالح التفويت في جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.
هذه الشروط بدأ محمد  بن سلمان في تنفيذها منذ أن كان والده وليا للعهد وقبل تولِّيه الحكم، من خلال تقسيم العائلة الحاكمة إلي جناحين متصارعين قبيل وفاة الملك عبد الله، وما تلا ذلك من أوامر ملكية أصدرها سلمان بن عبد العزيز متضمِّنة مجموعة من الإعفاءات والتعيينات والتغييرات المفصلية لهيكل الدولة طمست أي أثر سياسي للملك عبد الله والنافذين من الأسرة الحاكمة بغرض الاستئثار بالقرار السياسي لصالح ابنه محمد للّعب في الساحة السياسية السعودية والدولية منفرداً من أجل تحقيق تلك الشروط.
بات معلوما سبب اختيار الأمريكيين لمحمد بن سلمان ليكون هو الملك القادم. فهو شاب مراهق في السياسة كما وصفه أحد شركاءه في الحرب الظالمة على اليمن، وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني.. ولا شك أن تلك المراهقة والرعونة هي التي تسهل للأمريكيين والصهاينة التحكم في هذا الشاب الثلاثيني.
يدرك الكثيرون داخل العائلة السعودية الحاكمة، التي تعيش حالة غضب وغليان، أن التخلص من ابن نايف ليس في مصلحة بقاء آل سعود في الحكم على أي نحو كان. فقد كان يمكن لمحمد بن نايف، الذي يوصف بالثعلب الماكر، أن يطيل عمر مملكة جدِّه لو أصبح ملكا.. أما الآن، فمع وصول محمد بن سلمان، فإن النهاية باتت قاب قوسين..
تنحي سلمان عن الحكم أو عزله بشكل أو بآخر قد لا يستغرق أكثر من أسابيع قليلة.. وقد يكون ذلك متزامنا مع عزل دونالد ترامب أو اغتياله كما يتوقع كثيرون من أجل اتهام دولة أخرى بقتله ومهاجمتها بهدف إطلاق حرب واسعة لا يتوقف لهيبها عند منطقة واحدة من العالم. فاليهود والصهاينة يبدو أنهم على عجلة من أمرهم، وهم يريدون افتعال حرب غير تقليدية وشاملة من أجل تحقيق أحلامهم التوراتية في حكم العالم بشكل مباشر انطلاقا من القدس. غير أنهم لا يدركون أنهم عندما ينتقلون من حكم العالم في الخفاء، كما هو الواقع اليوم، إلى حكمه في العلن يسقطون إلى الأبد!..






الخميس، 15 يونيو 2017

موسم الهروب من السنة النبوية!






قاسم شعيب


كثيرون يهربون من سنة النبي ص هذه الأيام. حتى السنة الصحيحة يرفضونها بمبررات واهية. يقولون أحيانا إن زمنها قد ولّى. وأحيانا أخرى يؤكدون إنها مليئة بالموضوعات والإسرائيليات.. والحقيقة، إن هذه النزعة قديمة. وقد لجأ إليها كل أولئك الذين تُدِين السنة النبوية ممارساتهم الخاطئة أو طريقتهم المعوجّة في التفكير.
صحيح أن كتب الحديث تتضمن أحاديث ضعيفة أو موضوعة. لكن ذلك لا يبرر التخلي عن السنة النبوية من الأساس. بل إن نظام العبادات قائم في معظمه على السنة. وأكثر تفاصيل العقيدة موجودة في الحديث والقرآن لم يتعرض إليها إلا في شكل برقي.
عادت هذه النزعة لتظهر من جديد مع مجموعة من العلمانيين الوضعيين من اجل إباحة المحرمات مثل الخمور والزنا والشذوذ.. وهذه حالة محمد شحرور وعبد المجيد الشرفي ومحمد الطالبي وألفة يوسف..
والجديد اليوم أن بعض المعممين، وهي حالة كمال الحيدري، يدخلون على خط التشكيك في السنة النبوية. هذا الرجل خرج علينا ليقول إن منهجه يعتمد على اصلين فقط هما القرآن والعقل.
لأول وهلة يمكن أن يعجب المرء بهذا الكلام. لكن من الواضح أن القرآن حمّال ذو وجوه كما كان يقول الإمام علي. ولذلك يمكن تفسير الآية القرآنية الواحدة بأشكال متناقضة..
أما العقل فهو في الحقيقة عقول. ونحن نعرف حجم الاختلافات بين الناس رغم أن كل طرف يدعي أنه يحترم العقل، حتى أن بعض الناس يقتل ظلما باسم العقل.
ولأجل ذلك لا مفر من الالتزام بسنة النبي بعد تنظيفها من الروايات الموضوعة. فالسنة كنز لا يقدر بتمن لمن اطلع عليها. ولا يمكن أبدا التفريط فيها. إن السنّة هي التي توضح الحقيقة الدينية وتحدد المعنى القرآني وتفصل الشريعة وتعلم الأخلاق وتفرع العقيدة وتعمق الإيمان وتفسر ما تعجز عن تفسيره العقول.
ولعل ما دفع الحيدري إلى إعلان تخليه عن السنة منهجيا هو نزعة الغلو لديه. فهو كما يدعي يرفض نسبة السهو إلى النبي ص رغم وجود أحاديث صحيحة لدى الشيعة والسنة في هذا الصدد. إنه يدعي أن النبي لا يمكن أن يسهو لأنه الإنسان الكامل والحقيقة الكبرى.. في حين أن كمال النبي الإنساني لا يتناقض مع مسألة السهو البشرية. فالسهو قد يحدث بهدف تعليم الناس كما صرحت أحاديث أخرى، كما يمكن ان يكون جزء من بشرية الرسول ص. فالنبي ص كما يمكن أن يتعب وينام ويمرض.. يمكن أيضا ان يسهو.. فليس هناك مطلق الا الله سبحانه الذي "لا تأخذه سنة ولا نوم".
ونحن نستطيع أن نضيف أصلا رابعا، إضافة إلى القرآن والسنة والعقل. وهذا الأصل هو القيم التي تعبر عنها الصفات الإلهية. فهي الخيط الذي يجمع القرآن والسنة والعقل باعتبار ان هذه الأصول تتفق كلها في خدمة القيم الانسانية الكبرى كالعدل والكرامة والحرية والسماحة والعفو والكرم والفضيلة..







الأربعاء، 14 يونيو 2017

ترامب وحماس وحكومة العالم الخفية






قاسم شعيب


لم يختلف مؤتمر بلدربيرغ، الذي عُقد في بداية هذا الشهر في العاصمة الأمريكية واشنطن غير بعيد من المكتب البيضاوي، عن المؤتمرات السابقة من حيث سرية وغموض مداولاته ومُخرَجاته. شارك هذه المرة مائة وواحد الثلاثون شخصا، هم نخبة مختارة من أصحاب النفوذ من كبار رجال الأعمال ومدراء الشركات الكبرى والسياسيين للتأثير على صناعة القرار عالمياً، وكان في مقدمتهم وزير الخارجية الامريكية الأسبق هنري كيسنجر،  ورئيس حلف الناتو، ينس ستولتنبرغ ، ومديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، وملك هولندا، والسفير الصيني لدى الولايات المتحدة تسوى تيانكاي..  

وهؤلاء المشاركون، الذين تقتصر الدعوة عليهم، هم من دول حلف شمال الأطلسي، الذين لديهم اطلاع على معلومات بالغة السرية أو من صناع القرار السياسي والعسكري والاقتصادي والفكري والإعلامي. ثلثا المجتمعين يأتون عادة من دول أوروبا والبقية من أمريكا الشمالية؛ الولايات المتحدة، وكندا، والمكسيك.

أما أجندة اجتماع هذا العام، فكانت مناقشة مسائل: رئاسة دونالد ترامب، والصين، والذكاء الاصطناعي، وعلاقات روسيا الدولية، والطاقة النووية، وحرب المعلومات، واتجاه الاتحاد الأوروبي، وهل يمكن تبطئة العولمة؟، ونمو الشعبوية واليمين المتطرف، والناتو، والأحداث الجارية.

لم يكن مفاجئا أن يتصدّر الرئيس الامريكي ترامب وإدارته أهم القضايا المطروحة، فقد كُتِبَ في أعلى جدول أعمال المؤتمر: "إدارة ترامب: تقرير تطورات العمل"، كما نقلت صحيفة الغارديان البريطانية. فمجموعة بيلدبيرغ هي التي تحاسب الرئيس لأنها هي التي تقرر من يكون رئيسا للولايات المتحدة، وماذا يجب عليه أن يفعل، ومتى يجب أن يغادر إذا لزم الأمر.
أرسل البيت الأبيض بعض أهم رموز فريق ترامب؛ ومنهم مستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، ووزير التجارة ويلبر روس، والخبير الاستراتيجي الجديد في إدارة ترامب كريس ليديل.. للدفاع عن رئيسهم ومناقشة معارضي الرئيس، وفي مقدمتهم إريك شميت رئيس شركة "ألفابيت" المظلة التي تضم كل أنشطة العملاق غوغل.

وطرحت الغارديان تساؤلات ساخرة، ولكنها جدية أيضا، من نوع: هل سيُعاقَب الرئيس ويُحتجز بسبب كتابته تغريداتٍ على تويتر بالفصل؟ وهل سيُطلب منه إفراغ محتويات خزانته والمغادرة؟ فإذا كان هناك مكانٌ ما يمكن أن يسمع فيه الرئيس كلمات "أنت مفصول"، فهو مجموعة بلدربيرغ.
ليس صعبا على المراقب أن يلاحظ النتائج التي أظهرتها زيارة ترامب إلى السعودية التي وصفها إبان حملته الانتخابية بـ"البقرة الحلوب التي إذا ما جف ضرعها ذبحناها".. فبعد أن كان "الإخوان" و"الوهابيون" يسيرون معا في نفس الخندق ويهاجمون طوال السنوات الست الماضية إيران وسوريا والشيعة.. أصبحت الآن المعركة بين التيارين نفسيهما؛ "الإخوان" برعاية قطر وتركيا، و"الوهابية" برعاية السعودية وحلفاؤها.

لكن ترامب الذي اجتمع مطولا ولعدة أيام قبل السفر إلى الرياض مع هنري كسينجر الرجل المؤثر في حكومة العالم الخفية، يبدو أنه نجح في مهمته. فزيادة على النصف تريليون دولار الذي عاد به إلى بلاده، استطاع تحريض السعوديين ضد القطريين والصاق تهمة دعم الإرهاب بهم، كما لو كان السعوديون لا يدعمون الغرهاب ولا مولونه وبشكل أوسع بكثير.

وافتعال معركة في هذا التوقيت بين تيارين واسعين داخل أكبر فريق من المسلمين يعني أن المشروع الأمريكي مصرٌّ على التفتيت. فهذا المشروع وضعه المستشرق الأمريكي الصهيوني برنرد لويس فى عهد جيمي كارتر، ووافق عليه الكونغرس الأمريكي بالإجماع في جلسة سرية عام 1983. وتمَّ تقنينه واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الإستراتيجية المستقبلية. وصل برنارد لويس إلي واشنطن ليكون مستشارًا لوزير الدفاع لشئون الشرق الأوسط. وهناك أسس فكرة تفكيك البلاد العربية والإسلامية، ودفع الأتراك والأكراد والعرب والفلسطينيين والإيرانيين ليقاتل بعضهم بعضًا، وهو الذى ابتدع مبررات غزو العراق وأفغانستان.

والجزء الآخر في المشروع يتعلق بتفكيك الوحدة الدستورية لجميع الدول العربية والإسلامية، وتفتيت كل منها إلي مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، وقد أوضح ذلك بالخرائط التى أشار فيها إلى التجمعات العرقية والمذهبية والدينية والتى على أساسها يتم التقسيم. وقد تم تسليم المشروع إلى بريجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد جيمي كارتر وهو الذى قام بدوره في إشعال حرب الخليج الثانية حتى تستطيع الولايات المتحدة تصحيح حدود سايكس بيكو ليكون متسقا مع المصالح الصهيوأمريكية. هذه الاستراتيجية هي التى يتم تنفيذها بدقة حتى اليوم.

غير أن القصة لا تتوقف عند مجرد التفتيت. يعرف الأمريكيون أن العقبة الأخيرة أمام إعلان القدس عاصمة لإسرائيل وإفراغ فلسطين عموما وغزة خاصة من أهلها، يحتاج إلى رفع الدعم عن حماس وبقية المنظمات التي لا تزال تؤمن بالمقاومة وتمثل السد الأخير أمام تقدم المشروع الصهيوني، وإلصاق تهمة الإرهاب بها.

واتهام حماس بالإرهاب هي وبقية حركات المقاومة هو ما يمكن أن يوفر فرصة ومبررا لهجوم إسرائيلي متوقع على غزة، بدعوى محاربة الإرهاب، تستخدم فيه مختلف الأسلحة التقليدية والمحرمة بشكل غير مسبوق وسط دعم عربي إعلامي وسياسي علني لإسرائيل. والهجوم على غزة يراه الصهاينة ضروريا، رغم مخاطره في تقديرهم، من أجل دفع الناس إلى البحث عن ملجأ لن يكون سوى سيناء التي تم الاتفاق مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على فتحها أمام الفلسطينيين لتكون وطنا بديلا لهم مقابل أكثر من 580 مليار تدفعها السعودية لمصر على مدى عشر سنوات كما تقول تقارير..

ما يفعله ترامب في المنطقة ودفعها إلى التقاتل ليصبح العرب والمسلمون أعداء بعضهم بعضا بدل إسرائيل، ثم مباشرة التمهيد للهجوم على غزة ليس سوى ما تمليه عليه حكومة العالم الخفية التي تبنت مشروع برنارد لويس. وأي تلكؤ يصدر عنه لن يعني شيئا سوى التخلص منه بالطريقة المناسبة. ولعل الضغوط المتواصلة ضده هي من أجل إخضاعه بشكل كامل لينفذ كل ما يطلب منه.

غير أنه في المقابل لن تقف المقاومة الفلسطينية مكتوفة الأيدي، فهي بعد كل عدوان تتعرض له تخرج أقوى وتبدأ في استخلاص الدروس. ورغم الحصار القاسي المضروب على غزة منذ سنوات، يعرف الصهيوني قبل غيره أن مخططاته لا تنجح، رغم كل ما يملكه من قوة وجبروت ودعم سياسي وإعلامي عالمي، مادام هناك عرق مقاوم ينبض..






الثلاثاء، 6 يونيو 2017

قطر تحت الحصار.. هل هي خطوة جديدة على طريق مشروع الشرق الأوسط الجديد؟



 ترامب صحبة سلمان والسيسي وهم يضعون أيديهم على البلورة السحرية!


قاسم شعيب

بعد أن غادر ترامب السعودية بوقت قصير، انطلقت الصواريخ الإعلامية السعودية والإماراتية الموجّهة عبر شاشات التلفزيون ومواقع الإنترنت المختلفة ضد قطر بدعوى دعم الإرهاب والانحياز إلى إيران وتخريب المنطقة.. بل إن هناك من خرج ليذكِّر أمير قطر بمصير محمد مرسي في مصر.
ظن كثيرون أن الأمر مجرد زوبعة في فنجان وأنه سيتوقف عند هذا الحد. غير أن ما خرج أمس الإثنين، في ذكرى نكسة حزيران، من قرارات لقطع العلاقات مع قطر وإعلان غلق الحدود البرية والبحرية والجوية التي صدرت من عدة دول؛ هي السعودية والإمارات والبحرين ومصر وجزر المالديف، يؤكد أن الأمر جدّي وأن هناك خطة متكاملة قد يكون هدفها إسقاط النظام القطري عبر انقلاب عسكري أو افتعال حرب ضدها بشكل مباشر ومن خلال دعم المعارضة وتسليحها لتحقيق هذا الهدف حيث لا يبدو أن السعوديين ومَن وراءَهم سيقبلون بأية تنازلات يقدمها القطريون الذين لا يبدو عليهم، بدورهم، الاستعداد من لتقديم كل ما يُطلب منهم من تنازلات. وقد يكون هدفها أكثر خطورة؛ يريد إشعال المنطقة كلها وإغراقها في حرب الكل ضد الكل خدمة للمصالح الأمريكية والصهيونية في المنطقة..
يعتبر السعوديون دولة قطر الابن العاق. فالقطريون بالنسبة لهم مجرد فخذ سعودي تمرد على عشيرته وانفصل عنها. ولابد للابن العاق أن يعود يوما إلى عشيرته الكبيرة. أراد القطريون منذ إنشاء دولتهم أن يختلفوا عن السعوديين حتى في طريقة وضع "العقال" على الرأس وتفصيل الزي القطري "الدشداشة".
وعندما كانت السعودية تصرف المليارات لبناء المساجد الوهابية المتشددة عبر العالم وتوزع كتب ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب مجانا وتدعم ماليا العمليات الإرهابية للقاعدة ثم تنظيم داعش.. وتحاول أن تغطي على ذلك كله بإنشاء شبكة قنوات مثل روتانا والأم بي سي المنخرطة بشكل كامل في المنظومة الإعلامية الأمريكية الليبرالية، كانت قطر تحاول تبنّي نسخة وهابية أخرى "معتدلة" من خلال استقطاب رموز "الفكر السلفي" ورؤوس التيار الإخواني الذين كان ولا يزال يوسف القرضاوي أبرزهم، ومن خلال بناء مساجد فخمة مثل مسجد "محمد بن الوهاب"، مؤسس المذهب الوهابي والذي يدّعي آل ثاني الانتساب العائلي إليه.. هذا كله يعني وجود رغبة قطرية قوية للخروج عن التبعية للسعودية ليس فقط في السياسات العامة وإنما أيضا في كثير من تفاصيل الحياة.
لم تخمد الهواجس القطرية من اعتداء السعوديين عليهم يوما. وينقل عن الأمير القطري السابق حمد بن خليفة قوله: "كلما ننام نتوقع تغزونا السعودية ليلا!".. لم تختفِ العداوة القطرية السعودية رغم أنها دخلت لفترات في حالة خمود، واستمر الحذر القطري حاضرا والغضب السعودي متأججا.
 يستنكف القطريون من التبعية للسعوديين وهم لذلك أرادوا أن يتميزوا عنهم في سياساتهم فاخترعوا "السلفية الناعمة" ودعموا "الإخوان المسلمين" في كل مكان ووقفوا مع ما يسمى "الربيع العربي" وعارضوا الانقلاب على مرسي في مصر وأغدقوا المليارات من أجل حضور قطري في المحافل الإقليمية والدولية وبناء ترسانة إعلامية تقودها شبكة "الجزيرة".. وحاولوا الامتداد خارج حدودهم فاشتروا عقارات ضخمة ونواد رياضية وموّلوا جمعيات وأحزاب وشخصيات.. وعندما اختار السعوديون علاقات سرية مع الصهاينة، قرر القطريون فتح مكتب علني للمصالح الإسرائيلية في الدوحة.
تبدو الآن الفرصة مناسبة في رأي السعوديين لإعادة قطر إلى بيت الطاعة بعد أن أُعطِيت ضوءا أخضرَ أمريكي في زيارة ترامب الأخيرة التي عاد فيها على بلاده محملا بـ480 مليار دولار هي قيمة العقود الموقعة، وإعلان الكثير من حلفائها دعم خطواتها في السر والعلن. بدأ القصف الإعلامي بعد مغادرة الرئيس الأمريكي مباشرة فتمت نسبة تصريحات إلى أمير قطر نفتها حكومته واعتبرت أن موقع وكالة الأنباء القطرية تم اختراقه.
لا يبدو أن السعوديين سيتوقفون قبل تحقيق الأهداف المرسومة. وعندما يغرد عبر تويتر رئيس لجنة العلاقات العامة السعودية الأمريكية سلمان الأنصاري قائلا: "إلى أمير قطر؛ بخصوص اصطفافكم مع حكومة إيران المتطرفة وإساءتكم لخادم الحرمين؛ فأود تذكيركم بأن محمد مرسي فعل نفس الشيء وتم عزله وسجنه"، فإن ذلك لا يعني شيئا غير التهديد بالإطاحة بالأمير الشاب بشكل واضح ومباشر.
ستكون مصادفة عجيبة نشر ثلاثة عشر مقالا في الصحافة الأمريكية حول الخطر الذي تشكله قطر على الاستقرار في المنطقة بعد زيارة ترامب إلى السعودية. إذ متى كان الإعلام الأمريكي يعطي كل هذه الأهمية لقطر؟ من الواضح أن الهجوم على قطر دبر بليل - أو نهار، لا فرق - مع سبق الإصرار والترصد. لكن السؤال قد يكون حول التوقيت والسبب.
لم تشفع للقطريين مساهمتهم في العدوان على اليمن إلى جانب السعوديين والإماراتيين والمصريين.. ولم يشفع لهم التمويل الباذخ لمجموعات مقاتلة وإرهابية في سورية ضد الجيش السوري وحلفائه، ولم يشفع لهم إرسال قواتهم للمساهمة في حماية الحدود السعودية الجنوبية مع اليمن، وهو ما لم تقدم على فعله حتى مصر التي تشارك في التحالف. ولم يشفع لهم تسليم معارض سياسي إلى السعودية في اليوم نفسه الذي تعرضت فيه للهجوم بحجة تأييدها لإيران. إن ذلك كله له دلالته بعد تلك الرقصة الشهيرة للرئيس الأمريكي.
لا نتصور أبدا أن المسألة زوبعة في فنجان بعد تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان الذي اعتبر أن قرار عدد من الدول العربية قطع علاقاتها مع قطر يمثل فرصة ممتازة لتوحيد الجهود مع إسرائيل في محاربة الإرهاب، مؤكدا أن  قرار الدول التي قطعت علاقاتها مع قطر خشية "الإرهاب"، تمكّن إسرائيل، في حقيقة الأمر، من مد يدها لها للتعاون في المعركة ضد الإرهاب.
وفي تقدير صحيفة "جيروزليم بوست" هناك "خمسة أسباب تجعل إسرائيل معنية بالأزمة القطرية"، هي: أن الأزمة تضر بحماس. وتمهد للتقارب بين إسرائيل من جهة والسعودية ودول الخليج الأخرى ومصر من جهة أخرى. وتثبت عودة النفوذ الأمريكي إلى المنطقة. وتنزع الشرعية عن "الإرهاب". وكذلك تساهم الأزمة في تعزيز مواقع إسرائيل في المنطقة بشكل عام ومواقع الحكومة الإسرائيلية الحالية بشكل خاص.
وقد كانت تغريدة السفير الإسرائيلي في أمريكا مايكل أوران على تويتر واضحة في ترحيبها بالأزمة عندما أعلن: "انتهاء عصر التحالف العربي ضد اسرائيل.. وبداية عصر تحالف عربي اسرائيلي ضد قطر التي تدعم الإرهاب".
هذه التصريحات تؤكد ما تضمنته وثيقة سربتها قطر بعد انطلاق الهجوم الإعلامي السعودي الإماراتي والتي تتحدث عن الخطوات الأمريكية القادمة بالاتفاق مع السعودية والإمارات لبناء "الشرق الأوسط الجديد".. ومن تلك الخطوات: تدبير انقلاب في قطر أو عزلها دوليا، ومحاصرة جماعة الإخوان المسلمين دولياً، وإغلاق وسائل إعلامها وتصنيفها جماعة إرهابية ومصادرة أموالها.
وكذلك توجيه ضربة إسرائيلية لقطاع غزة وتسهيل تدخل بري مصري لإحداث فوضى تؤدي إلى تمكين رجال المستشار الأمني لمحمد بن زايد القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان في القطاع. وعزل الأمير محمد بن نايف وتعيين ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ولياً للعهد بمباركةٍ أمريكية. وإقامة علاقات رسمية ومعلنة بين الدولة العربية وإسرائيل وتسوية القضية الفلسطينية على حساب الأراضي المصريّة.. وهذا يعني أن هناك قرارا بتصفية جماعة "الإخوان" وداعميهم في كل العالم مثل قطر. كما قد يعني تقوية القريبين من الجناح السعودي الإماراتي حتى لو كان ذلك بشكل مؤقت..
 من يتابع تصريحات الإسرائيليين وتهليلهم يفهم أن إسرائيل هي المستفيد من الهجوم على قطر وضرب حصار عليها. ولأجل ذلك من مهم أن نقرأ ما يحدث في الخليج، تماما كما في العراق وسوريا والمنطقة كلها، في إطار المشروع الأمريكي الصهيوني المعلن: "الفوضى الخلاقة": من أجل "الشرق الأوسط الجديد". ليس المال هدفا بذاته بالنسبة إلى الأمريكي فهو أصلا موضوع في بنوكه.. ولا هو النفط لأن هذا النفط واقع بالفعل تحت سيطرة شركات الأمريكية والغربية التي يعرف الجميع من يملكها..
يستغل الأمريكيون والإسرائيليون مطامح محمد بن سلمان في العرش والمطامع السعودية في ضم الدولة الجارة، لتحريض المملكة المتهالكة هي وحلفائها ضد قطر، ليس لأن قطر عدوة لإسرائيل، فهذا لا واقع له بالنسبة إلى دولة تقيم علاقات علنية معها وتقدم ما يمكنها خدمة لمصالح الكيان الغاصب، بل لأن الدور القطري انتهى، والدور الإخواني انتهى أيضا. وأصبح الهدف هو إدخال المنطقة كلها في حروب وفوضى من أجل صناعة واقع جديد وخريطة جديدة للمنطقة، يسميها البعض سايكس بيكو جديد، تكون فيه إسرائيل أقوى وأكبر وأكثر نفوذا وقوة وتحكما في المنطقة. لقد اُستُخدمت السعودية حتى الآن لتدمير العراق وسوريا، وهي الآن تُستخدم لتدمير منطقة الخليج كلها قبل الانقضاض عليها هي نفسها..