الخميس، 28 سبتمبر 2017

إسرائيل والأكراد.. والجوار القلق







قاسم شعيب


موافقة البرلمان الكردستاني على إجراء الاستفتاء في موعده كان دفعة إضافية لإصرار مسعود البرزاني على تمريره رغم الضغوط الدولية الداعية إلى تأجيله، ورغم تحذير رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من فتنة جديدة وحديثه عن التدخل العسكري إذا لزم الأمر.
غير أن تلك الضغوط الغربية لا تبدو لنا حقيقية. فالموقف الأمريكي والأوروبي الرافض للاستفتاء والداعي إلى التأجيل ليس إلا محاولة لخداع الرأي العام العراقي والعربي المناهض للاستفتاء. لا يسع الغرب إلا مراعاة المصالح الاسرائيلية والعمل من أجلها في السر والعلن منذ أن أصبح خاضعا بالكامل للوبيات الصهيونية في داخله.
لم تُخف إسرائيل تأييدها لاستفتاء الأكراد. فهي تريد عراقا مقسما لأنها تعرف أنه يمثل خزّانا استراتيجيا لدول الطوق وأنه يشكل تهديدا مستمرا ضد وجودها رغم الفاصل الجغرافي. ولا بد من الاستمرار في استهدافه بشتى الطرق حتى يبقى ضعيفا ومقسما ومنزوع الأنياب. وهي أيضا تحلم بحضور علني أوسع في العراق من خلال المدخل الكردي.
لا تفسر العلاقات الإسرائيلية القوية مع أربيل منذ زمن طويل وحدها الدعم الصهيوني للانفصال عن العراق، بل إن موقف حلفاءها الغربيين الداعم للانفصال بشكل غير معلن هو ما شجعها على ذلك.. فالولايات المتحدة الأميركية المعارضة علنا لتوقيت الاستفتاء، تختار، عادة، الإعلان عن أشياء تفعل نقيضها في الواقع. يبقى التقسيم هدفا استراتيجيا أمريكيا، أما المتغير فهو فقط تفاصيل تنفيذه وظروفه وإمكاناته.
لكن دول الجوار هي التي تخشى هذا الاستفتاء بسبب تركيبتها السكانية. وهي التي تقف بقوة ضد هذا الاستفتاء. فالأكراد يمثلون جزءا من مواطني تركيا وإيران وسوريا. وانفصال أكراد العراق يعني آليا التأثير على أمن تلك الدول واستقرارها الداخلي.
توجد اتفاقية بين تركيا وبريطانيا منذ سنة 1926 تجيز للأتراك المطالبة بالموصل وبحصص من النفط وحتى التدخل إذا كانت هناك مخاطر على التركمان في العراق. وهذا يعني أن التدخل الكردي في كركوك يمكن أن يعتبره الأتراك اعتداء على التركمان ويستغلونه للتدخل. وعندما تكون الحكومة العراقية في حالة ضعف بسبب الصراعات الحزبية والسياسية والطائفية، وبسبب التدخلات الخارجية، فإن ذلك يغري أية قوة أجنبية بالمغامرة في العراق، خاصة وأن الأتراك لديهم خططا للوصول إلى منابع الطاقة والنفط، فهم لا يريدون الاستمرار في لعب دور الممر لأنابيب النفط والغاز نحو أوروبا.
كان النفط والغاز يمثلان جزءا من أسباب التدخل التركي بقوة في الحرب السورية. والانسحاب التركي من الملف السوري كان مقابل الحصول على منافع من الملف العراقي بتنسيق مع بعض القوى الفاعلة في المنطقة.
ليس خفيا التقارب الإيراني التركي والتنسيق الأمني والعسكري بينهما كما أعلنت عنه زيارة رئيس أركان الجيش الايراني اللواء باقري إلى أنقرة حيث عُقد اجتماع عسكري بين البلدين بحضور القيادات العسكرية في البلدين. ولا شك أن جزءا من التنسيق يتعلق بالموضوع الكردي والاستفتاء المرتقب على انفصال كردستان. وهو يشمل مراقبة حدود البلدين مع شمال العراق وتأسيس غرف تحركات مشتركة في القاعدة التركية في بعشيقة وتعزيز قوات النخبة من البلدين.
وقد أكد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني أن طهران لا تعترف إلا بحكومة عراقية واحدة وعراق موحّد، وأن انفصال إقليم كردستان يعني نهاية كل الاتفاقات الأمنية والعسكرية مع إيران، وإغلاق كافة المنافذ الحدودية مع ايران، ويعني أيضا إعادة النظر بشكل جدي في أساليب طهران لمواجهة النشاطات المعادية لها، وتوفير الأمن لحدودها من العناصر المعارضة والتي تتخذ من الإقليم مقراً لها.
هذا كله جعل توتر رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني يرتفع ليصل إلى إعلان أنه مستعد للتضحية بحياته من أجل الاستفتاء الذي يعني الانفصال. وقد باشر باحتلال كركوك عسكريا ثم زارها وتجول فيها دون اكتراث بموقف الحكومة في بغداد ولا بتصويت البرلمان العراقي ضد الاستفتاء.
يصر رئيس إقليم كردستان على الاستفتاء في وقته لأن الانفصال في دولة مستقلة سيمثل إنجازا شخصيا له لم يتحقق للأكراد في العصر الحديث، ولأن التراجع سيمثل نكسة سياسية كبيرة قد تفقده الكثير من المصداقية لدى قواعده.. دون أن ننسى ما يقال عن اكتشاف منجم هائل للذهب عالي الجودة في أحد جبال السليمانية.
من غير الممكن أن تبقى الحكومة العراقية مكتوفة الأيدي ولأجل ذلك تسربت أنباء عن زيارة قام بها مبعوثون أمنيون عراقيون إلى أنقرة للتنسيق مع الأتراك حول طرق مواجهة الانفصال الكردي، وقد أعلن الرئيس التركي عزمه لقاء رئيس الوزراء العراقي في واشنطن. وهذا التنسيق قائم أيضا مع إيران التي تتمتع بعلاقات قوية مع حزب الاتحاد الكردستاني الطرف الثاني في المعادلة الكردية.
للوهلة الأولى تبدو تركيا أبرز المتضررين وأول المعارضين، لكنها في الواقع لا تشعر بذلك الضرر المتوقع، فمسعود بارزاني رئيس الإقليم والمنافح الشرس عن الاستفتاء هو صديقها وحليفها وشريكها في مواجهة حزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه إرهابياً. كما أن الأتراك لديهم علاقات اقتصادية متقدمة مع أربيل خصوصاً في مجال تصدير النفط. وهنا يتراجع التخوُّف من انتقال عدوى الاستقلال إلى أكراد تركيا.
يقيم الأتراك تحالفا استراتيجيا مع البرزاني الذي يتمتع من جهة أخرى بدعم اسرائيلي مكشوف. وتوجد لدى الأتراك علاقات متقدمة مع الاسرائيليين وهناك تنسيق أمني وعسكري عالي المستوى بينهما. لاشك أن البرزاني يشعر بالارتياح بسبب ذلك.
وإذا قرر الأتراك التدخل في كركوك بعد الاستفتاء بحجة حماية التركمان، فإن البرزاني لن يشعر بأي قلق وسيعتبر ذلك وجودا مؤقتا. لن يكون التدخل التركي في كركوك من أجل حماية التركمان العراقيين كما يمكن أن يقال، بل من أجل الوصول إلى منابع الطاقة وبتأييد إسرائيلي حيث أن ذلك سيمثل غطاء لشركات النفط الاسرائيلية التي تريد استغلال الفرصة. وبذلك تصبح كردستان الجديدة محاطة بإيران وتركيا من الخارج، لكن داخلها ترتع إسرائيل التي تقدم نفسها شريكا أمنيا واقتصاديا وسياسيا للأكراد.
غير أن التصويت بنعم في الاستفتاء المرتقب لا يعني الانفصال المباشر. بل من الممكن أن يتم تأجيل ذلك لبعض الوقت. كما أن تأجيل الاستفتاء نفسه يبقى أمرا واردا إذا ما قرر الأمريكان ذلك حقيقة. لن يكون ذلك بسبب الخوف من الفوضى والحرب، وإنما بسبب الضغوط الإقليمية والمحلية الحقيقية على الأكراد أو أية أسباب أخرى. فالهدف الأساسي من إعلان الانفصال الكردي هو تعميم الحروب ودحرجة كرة الانفصالات الإثنية والدينية والطائفية في المنطقة.

الحريق الجديد.. إسرائيل والورقة الكردية











قاسم شعيب




بعد أن استنفذت ورقة داعش أهدافها وشارفت على النهاية، يتّجه الغرب وشريكه الإسرائيلي إلى استخدام الورقة الكردية لمواصلة مشروعهم المُعلَن حول إعادة التقسيم. نفّذت داعش ما طُلب منها. فهي منظمة أميركية تقودها عناصر مخابرات نجحوا في تجميع غوغائيين من شتّى بقاع الأرض، وبواسطتهم نفّذت على نطاق واسع عمليات قتل وتهجير وتخريب ونهْب للثروات والآثار في العراق وسوريا ومناطق أخرى. وما يجري الآن هو العمل على سحبها من التداول تدريجاً ونقلها إلى بؤر جديدة مثل راكان في بورما أو حتى أوروبا لأداء الدور نفسه.

لا شك أن الشعوب العربية وثرواتها وأرضها كانت هدفاً مُغرياً باستمرار بالنسبة للقوى المُهيمنة. غير أن الأمر يتحوّل الآن إلى ما هو أوسع من ذلك. فالمخطط الذي تتبناه الاستراتيجية الأميركية كما حدّدها الأميرال سيبروفسكي عام 2001 ونشرها نائبه توماس بارنت عام 2004، يقضي بتدمير كامل العالم العربي أو الشرق الأوسط الموسّع كما يسمّونه باستثناء فلسطين المحتلة، والأردن، ولبنان، من أجل شرق أوسط جديد.

في 18 آب/أغسطس الماضي، نظّم المُمثل الخاص للرئيس ترامب لمحاربة داعش، بريت ماكغورك، لقاء مع زعماء القبائل بدعوى مُحاربة داعش. غير أن ذلك كان مجرّد خدعة لأن الصوَر التي نُشرت تثبت أن عدداً من قادة داعش، كانوا من بين المشاركين في ذلك اللقاء.

وقد قامت مروحيات أميركية لاحقاً، وفي 26 آب، بتهريب إثنين من قادة داعش الأوروبيين وعائلاتهم في محيط دير الزور، قبل أن يقعوا في قبضة الجيش السوري. وبعد يومين من ذلك التاريخ، قامت المروحيات ذاتها بترحيل حوالى 20 ضابطاً من داعش في محيط دير الزور أيضاً.

كل شيء يوحي أن البنتاغون يقوم بجمْع قادة داعش الذين هم، في الحقيقة، موظفون لديه حفاظاً عليهم من أجل إرسالهم إلى بؤرة جديدة، بينما أصبحت قوات سوريا الديمقراطية، المكوَّنة من عناصر كردية بالأساس، البديل لداعش في شرق سوريا.

وَحَّدت داعش الأكراد والعرب ضدّها. غير أنه الآن، وبعد أن أنهت مهمتها في سوريا والعراق، طوعاً أو كرهاً، يبدو أن البديل هو الأكراد من مدخل حقّهم التاريخي في دولة قومية. يتوافق مشروع "روج آفا"، أو البيشمركة السورية والمنطقة الكردية التي تسيطر عليها، مع الاستراتيجية الإسرائيلية التي لم تعد تهدف، منذ أواخر التسعينات، إلى السيطرة على الحدود مع سيناء والجولان وجنوب لبنان، بل الذهاب هناك إلى مناطق أبعد لأخذ جيرانها من الخلف على حين غرّة. السودان البعيد الذي تم تقسيمه أحد الأمثلة.

لكن المثال الساخِن الآن هو كردستان العراق.. فالاستفتاء الشعبي على استقلال الاقليم والأراضي المجاورة التي تسلّمها من داعش، سيكون، على الأرجح، ضربة البداية لحروب جديدة وسلسلة من محاولات الانفصال قد تتسبّب بحريق في المنطقة لا يمكن السيطرة عليه.

قد يرى المُراقب عن بُعد أن رئيس الإقليم مسعود البرزاني اختار الوقت الخطأ لإجراء الاستفتاء، لأن جيرانه العرب والإيرانيين والأتراك ضد قراره، واقليم كردستان لا يمتلك مقوّمات الدولة، فالحدود غير واضحة والخزينة شبه خاوية والديون تتفاقم والفساد مُستفحل والرواتب لم تُدفع منذ أشهر ، والرئيس انتهت ولايته منذ سنتين والبرلمان مُجمَّد منذ أن سأل البرزاني عن عائدات النفط وطالب بتحديد صلاحياته.

غير أن هذا الوضع مناسب، ليس فقط لإطلاق لعبة الانفصالات القومية والطائفية والدينية، بل إنه مناسب أيضا للبرزاني والذين يوافقونه فوق الطاولة كالإسرائيليين والسعوديين أو تحتها كالأميركيين والأوروبيين. فرئيس اقليم كردستان يحقّق لنفسه بذلك نصراً قومياً باعتباره أول مؤسّس لدولة كردية في المرحلة الحديثة، ويُعيد له ما خسره طوال المرحلة الماضية. وهذا الوضع يناسب أيضاً صندوق النقد الدولي والشركات الغربية والإسرائيلية لشراء الاقليم جملة وتفصيلاً وتحويله إلى برج مراقبة موجّه، في وقت واحد، ضدّ دول الجوار.

كان تفكير الأميركيين وحلفائهم الدخول في حروب طويلة المدى لأن الهدف كبير وهو يحتاج وقتاً من أجل تحقيقه، وكان العمل على تأسيس منظمات سلفية إرهابية جزءاً من الخطة وليس كلها. أما الجزء الآخر فهو التواصل مع قيادات كردية في العراق وسوريا وتقديم الدعم العسكري والمالي والسياسي اللازم لها من أجل أن تكون الحِراب الذي تستخدمه لاحقاً لإتمام مشروعها.

صحيح أن حلم الدولة لم يغادر الوجدان الكردي، ومن حق الأكراد التطلّع إلى بناء كيانهم السياسي المستقل، كما يقولون، غير أن المسألة مختلفة هنا. فالقيادة الكردية لا تقدّم المبرّرات المقنعة لهذه الخطوة التي تواجه رفضاً حاسماً من دول الجوار والدولة العراقية الأمّ. بل إن الأكراد قد يكونوا بصدد الانتحار بسبب الحصار الإيراني التركي العراقي المُرتقب ضدّهم وبسبب احتمال مواجهة حرب متعدّدة الجبهات. والذين يشجعونهم علناً هم فقط الإسرائيليون الذين بنوا معهم علاقات متقدّمة منذ سنوات. يثق الأكراد في حلفائهم الإسرائيليين والغربيين. وغاب عنهم أن هذه دول استعمارية لا تهمّها مصالح الأكراد أو غيرهم، بقدر ما تهمّها مصالحها التي تتجمّع كلها في مصبّ مخطّطات الحركة الصهيونية.

 المصدر: الميادين نت

الثلاثاء، 19 سبتمبر 2017

حرب الأفكار.. أمريكا وفوبيا الإسلام




قاسم شعيب

هل توجد، حقّا، حرب أمريكية على الإسلام؟ لا يمكن نفي ذلك بعد أن قال هنتنغتون منذ بداية التسعينيات في كتابه "صدام الحضارات" إن العدو الجديد للغرب بعد سقوط الشيوعية هو الإسلام، وبعد أن اعتبر أستاذه برنارد لويس أن "الصراع مع الإسلام هو صراع حضارات وأنه صراع تاريخي مؤكَّدٌ مع التراث اليهودي المسيحي للحضارة الغربية ومع تراثها العلماني وتوسّعهما معا"، وهو ما ردده مفكرون وكُتّاب أمريكيون كُثر.. غير أن ذلك ليس كل شيء بكل تأكيد.
الإسلام، في نظر الغرب، طاقة جبّارة. وإذا استطاع المسلمون أن يحْمِلوه في عقولهم وقلوبهم فسيشكّلون أكبر خطر يهدّد ثقافته وموقعه ووجود الكيان الذي يحرسه. ولأجل ذلك بدأ العمل، منذ ثلاثة عقود، على إنتاج "إسلام جديد" يناسبه.
إن موجة الكُتّاب، الذين أصبحوا، فجأة، متخصّصين في الإسلاميات، ليست اعتباطية، بل إنها جزء من "حرب الأفكار" التي تحدث عنها وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد حين قال بعد غزو العراق: "نخوض حرب أفكار مثلما نخوض حرباً عسكرية... وتلك الحرب تستهدف تغيير الوعي، ومن الحتمي الفوز فيها وعدم الاعتماد على القوة العسكرية وحدها"، والتي أكدها الرئيس السابق باراك أوباما، الذي قال في كتابه "جرأة الأمل": "إن أمريكا تخوض في الشرق الأوسط صراعاً مسلحاً، وتخوض في الوقت نفسه حرب أفكار".
كل أولئك الذين ينظِّرون لتأويل القرآن ونسبية الحقيقة وتاريخية النص الديني والقراءة المعاصرة والإسلاميات التطبيقية وروح الحداثة.. هم في الحقيقة جزء من العدَّة الأمريكية لصناعة ذلك الإسلام الجديد بوعي منهم أو دون وعي. لم تعد النَّزعات السّلفية والوهّابية تستقطب إلا العوام، وهي مصمّمة فقط للاستقطاب والتجييش. أما المثقفون والطلبة والنّخب الأكاديمية المؤثرة، فإنهم يحتاجون نوعا آخر من الإسلام. وهو ما تم تأمينه على مدى ثلاثة عقود من الزمن.
عندما نجد كتَّابا يعتبرون القصص القرآني أساطير والمحرّمات الإسلامية تاريخية ومؤقتة والمثلية السدومية جائزة والإدمان لا مشكلة فيه والربا حلال، وعندما يصبح النبيّ مجرّد رجل عبقري والوحي إيحاء نفسي وشريعة الإسلام غير صالحة وأصول الدين خرافات.. لا يمكننا إلا أن نتوقع وجود جهات تدفع الكثير من المال لترويج أفكارها وإظهارها أمام الناس في شكل مفكّرين كبار وفلاسفة حتى أن بعضهم ممن لا علاقة له بالدين تحوّل إلى مفتٍ يسأله الناس عن شؤون دينهم فيجيب. والمفارقة هي أن يجد الأمريكيون في بعض اليسار العربي ضالّتهم. فأكثر الذين يسمّون أنفسهم اليوم مفكرين ويشتغلون على نصوص الإسلام هم يساريون متحوّلون إلى النيوليبرالية. قلّة منهم منحدرة من أصول سلفية أو صوفية أو إخوانية..
بل إننا نرى، اليوم، ماهية ذلك الإسلام الذي أصبحت تقدّمه بعض حركات "الإسلام السياسي" والتي باتت تتبنى نسخة مخففة "light" تتوخى الذرائعية وتبرّر للفساد وتشرع للتطبيع على نحو ما نرى لدى الرئيس التركي أردغان الذي يقدم نموذجا لما يريده الغرب؛ طلاءً دينيا لنظام رأسمالي ليبرالي يبيح كل شيء ولا يخجل من التطبيع مع الصهيوني.. وهو الأمر ذاته الذي تسير عليه حركة النهضة في تونس. نتذكر، مثلا، تصريحات رئيسها راشد الغنوشي المؤيدة للسدومية المثلية، وتصويت كتلته لصالح تخفيض الضرائب على الخمور المستوردة ومنع تجريم التطبيع وأخيرا تبييض الفساد.. أصبح كل شيء مبرّرا لدى هذا التيار، ولم يعد هناك شيء اسمه حرام لا في السياسة ولا في الاجتماع ولا في الحياة الخاصة.
يريد الغرب ثرواتنا وأرضنا، ويريدنا أن نبقى تابعين خاضعين. والمدخل الأساسي لذلك هو عقولنا. وهو يفعل الكثير من أجل ذلك. لا يمكننا تجاهل الدعم السّخي لمنظمات المجتمع المدني في بلادنا، ولا يمكننا تجاهل دعمهم للأحزاب الموالية لهم والعمل على إيصالها إلى سدّة الحكم لتكون هي المسهّل لتنفيذ مخططاتهم، ولا يمكننا تجاهل المنصّات الإعلامية الضخمة التي أنشأوها بأموال عربية.
الخطوة الأولى كانت صناعة إسلام يناسب الأمريكيين ومَن وراءهم، والخطوة الثانية صناعة ثورات سمّوها "ربيعا عربيا"، كما صرح جيمس وولسي الأمريكيين رئيس الاستخبارات الأمريكية السابق سنة 2006 حين كشف عن مخططات أمريكا لتفجير الشرق الأوسط وإعادة احتلاله. حينها قال وهو يتحدث عن العرب والمسلمين: "سنصنع لهم إسلاما يناسبنا ثم نجعلهم يقومون بالثورات فيتم انقسامهم على بعض لنعرات تعصبية ومن بعدها قادمون للزحف وسوف ننتصر". وهو كلام يوضح كلاما سابقا صدر عنه سنة 2003 يقول فيه: "إذا نجحنا في "تحرير العراق" سننتقل إلى سوريا وليبيا والآخرين ونضغط عليهم لمحاولة تغييرهم. آل سعود ومبارك سيأتون إلينا ليقولوا نحن متوترون جدا جدا ونحن سنقول لهم: جيّد Good، نحن نريدكم متوترين، نحن نريدكم أن تعرفوا أنه الآن وللمرة الرابعة خلال المائة سنة هذه الدولة وحلفائها (يقصد أمريكا) قادمون للزحف وسوف ننتصر".
العبث بالإسلام والإطاحة بالأنظمة وتعميم الإرهاب ليست إلا مقدمات للاجتياح الذي تعد له أمريكا لإعادة احتلال الأرض العربية وتقسيمها على أسس جديدة. وعندما تقول هيلاري كلينتون: "إن الحرب الأهلية السورية جيّدة لإسرائيل"، فإن ذلك يعني أن الارهاب مصنوع وأن استهداف سوريا بعد العراق وليبيا ودول أخرى بإشعال حروب داخلية ليس إلا مقدمة لشيء أكثر خطورة بكثير.
إننا لا نقول، هنا، تخمينات، بل إننا نَنْقل ما صرّح به أمريكيون كانوا في موقع السلطة. جيمس وولسي James Woolsey، الذي أتينا على ذكره قبل قليل، قال في محاضرة له في أفريل 2003 في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجليس: "إن الولايات المتحدة مقبلة على خوض الحرب العالمية الرابعة (الثالثة). أما الهدف هذه المرّة فهو العالم الإسلامي، وصولاً الى إعادة رسم خارطته... وهذه الحرب هي ضد ثلاثة أعداء: نظام الملالي في إيران والأنظمة الفاشية في كل من العراق وسوريا، والمتشددين الإسلاميين في كل مكان". ثم قال: "سنقوم ببناء شرق أوسط جديد وسينقلب الحكّام في بلاد مثل مصر والسعودية..".
وبالفعل، فقد تم احتلال العراق وتفكيكه وإخضاعه للإرهاب اليومي. واليوم، هم بصدد تدمير سوريا واستهداف حركات المقاومة في فلسطين ولبنان وأماكن أخرى. أما مصر فإنهم عبثوا بها ولا يزالون، بينما يعيش السعوديون آخر أيامهم.. سنكون مكابرين لو أنكرنا النجاح الذي يحققه الأمريكي في تحويل خطته إلى واقع. قالوا قبل أكثر من عقد أنهم سيصنعون لنا ثورات ويدمّرون دولا ويعمّمون الإرهاب. وها هم ينفذون مخططاتهم بالدقة المطلوبة.
بات الصراع، اليوم، بين الإسلام والغرب صراعا حضاريا. وهو ليس صراعا بين الإسلام والمسيحية التي توارت منذ انتصار فكر الحداثة وقيمها. لم يعد الغرب مسيحيا، في غالبيته، كما أكّد آخر إحصاء أجرته مؤسسة غالوب الدولية، ونسبة الملحدين وغير المتديّنين والوثنيين أصبحت تزيد عن نصف شعوبه.. في بريطانيا هي 66%، وفي ألمانيا 54%، وفي هولندا 66%، وتصل في السويد الى 76%، وفي كندا 53%..
عرف الغرب أن نقطة قوّة العرب هي الإسلام، فلم يكتف بحروبه العسكرية ضدهم، بل فرض عليهم حرب أفكار بهدف تجريدهم من الطاقة المعنوية الهائلة التي يقدمها لهم هذا الدين ومحاولة إبعادهم عنه بمحتواه القيمي والإنساني ونظامه الاقتصادي والاجتماعي العادل، تمهيدا لإخضاعهم بالكامل. فَهْم هذه الحقيقة هو شرط الانتصار في هذه الحرب.






الجمعة، 15 سبتمبر 2017

السيادة والاستلحاق.. والتحدي الجيوستراتيجي في العالم العربي









قاسم شعيب


يعطي الغرب لنفسه الحق في تحديد مسار الشعوب الأخرى التي يعتبرها مجالا حيويا لمصالحه وقيمه وثقافته. وقد وجد في بعض التيارات الليبرالية، منذ أكثر من نصف قرن، الضامن لتحقيق ذلك منذ أن اضطرته المقاومات العربية والوطنية إلى الانسحاب والتواري.
وبعد "الثورات العربية" الملوّنة التي افتعلها، بدأ هذا الغرب يلعب لعبته الجديدة لتدمير ما تبقى من انتماء وقيم وأخلاقيات وسيادة وطنية. وهنا انطلق في العمل من أجل تثبيت وكلائه فى السلطة وتعميق هيمنته من خلال تأجيج الصراعات الداخلية على أسس أيديولوجية وطائفية وإثنية كما يحدث في أكثر من بلد عربي.
وما نراه اليوم من صراعات سياسية، في دول عربية عديدة، بين تيارات ليبرالية ودينية وقومية.. ليس ناتجا عن اختلافات أيديولوجية وسياسية فحسب، بل إنه مفتعل وهو ناتج بالأساس عن هذا الإصرار الغربي على الهيمنة والاستتباع. فعدم الاستقرار السياسي والممارسات الإرهابية المتنقلة تعني نهبا آمنا للثروات الوطنية وإيقافا لاقتصادات تلك البلدان وإلجاؤها إلى صناديق النقد الدولية التي يعرف الجميع من يملكها من أجل تأبيد التبعية..
والصراع بين التيارات السياسية المختلفة يأخذ عدة اتجاهات؛ الأول ثقافي يتعلق باللغة والقيم والعادات، والثاني اقتصادي يتعلق بالثروات والمصالح المادية، والثالث أيديولوجي يتعلق بدور الدولة، والرابع استراتيجي سياسي يتعلق بالسيادة الوطنية. و"لأن المال قوام الأعمال"، فإننا نرى كيف أن التيارات التي تنحاز إلى ثقافة شعبها وقيمه ومصالحه وسيادته واستقلاله هي الأخفض صوتا والأقل شعبية والأضعف تأثيرا. فضعف التمويل وقلة الأنصار، الذين سرقهم الإعلام وغسل أدمغتهم  ليتحولوا إلى مصفقين لجلاديهم، أدى إلى ذلك.
في الثقافة، يريد الغرب مزيدا من الاختراق في العالم العربي لامتلاك العقول. وإذا كان الفرنسي يريد فرض ثقافته بشكل مباشر من خلال اللغة والفكر والفلسفة والأدب، فإن الأمريكي والانجلوسكسوني يتجنب المباشرة في كل شيء ويبحث عن سؤدده الثقافي بطرق أكثر دهاء، من خلال السينما والموسيقى والإعلام والقيم وحتى اللباس والأكل.. وفي هذه النقطة لا يريد الفرنسي أن يرى مناقضين له ثقافيا في مواقع السلطة. أما الأمريكي فهو لا يخشى على ثقافته التي تتقدم على كل الثقافات، ومستعد للتعامل مع كل من يؤمّن له مصالحه.
أما في الاقتصاد، فيتبنى الغرب الليبرالية الجديدة واقتصاد السوق. والدولة عندهم يجب أن تكون في خدمة رأس المال وليس العكس. وحتى لو تدخلت الدولة في القطاع العام فيجب أن يكون في خدمة القطاع الخاص. يرى الغرب أن ذلك يخدم مصالحه، أكثر، في الداخل وفي الخارج حيث يهيمن.
يؤمن الليبراليون في عالمنا العربي بهذه الخيارات الاقتصادية. وحتى اليسار تخلى عن الاشتراكية اليابسة وأصبح يؤمن باقتصاد السوق. ورغم أن بعض الإسلام السياسي الذي وصل إلى السلطة يتحدث عن نموذج اقتصادي إسلامي يحقق العدالة الاجتماعية والرفاه العام إلا أنه لم يفعل شيئا في هذا الاتجاه واستمرت الخيارات الاقتصادية ذاتها في سياسة الدولة. وتلك مفارقة لها أسبابها الكثيرة.
ولا يتوقف الأمرعند هذا الحد، فقد أصبح الغرب بأنظمته التشريعية وروحه المادية مرجعية لتيارات واسعة بعضها يحمل جذور يسارية أو دينية. وهم لا يقدمون تلك الأطروحات الغربية للناس بشكل علمي، بل إنهم يسعون إلى فرضها بشكل فوقي إما من خلال أنظمة استبدادية أو من خلال ضغوط البنوك الدولية والاتحاد الأوروبي. وعادة ما يبررون ذلك بالحاجة إلى التحديث وكارثية البديل السلفي. لكن الحقيقة هي أنهم يرفضون كل ما يمثل جزءا من ثقافة الإنسان العربي المسلم.
ويبقى البعدُ الاستراتيجي الإطارَ العام الذي يحفظ ذلك كلّه في تصور الغرب الذي لا يرى إمكانية لاستمرار مصالحه وثقافته وأيديولوجيته في العالم العربي إلا من خلال تأبيد تبعيته له. وهذا الهدف لا يمكن أن يتحقق إلا بمنع وصول سياسيين وطنيين حقيقيين يؤمنون بالإنسان وقيمه في الحرية والعدالة والكرامة، لأنهم يعرفون أن في ذلك تحقيق للسيادة الوطنية التي تعني الاستقلال والقرار الحر بعيدا عن أية إملاءات أو ارتهانات. تقضي استراتيجية الغرب بمنع ظهور أية أنظمة وطنية حقيقية تنجح في امتلاك سيادتها.
وبعد إسقاط الأنظمة القومية وتجربة حكم الإخوان الفاشلة في تونس ومصر، عاد الغرب إلى حلفائه التقليديين لأنهم يحملون فكره وقيمه ويخدمون مصالحه.

ويبقى السؤال: هل كُتب على العرب أن يستمروا تابعين يعيشون التخلّف في كل شيء بينما يتقدّم غيرهم؟ ألم يحن الوقت لتفهم هذه الشعوب أنها تقاد سياسيا ودينيا وثقافيا بواسطة أتعس أفرادها خدمة لمن قلّدهم مهمة تأمين مصالحه؟ ألم يصبح ملائما أن تبني على الشيء مقتضاه؟

المقاومة الواثِقة والهلع الإسرائيلي


المقاومة الواثِقة والهلع الإسرائيلي


شكا نتنياهو، خلال لقائه الأخير مع الرئيس الروسي في سوتشي، مَخاوفَه من وجود قواتٍ إيرانية على الأراضي السورية، وبشكل خاص في القنيطرة ودرعا والجولان، وطالب بإخراجها فوراً. لكن بوتين أكّد لرئيس الوزراء الإسرائيلي أن التحالف الروسي الإيراني تحالف استراتيجي. وهو ما أغضب نتنياهو الذي ردّ على طريقته.

حرب جديدة بين إسرائيل ومحور المقاومة لم تعد مجرّد احتمال، بل إنها خيار صهيوني
الرُعب الإسرائيلي من إيران ومحور المقاومة، كما عكسته تصريحات نتنياهو المتواتِرة، سواء كان حقيقياً أو مبالغاً فيه، لم يعد خافياً. لا يكاد ينقضي يوم من دون أن يُبرز الإعلام الإسرائيلي الخطر الذي أصبحت تمثّله إيران على هذا الكيان بعد نجاحها في الاقتراب من فلسطين أكثر من أيّ وقتٍ مضى. تحسب إسرائيل حساباً لأعدائها حتى وإن لم يكونوا يمتلكون القوة التي يستطيعون من خلالها تهديد هذا الكيان في وجوده، فكيف عندما يتعلّق الأمر بإيران التي نجحت في تطوير قدرات عسكرية كبيرة. والمناورات التي بدأت الثلاثاء الماضي وتستمر لمدة أحد عشر يوماً ليست إلا تعبيراً عن هذا الفزع المُغلّف ببعض الحديث عن الاستعداد لما يقولون أنه حرب قادمة. تجري تلك المناورات الأضخم منذ 19 عاماً بمشاركة عشرات الآلاف من قوات الجيش وجنود الاحتياط من القوات البرية والجوية والبحرية، في الشمال. وهي ُتحاكى عمليات إجلاء المدن وصدّ عمليات التسلّل عند الحدود من قِبَل رجال المقاومة، والهجوم على لبنان بالإضافة إلى إبطال عمل خلايا التجسّس.

تراقب إسرائيل قوة حلفاء إيران العسكرية والسياسية المُتزايدة وتمكُّنها من بناء قوى عسكرية غير نظامية، في أكثر من بلد عربي، تمتلك هيكلة تنظيمية داخلية وتلتزم إيديولوجيا مُعينة تستلهم منها عناصر أساسية في قوتها المعنوية. ومن أجل الحؤول دون استغلال طهران لعناصر القوة لديها، تأمل تل أبيب في مساعدة الروس لها لمنع أية حرب قد تفكّر فيها ضدّها. طوال السنوات الماضية للحرب في سوريا حدثت لقاءات دورية بين الرئيس الروسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، كانت في ظاهرها لتنسيق المواقف ومنع أيّ تصادم جوي فوق الأراضي السورية. غير أنها كانت أيضاً تطرح باستمرار الموضوع الإيراني وعلاقة الروس به. وقد كشف المحلّل السياسي الروسي، إيدين مهدييف، في موقع البرافدا عن خبر وصفه بالمُرعب نقله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماعهما الأخير، عندما قال إن الكرملين ليس بحاجة إلى تل أبيب لكي تعلّمه كيفية ترتيب أولوياته في الشرق الأوسط.

أبلغ نتنياهو بوتين أن حلمه المُفزع بات حقيقة، وهو اقتراب الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله لشنّ هجوم على إسرائيل، وسيستخدمان في ذلك سوريا قاعدة لشنّ هذا الهجوم. ورسم للرئيس الروسي لوحة سوداوية تحكي نهاية العالم إذا لم يتم وقف إيران، التي تنوي تدمير إسرائيل، في الوقت المناسب. كان نتنياهو منفعلاً طوال ساعتين ونصف الساعة هي مدة اللقاء. لكن بوتين كان محافظاً على هدوئه حسب مهدييف. وهذا بذاته يعكس حالة عامة في إسرائيل التي يكثّف جيشها تدريباته ومناوراته استعداداً لحرب قادمة مُحتملة بقوة ضدّ إيران والمقاومة في فلسطين ولبنان. أكّد بوتين أن "إيران حليف استراتيجي لروسيا في الشرق الأوسط". لكنه أضاف أن "إسرائيل هي أيضاً شريك مهم لروسيا في المنطقة، وأن موسكو تأخذ بالاعتبار المصالح الأمنية للدولة العبرية". لا يستطيع بوتين في هذه المرحلة سوى إدارة لعبة جيوسياسية صعبة بين طهران وتل أبيب. وهو لذلك أراد تطمين الإسرائيليين من دون التخلّي عن أصدقائه الإيرانيين وتحالفاته معهم.

لم يحصل نتنياهو من بوتين على ما يريد. وهنا يمكن تفسير الضربة الإسرائيلية الأخيرة على "مركز الدراسات والبحوث العلمية" ومخزن مجاور لصواريخ أرض- أرض في مصياف السورية على أنها بالأساس موجّهة للرئيس الروسي. رفض بوتين مطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي فكانت الضربة انتقاماً منه. كانت ضربة غير روتينية كما قال عاموس يدلين، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. وكانت رسالة بثلاثة عناوين. الأول هو الخوف من تعاظم القوة العسكرية الإيرانية وقدرتها على إنتاج أسلحة استراتيجية وضرورة وقف ذلك. والثاني هو فرض خطوط حمراء رغم تجاهل الروسي لها. والثالث هو إحراج الروس والقول إن وجود الدفاعات الروسية لا يمنع وقوع الغارات الإسرائيلية.

سبق لنتنياهو أن تحدّث عن إقامة منشآت صناعية إيرانية في سوريا ولبنان لإنتاج صواريخ عالية الدقّة ستُستخدم في حرب مُحتملة ضدّ إسرائيل. وهو يريد تدمير أية منشأة يتم اكتشافها مبكراً. من الواضح أن إسرائيل تخشى تعاظم القوة العسكرية لمحور المقاومة. فذلك خطر يقدِّر الصهاينة ضرورة وأده مادام ذلك ممكناً. حرب جديدة بين إسرائيل ومحور المقاومة لم تعد مجرّد احتمال، بل إنها خيار صهيوني لمحاولة الإبقاء على أمل الحياة لهذا الكيان الغاصِب قائماً. ولذلك لا يتوقّف الصهاينة عن إطلاق تهديداتهم. لكن التهديد الإسرائيلي بضرب البنى التحتية والمؤسّسات والجيش في لبنان دائماً ما يقابله أمين عام حزب الله بتهديد مُضاد بضرب المنشآت النووية والمدن الإسرائيلية.

من الواضح أن محور المقاومة يحقّق مكاسب في العراق وسوريا ولبنان. وليس من الحكمة أن يخاطر هذا المحور بهذه الإنجازات من أجل فتح جبهة جديدة في مواجهة أخرى مع إسرائيل، رغم اعتداءاتها المُتكرّرة، فمن المؤكّد أن المقاومة تحتاج إلى الوقت الكافي لإعادة نشر عناصرها وتنظيم قواتها في حال نشوب حرب مع إسرائيل، بسبب انتشارها الواسع في المنطقة، رغم الجاهزية العالية للمقاتلين ورغم أن ترسانة حزب الله قد ارتفعت من 33 ألف صاروخ وقذيفة قبل عام 2006 إلى 150 ألفاً تقريباً في الوقت الحاضر، بحسب تقديرات الإسرائيليين أنفسهم. وهذه الأسلحة هي اليوم أكثر تقدّماً، ويمكنها أن تسبّب أضراراً ضخمة للكيان الغاصِب، فضلاً عن الترسانة الإيرانية الضخمة التي يمكن أن تدخل الحرب في أيّة لحظة.

تخشى إسرائيل أيّة حرب مقبلة ضدّ المقاومة بعد هزيمة 2006. وقد تجد نفسها تقاتل في وقت واحد على عدّة جبهات. فهناك جبهة لبنان وجبهة الجولان وجبهة غزّة. وقد حذّر مطلع هذا الصيف الأمين العام لـ حزب الله السيّد حسن نصر الله من أن أية حرب إسرائيلية جديدة ضدّ لبنان أو سوريا ستجذب آلاف المقاتلين الذين يقاتلون الآن في الجبهات السورية وغيرها. لن يكون أيّ من الطرفين؛ المقاومة وإسرائيل، منفرداً في تلك الحرب، فلكل أنصاره وحلفاؤه. ولن يكون صعباً على محور المقاومة إعلان النصر لأن ذلك يحتاج فقط إلى الصّمود وإلحاق أضرار حقيقية بالكيان المحتل.