الخميس، 28 سبتمبر 2017

إسرائيل والأكراد.. والجوار القلق







قاسم شعيب


موافقة البرلمان الكردستاني على إجراء الاستفتاء في موعده كان دفعة إضافية لإصرار مسعود البرزاني على تمريره رغم الضغوط الدولية الداعية إلى تأجيله، ورغم تحذير رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من فتنة جديدة وحديثه عن التدخل العسكري إذا لزم الأمر.
غير أن تلك الضغوط الغربية لا تبدو لنا حقيقية. فالموقف الأمريكي والأوروبي الرافض للاستفتاء والداعي إلى التأجيل ليس إلا محاولة لخداع الرأي العام العراقي والعربي المناهض للاستفتاء. لا يسع الغرب إلا مراعاة المصالح الاسرائيلية والعمل من أجلها في السر والعلن منذ أن أصبح خاضعا بالكامل للوبيات الصهيونية في داخله.
لم تُخف إسرائيل تأييدها لاستفتاء الأكراد. فهي تريد عراقا مقسما لأنها تعرف أنه يمثل خزّانا استراتيجيا لدول الطوق وأنه يشكل تهديدا مستمرا ضد وجودها رغم الفاصل الجغرافي. ولا بد من الاستمرار في استهدافه بشتى الطرق حتى يبقى ضعيفا ومقسما ومنزوع الأنياب. وهي أيضا تحلم بحضور علني أوسع في العراق من خلال المدخل الكردي.
لا تفسر العلاقات الإسرائيلية القوية مع أربيل منذ زمن طويل وحدها الدعم الصهيوني للانفصال عن العراق، بل إن موقف حلفاءها الغربيين الداعم للانفصال بشكل غير معلن هو ما شجعها على ذلك.. فالولايات المتحدة الأميركية المعارضة علنا لتوقيت الاستفتاء، تختار، عادة، الإعلان عن أشياء تفعل نقيضها في الواقع. يبقى التقسيم هدفا استراتيجيا أمريكيا، أما المتغير فهو فقط تفاصيل تنفيذه وظروفه وإمكاناته.
لكن دول الجوار هي التي تخشى هذا الاستفتاء بسبب تركيبتها السكانية. وهي التي تقف بقوة ضد هذا الاستفتاء. فالأكراد يمثلون جزءا من مواطني تركيا وإيران وسوريا. وانفصال أكراد العراق يعني آليا التأثير على أمن تلك الدول واستقرارها الداخلي.
توجد اتفاقية بين تركيا وبريطانيا منذ سنة 1926 تجيز للأتراك المطالبة بالموصل وبحصص من النفط وحتى التدخل إذا كانت هناك مخاطر على التركمان في العراق. وهذا يعني أن التدخل الكردي في كركوك يمكن أن يعتبره الأتراك اعتداء على التركمان ويستغلونه للتدخل. وعندما تكون الحكومة العراقية في حالة ضعف بسبب الصراعات الحزبية والسياسية والطائفية، وبسبب التدخلات الخارجية، فإن ذلك يغري أية قوة أجنبية بالمغامرة في العراق، خاصة وأن الأتراك لديهم خططا للوصول إلى منابع الطاقة والنفط، فهم لا يريدون الاستمرار في لعب دور الممر لأنابيب النفط والغاز نحو أوروبا.
كان النفط والغاز يمثلان جزءا من أسباب التدخل التركي بقوة في الحرب السورية. والانسحاب التركي من الملف السوري كان مقابل الحصول على منافع من الملف العراقي بتنسيق مع بعض القوى الفاعلة في المنطقة.
ليس خفيا التقارب الإيراني التركي والتنسيق الأمني والعسكري بينهما كما أعلنت عنه زيارة رئيس أركان الجيش الايراني اللواء باقري إلى أنقرة حيث عُقد اجتماع عسكري بين البلدين بحضور القيادات العسكرية في البلدين. ولا شك أن جزءا من التنسيق يتعلق بالموضوع الكردي والاستفتاء المرتقب على انفصال كردستان. وهو يشمل مراقبة حدود البلدين مع شمال العراق وتأسيس غرف تحركات مشتركة في القاعدة التركية في بعشيقة وتعزيز قوات النخبة من البلدين.
وقد أكد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني أن طهران لا تعترف إلا بحكومة عراقية واحدة وعراق موحّد، وأن انفصال إقليم كردستان يعني نهاية كل الاتفاقات الأمنية والعسكرية مع إيران، وإغلاق كافة المنافذ الحدودية مع ايران، ويعني أيضا إعادة النظر بشكل جدي في أساليب طهران لمواجهة النشاطات المعادية لها، وتوفير الأمن لحدودها من العناصر المعارضة والتي تتخذ من الإقليم مقراً لها.
هذا كله جعل توتر رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني يرتفع ليصل إلى إعلان أنه مستعد للتضحية بحياته من أجل الاستفتاء الذي يعني الانفصال. وقد باشر باحتلال كركوك عسكريا ثم زارها وتجول فيها دون اكتراث بموقف الحكومة في بغداد ولا بتصويت البرلمان العراقي ضد الاستفتاء.
يصر رئيس إقليم كردستان على الاستفتاء في وقته لأن الانفصال في دولة مستقلة سيمثل إنجازا شخصيا له لم يتحقق للأكراد في العصر الحديث، ولأن التراجع سيمثل نكسة سياسية كبيرة قد تفقده الكثير من المصداقية لدى قواعده.. دون أن ننسى ما يقال عن اكتشاف منجم هائل للذهب عالي الجودة في أحد جبال السليمانية.
من غير الممكن أن تبقى الحكومة العراقية مكتوفة الأيدي ولأجل ذلك تسربت أنباء عن زيارة قام بها مبعوثون أمنيون عراقيون إلى أنقرة للتنسيق مع الأتراك حول طرق مواجهة الانفصال الكردي، وقد أعلن الرئيس التركي عزمه لقاء رئيس الوزراء العراقي في واشنطن. وهذا التنسيق قائم أيضا مع إيران التي تتمتع بعلاقات قوية مع حزب الاتحاد الكردستاني الطرف الثاني في المعادلة الكردية.
للوهلة الأولى تبدو تركيا أبرز المتضررين وأول المعارضين، لكنها في الواقع لا تشعر بذلك الضرر المتوقع، فمسعود بارزاني رئيس الإقليم والمنافح الشرس عن الاستفتاء هو صديقها وحليفها وشريكها في مواجهة حزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه إرهابياً. كما أن الأتراك لديهم علاقات اقتصادية متقدمة مع أربيل خصوصاً في مجال تصدير النفط. وهنا يتراجع التخوُّف من انتقال عدوى الاستقلال إلى أكراد تركيا.
يقيم الأتراك تحالفا استراتيجيا مع البرزاني الذي يتمتع من جهة أخرى بدعم اسرائيلي مكشوف. وتوجد لدى الأتراك علاقات متقدمة مع الاسرائيليين وهناك تنسيق أمني وعسكري عالي المستوى بينهما. لاشك أن البرزاني يشعر بالارتياح بسبب ذلك.
وإذا قرر الأتراك التدخل في كركوك بعد الاستفتاء بحجة حماية التركمان، فإن البرزاني لن يشعر بأي قلق وسيعتبر ذلك وجودا مؤقتا. لن يكون التدخل التركي في كركوك من أجل حماية التركمان العراقيين كما يمكن أن يقال، بل من أجل الوصول إلى منابع الطاقة وبتأييد إسرائيلي حيث أن ذلك سيمثل غطاء لشركات النفط الاسرائيلية التي تريد استغلال الفرصة. وبذلك تصبح كردستان الجديدة محاطة بإيران وتركيا من الخارج، لكن داخلها ترتع إسرائيل التي تقدم نفسها شريكا أمنيا واقتصاديا وسياسيا للأكراد.
غير أن التصويت بنعم في الاستفتاء المرتقب لا يعني الانفصال المباشر. بل من الممكن أن يتم تأجيل ذلك لبعض الوقت. كما أن تأجيل الاستفتاء نفسه يبقى أمرا واردا إذا ما قرر الأمريكان ذلك حقيقة. لن يكون ذلك بسبب الخوف من الفوضى والحرب، وإنما بسبب الضغوط الإقليمية والمحلية الحقيقية على الأكراد أو أية أسباب أخرى. فالهدف الأساسي من إعلان الانفصال الكردي هو تعميم الحروب ودحرجة كرة الانفصالات الإثنية والدينية والطائفية في المنطقة.

ليست هناك تعليقات: