حوار مع: قاسم شعيب
التقينا الأستاذ قاسم شعيب وهي كاتب ومفكر صدرت له مؤلفات وكتب وبحوث عديدة.. وكان لنا معه الحوار التالي:
س- اهلا بكم أستاذ قاسم..
ج- أهلا وسهلا
بكم..
س- لماذا يستمر
الإرهاب رغم الإجراءات الأمنية المشددة في أوروبا وأمريكا وكثير من البلاد
العربية؟
ج- لو كان الإرهاب
مجرد ممارسة صادرة عن حركات متطرفة كما يقال لأمكن محاصرته والقضاء عليه. لكن الأمر
مختلف. الإرهاب تخطط له دول واقعة تحت قبضة رؤوس الأموال التي يعرف المطلعون حقيقتها
وحقيقة مخططاتها وأهدافها. سيستمر الإرهاب في الضرب كل مرة في مكان مادامت تلك
الجهات حية ترزق وتحكم. فهي أم الإرهاب ومرضعته.. أما الدواعش فهم مجرد أدوات تنفيذية
لعمليات تموّلها دول وجهات محددة. أي كلام آخر عن الفقر أو التشدد الديني
لتفسير الإرهاب تفاصيل مُملَّة وضحك على عقول الناس.
س- بدأ الغرب
اليوم يستخدم مصطلح التطرف الإسلامي. هل هناك بالفعل تطرف إسلامي؟
ج- الأنظمة الحاكمة
في العالم علمانية. وهي التي تمسك التعليم والثقافة والإعلام. فالإسلام لا يحكم في
أي بلد عربي ولا في أي بلد غربي وهي الساحات الأساسية للإرهاب. والذين
يمارسون الإرهاب اليوم هم حكما تربية هذه الأنظمة سواء كانت أنظمة عربية أو غربية.
فمثلا يقال لنا إن
تونسيين هم من ينفذون الكثير من الأعمال الإرهابية.. وآخرها عملية أورلي في باريس.
تونس بلد علماني وفرنسا أيضا بلد علماني والأشخاص الذي نفذوا عمليات في نيس أو في
برلين أو في أورلي إما أنهم صنيعة النظام التعليمي والجو الثقافي السائد في تونس أو
أنهم نتاج الثقافة الفرنسية والغربية التي ولدوا فيها وتربوا. وبعضهم لا علاقة له
بالدين؛ يعاقر الخمور ويدمن المخدرات. وعندما يقوم بعملية ارهابية يقال انه إسلامي
متطرف ويبدأون بالحديث عن الإرهاب الإسلامي. أما عندما يقوم أحد الغربيين أو غير المسلمين
بعملية إرهابية فيقال لنا إنه مختل عقليا او مريض نفسيا ولا يقال عنه إرهابي ولا يشار
إلى دينه..
س- يلاحظ كثيرون
أن أغلب العمليات الإرهابية تتبناها داعش أو القاعدة أو حركات سلفية مرتبطة بها. لماذا
لا نرى صوفيا أو شيعيا أو اشعريا يفجر نفسه ويقتل الناس؟
ج- الذين يزعمون
أن الدّين هو سبب الإرهاب عليهم أن يجيبوا. لماذا اضطرت بريطانيا إلى صناعة الوهابية
التي استُثمرت لاحقا لتأسيس القاعدة وداعش وبوكو حرام وسواها؟ بكل بساطة لأنها لم تجد
ضالتهم في المذاهب القائمة.. سنية كانت أم شيعية.. إن الذين لا يجرؤون على توجيه الاتهام
إلى الأمريكان والأوروبيين لسبب أو لآخر يذهبون إلى الدين. الدين مجردا لا يدعو الى
الإرهاب. والإسلام تحديدا يرفض الاعتداء أو العدوان.
س- هل هذا يعني
أن الغرب يستثمر جهل الشباب بدينهم؟
ج- العرب لا يعرفون
دينهم إلا قليلا. وهذا ناتج جزئيا عن السياسات التعليمية والثقافية المتبعة في
البلاد العربية بشكل خاص. جعلوا الشباب يجهل كل شيء عن دينه. بل إنهم دفعوه إلى
الانحراف بأساليب متعددة. الجهل هو أم المصائب. اذا أضفته الى الفقر تحصل الجريمة.
واذا أضفته إلى الدين تحصل على الإرهاب. قبل ذلك تمت إضافته الى السياسة فكان
الاستبداد ثم أضيف إلى الحرية فكانت الفوضى واليوم أضيف المال فأنتج الفساد..
الجهل في عالمنا العربي أضيف إلى كل شيء فأنتج كل الأشياء السيئة. والمهمة
الأساسية للإعلام وبرامج التعليم اليوم وطوال العقود الماضية هي تجهيل الشباب
والناس وليس تعليمهم أو تثقيفهم. لقد صنعوا المشكلة وهم الآن يستثمرون فيها.
الانتصار على الجهل
والفقر والفساد مدخل أساسي لإسقاط الإرهاب. لكن قبل ذلك لا بد من الانتصار على
رعاة كل هذه الأشياء ومحاصرة صانعي الإرهاب ومموليه والمخططين له. جزء من الوعي الشقي
أن لا يعرف الإنسان عدوه الحقيقي.
من المؤسف أن يكون
الضحايا، غالبا، مدنيون لا ناقة لهم ولا جمل.. أما المتضرر
الأكبر في هذه العمليات الارهابية فهو الإسلام وصورته بعد أن تحول إلى يافطة يستخدمها
أعداؤه لتبرير الشر. الإسلام هو المستهدف الأول وهذه حقيقة.
س- هناك من يرى
أن الصراع لم يعد محصورا فقط بين الأديان بل توسع ليصبح صراع طوائف وقوميات. ألا يُعد
ذلك إفرازا من إفرازات الدين؟
ج- هذا الصراع هو
إفراز اجتماعي وجد من يغذيه ويؤججه ويستغله. كانت هناك على طول التاريخ حروب تتخفى
خلف قناع الدين أو الطائفة. ماذا نسمي مثلا حروب الثلاثين عاما بين البروتستانت
والكاثوليك في أوروبا؟ كانت حروبا سياسية بغطاء ديني. وهذا يعني أن السياسة هي سبب
الحروب في العالم وليس الدين. السياسي، في عالم اليوم، يستخدم عادة الدين للتجييش
واكتساب الأنصار والمشروعية..
س- قد يقول بعضهم
أن القرآن يتضمن الكثير من المقاطع التي تحرض على الكره وهو ما جعلهم يتهمون هذا الدين
بترويج الكراهية؟
ج- الكره الموجود في
القرآن موضوعه الأشياء القبيحة والسيئة. فهو توجيه للمؤمنين للابتعاد عن القبح والإساءة.
وفي المقابل نجد الكثير من الآيات القرانية التي تحض على الحب والمودة والرحمة. فكما
نجد في القرآن أن "الله لا يحب القوم الظالمين" و"لا يحب المفسدين"
و"لا يحب كل ختال فخور" ولا يحب الجهر بالسوء إلا من ظلم"... نجد في
المقابل أن "الله يحب المؤمنين" و"التوابين" و"المتوكلين"
و"المحسنين"..
والقرآن يحرم الظلم
والاعتداء فيقول "فلا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين".. وهو يدعو إلى مخاطبة
الآخرين بالحكمة والموعظة والجدال بالتي هي أحسن.. ويأمر المؤمنين: "وقولوا
للناس حسنا"..
ما نراه من كره أعمى
لا يميز بين الجميل والقبيح ويصل إلى حد الحقد والاعتداء والقتل هو جزء من المنظومة
الاجتماعية وليس جزءً من الدين. والسياسة الفاسدة هي المسؤولة عن وجوده. بل إنها في
بعض الأحيان تقوم بدس نصوص في الدين لأجل تبرير ممارسات معينة. وهذا يعيدنا إلى
تاريخ الأديان. تلك النصوص لا بد من كشفها علميا وفصلها عن الدين.
س- هل من أمل
لإيقاف الإرهاب في العراق وسوريا باعتبارهما المتضرر الأكبر منه؟
ج- بالنسبة إلينا
هذا الأمر لا يزال بعيد المنال في المدى القريب. أمريكا تريد إطالة الصراع والإرهاب
في العراق وسوريا. وهذا الأمر ليس فقط قرارا سياسيا بل هو في العمق التزام ديني. هناك
مشروع اسمه إسرائيل الكبرى أو النظام العالمي الجديد وهذا المشروع لا يمكن تحقيقه
دون إرهاب وحرب وفوضى كما تقول تصريحاتهم الكثيرة.
في تصريح رئيس هيئة
الأركان الأمريكية الجنرال ديمسي قبل سنة قال: إن العراق أصبح بلد "الميليشيات
الطائفية الشيعية المنفلتة" وغياب كامل للدولة والجيش. وفي
تصريح آخر قبل سنة أيضا قال الجنرال بترايس قائد القوات الأمريكية في العراق سابقاً
إن خطر الحشد الشعبي أكبر بكثير على العراق من داعش!
واليوم أحد مطالب
ترامب لرئيس الوزراء العراقي حل الحشد الشعبي. هذا كله يعني أن أمريكا ليست في وارد
دعم الحكومة العراقية ضد داعش. وأن الإرهاب سيبقى موجودا لتحقيق توازن القوة ولتأمين
استمرار الصراع المفتعل من أجل إنهاك العراق أكثر.. هم يعرفون أن الاقتراب من
الحشد الشعبي يعني تفجّر مشاكل لا تنتهي.
هناك شيء واحد يحترمه
الغرب هو القوة. وما دمنا على هذا المستوى من الضعف فيمكننا أن نتوقع كل شيء منه. حين
تكون قوياً، يحترمك الناس ويحترمون ثقافتك، وحين تكون ضعيفاً، تسقط أنت، وتسقط ثقافتك
معك.
نقلا عن موقع: المحور العربي
نقلا عن موقع: المحور العربي