الأحد، 20 مايو 2018

بوتين ونتانياهو... والكعكة السورية






قاسم شعيب

عندما قرر بوتين الدخول إلى سوريا بدعوة من القيادة السورية كما قيل ويقال كان ذلك لثلاثة أشهر بشكل معلن. ولا شك أن ذلك لم يحدث بل استمر الروس حتى الآن رغم أنهم أعلنوا قبل سنتين أنهم سينسحبون ثم تبين أن المهمة لم تنجز وأن ما قيل كلام ليل.
أكثر من مرة صرح قادة الجيش الروسي أنهم تمكنوا من تجربة أنواع كثيرة من أسلحتهم الجديدة.. تلك الأسلحة لا شك أنها جُرِّبت في اللحم السوري الحي ولم تستثن اللحم المدني المر الذي لا ناقة له ولا جمل في كل ما حدث ويحدث سوى أن المسلحين والإرهابيين اتخذوا أحياءهم السكنية معقلا وحاضنة طوعا أو كرها..
العلاقات الروسية السورية قديمة وتعود إلى حقبة الاتحاد السفياتي. ولا شك أن التحالفات الدولية أمر قائم ومفهوم. ولكن عندما يكون هناك طرف آخر يفترض أنه عدو يقيم معه الروس أفضل العلاقات وينسق معه ضرباته على المواقع العسكرية السورية أو الإيرانية الحليفة فحينها لابد ان يطرح السؤال: مع من يقف الروسي؟..
كيف يمكننا أن نتصور للحظة حاكما يدّعي الوقوف مع سوريا في حربها ضد داعش والارهاب بينما لا يتردد في الذهاب الى حائط المبكي ويضع على رأسه تلك القبعة ويتبادل الزيارات الدورية لتنسيق المواقف والعمليات التي لا يعلم تفاصيلها الا الله... وبعض مخلوقاته؟.. ماذا سيكون موقفنا منه؟ سنقول طبعا إن الأمر مريب أو سنقول مباشرة إنه خائن ويجب طرده.. إلا إذا كان السوري نفسه يلعب تحت الطاولة أو بلا حول ولا قوة!..
يعلم الجميع علاقة أبو تين بيهود بلاده وكيف أوصلوه إلى الحكم.. لكن الإضافة هي علاقاته التي تصف بما فوق الفوق مع الصهاينة. آخر ما أكد هذا الكلام زيارة نتانياهو المجللة بالبهرجة وألوان الطيف.. احتفال رسمي مهيب واستقبال من الميتا خيال وتصريحات نتانياهوية مستكبرة ومادحة لجلالة الرئيس أبو تين..
الاتفاق بين روسيا وإسرائيل صار واضحا. سنترك لكم أمر قصف المواقع الإيرانية والسورية واللبنانية ولكن لا تقتربوا من المواقع الروسية. وكونوا على ثقة، لن نسلّم السوريين اس 300 ولا فاس 500 ولا أي سلاح يصنع التوازن العسكري..
إخراج إيران من سوريا مصلحة روسية إسرائيلية مشتركة. فإيران هذه جيء بها من أجل أن تكون الضد المكافئ للحركات الإرهابية المسلحة المدعومة أمريكيا وخليجيا بعد أن بدأ يميل ميزان الغلبة لصالحها. فالأمر لا يتعلق بإسقاط النظام السوري ولا قيادته بل يتعلق بسوريا الدولة والكيان والشعب. كان المطلوب تدمير سوريا ولأجل تحقيق ذلك كان لابد من قوتين متوازنتين حتى تستمر الحرب تماما كما حدث في الحرب العراقية الإيرانية التي أكد هنري كيسنجر أن الأمريكان أرادوا إطالتها وأن لا يخرج منها أي طرف منتصر.. أما إسقاط النظام فمؤجل إما لأنه لم يكن ممكنا طوال السنوات الماضية أو لأنه يفي بالغرض ولا داعي لتغييره..
تريد إسرائل الآن إخراج إيران من سوريا لأنها لا تأمن وجودها العسكري على تخومها، أو لأنها قامت بما كان مطلوبا منها دون أن تعي بذلك والآن انتهت مهمتها. ويريد الروس أن يتخلصوا من شريك في الكعكة السورية.. لم يبق أمام إيران سوى خيارين لا ثالث لهما: إما مواصلة تلقي الضربات الإسرائيلية دون رد جدي ورادع والاستسلام والمغادرة تبعا لذلك. أو الرد القوي والدخول في حرب لن تكون ضد إسرائيل وحدها بلا شك.. وهذا هو مأزق إيران التي استدرجت وكانت شبه مجبرة على الدخول للدفاع عن حليفها حتى وإن اضطرت لتركيب مبررات دينية وأمنية صدقها معشر الأنصار..
يريد الصهاينة إخراج إيران لتحقيق هدفين غير معلنين. فالأمر لا يتعلق بتهديد إيران للأمن الإسرائيلي بل يتعلق بأمرين آخرين في غاية الخطورة. الأول هو الاستفراد بسوريا حيث أن الروسي مضمون ولا يمكنه منع الصديق والحليف الصهيوني من إطلاق العنان لغرائزه المجنونة في الشام. والثاني يتعلق بإرسال إيران للخليج من أجل توريطها في حرب جديدة ضد السعوديين وحلفائهم الواضحين او المعتمين.. أما الهدف من وراء ذلك فهو ضرب الخليجيين بالايرانيين وتفكيك الجميع...
يميل المراقبون السياسيون، إلى استبعاد حروب جديدة في الشام والخليج. غير أن إسرائيل وقادة الصهينونية لا يفكرون سياسيا كما يظنون بل يفكرون دينيا. فالدين هو الذي يحرك إسرئيل وأمريكا. والاسم المشترك الذي يسكن العقول هناك هو "المسيح".
يأمل الصهاينة في خروج ملكهم المتوّج على كرسي الهيكل في القدس المحتلة ليحكم العالم ألف سنة كما يزعمون. ويأمل الإنجيليون في الغرب والأرتودكس في الشرق في عودة المسيح الحقيقي ليباشر إنقاذ الانسانية...
وحدهم العرب والمسلمون صدقوا الكذبة وتخلوا عن دينهم وأصبحت قصة المهدي المتواترة في كتبهم الدينية خرافة.. وحدهم العرب باتوا بلا دين بعد أن نجح الغرب في تشليحهم كل شيء: دينهم وعروبتهم ونفطهم وعقولهم وحتى رجولتهم!



ليست هناك تعليقات: