قاسم شعيب
قد لا يكون
التصعيد الأمريكي ضد إيران وصل إلى ذروته بخطاب وزير الخارجية الجديد بومبيو الذي
حدد فيه 12 شرطا لتجنب عقوبات غير مسبوقة قال إن بلاده تنوي فرضها على طهران. فهذه
الشروط، التي لا يمكن لإيران الاستجابة لها، تبدو مقدمة لشيء يتجاوز مجرد فرض حصار
غير مسبوق.
تصب الشروط
الأمريكية المعلنة في "الإستراتيجية الأمريكية الجديدة" التي وضعت تغيير
النظام في إيران هدفا رئيسيا لها وفي ظرف وجيز أسرع بكثير من الوقت الذي أخذه ما
حدث في العراق وليبيا.
لم يتأخر الرئيس
الإيراني حسن الروحاني في الرد على التهديدات الأمريكية وخاطب الأمريكيين "من
أنتم حتى تقرروا بخصوص إيران والعالم؟". وقالت الصحافة الإيرانية إنها أضغاث
أحلام وأن الشروط الـ12 هي في الحقيقة 12 خطأ. لكن الرد اللافت هو تصريح وزير
الخارجية جواد ظريف الذي قال إن الإدارة الأمريكية واقعة تحت ضغط لوبيات تريد
إثارة الفتن. وهو ما يعني أن ما تفعله الإدارة الأمريكية ليس إلا إملاءات سمِّيت بالإستراتيجية
الأمريكية الجديدة.
ويمكن اختصار تلك
الإستراتيجية الجديدة في النقاط التالية:
§ أولا:
التخلي عن برامج الصواريخ البالستية في مرحلة أولى ثم تدمير مخازن إيران وترسانتها
العسكرية لاحقا.
§ ثانيا:
وقف دعم ما سماه بومبيو "الإرهاب" والمقصود حزب الله في لبنان وحركة
حماس وحركة الجهاد في فلسطين والحشد الشعبي في العراق. والتوقف عن التدخل في
القضايا الداخلية لهذه البلدان.
§ ثالثا:
الانسحاب الكامل من سورية وإنهاء الوجود العسكري على أراضيها.
من غير الممكن أن تقبل إيران بهذه الشروط
التي تعلم الإدارة الأمريكية أنها مرفوضة مسبقا. فهي شروط لا تعني شيئا غير
استفزاز طهران وخدمة المصالح الإسرائيلية من خلال منع الدعم الذي طالما تلقته
حركات المقاومة من إيران سواء كان دعما ماليا أو عسكريا.
أعلن الأوروبيون
أنهم لا يقبلون بنقض الاتفاق النووي وفرض عقوبات مشددة على إيران. وهذا يبدو
مفهوما بحكم المصالح الاقتصادية الواسعة للأوروبيين فيها. غير أن هناك شكوكا حول
مصداقيتهم أو على الأقل قدرتهم على مقاومة ضغوط إدارة ترمب. فالاتفاق النووي هو
اتفاق مع أمريكا بنسبة تسعين في المائة. والشركات الأوروبية لها مصالح مع أمريكا
أكبر من مصالحها في إيران ولا شك أنها تفضل السوق الأمريكية الأوسع على السوق
الإيرانية.
وضع وزير
الخارجية الأمريكية أوروبا في الزاوية وأصبح هامش المناورة بالنسبة لها ضعيفا بشكل
كبير. وقد بدأت الشركات الأوروبية بالفعل في جدولة مغادرتها لإيران ووفق الموقع الإلكتروني
لغرفة التجارة الإيرانية، فقد قررت شركات كبيرة مثل توتال وآني وسيمنز وإيرباص وأليانتس
وساجا ودنييلي ومايرسك استعدادها لمغادرة إيران. وهذا يؤثر بلا شك على العلاقات
الاقتصادية الإيرانية الأخرى مع أوروبا لاسيما بيع النفط الذي لا يتجاوز 20% من
الصادرات الإيرانية لهذه المادة.
تخشى إيران
انصياع الأوروبيين للتهديد الأمريكي وانضمام الاتِّحاد الأُوروبي للعُقوبات تَفرِضها
واشنطن، وهذا ما عبر عنه وزير الخارجيّة جواد ظريف بعد لقائه مع المَبعوث الأوروبي
للطَّاقة ميغيل أرياس كانيتي في طِهران حين قال إنّ "تعهدات أوروبا بإنقاذ الاتفاق
النووي غير كافية ويجب القِيام بخطوات إضافيّة، لأن الدعم السياسي ليس كافيا".
ومع ذلك يبق
أمام إيران علاقاتها مع الصين وروسيا والكثير من البلدان الأخرى ومنها الآسيوية..
فالصادرات النفطية يذهب 70% منها إلى الصين وحجم التبادل التجاري الصيني الإيراني
يبلغ ستين مليارا من الدولارات. وليس من مصلحة الصين السكوت على المحاولات
الأمريكية إلحاق الضرر بعلاقاتها الاقتصادية مع إيران.
لكن ما يجب أن
تحسب له طهران حسابا هو الغموض الروسي الذي عكسه تصريح الرئيس الروسي بعد لقائه
الرئيس السوري عن ضرورة انسحاب كل القوات الأجنبية والبدء بعملية سياسية في سوريا.
فهو لم يستثن إيران. وهذا ما أكده المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر
لافريننييف، الذي قال إن تصريح بوتين "يخص كل المجموعات العسكرية الأجنبية، الموجودة
على أراضي سوريا، بمن فيهم الأمريكيون والأتراك وحزب الله والإيرانيون".
لكن فيصل
المقداد نائب وزير الخارجية السوري رد بالقول إن "هذا الموضوع غير مطروح للنقاش،
ولا يمكن أن نسمح لأحد بطرحه". وعلل المقداد ذلك بكون إيران دخلت بدعوة
من القيادة السورية، فهو يميز بين وجود شرعي للقوات الروسية والإيرانية ووجود غير
شرعي للقوات التركية والأمريكية. ولذلك أكد أن "انسحاب أو بقاء القوات المتواجدة
في سوريا بدعوة من الحكومة هو شأن يخص الحكومة السورية". وهذا كله قد يعكس
وجود خلاف سوري روسي حول الوجود العسكري الإيراني، مما يطرح تساؤلات حول حقيقة
النوايا الروسية تجاه إيران.
ومع ذلك كله من
الممكن الفصل بين موقف الروس من استمرار الوجود الإيراني في سوريا، وموقفهم من التهديدات
الأمريكية. وبالفعل فقد أعلنت روسيا عن انحيازها لإيران في مواجهة الولايات المتحدة
وقالت إن المحاولات الأميركية لاعتبار إيران تهديدا عالميا كبيرا على المنصات الدولية
غير مجدية.
أما الثلاثي
الخليجي الذي تقوده السعودية فقد اصطف خلف التهديدات الأمريكية. فهو لا يستطيع سوى
الاستجابة للخطوات الأمريكية. وليس غريبا أن يسارع تبعا لذلك إلى تأييد العقوبات
الأمريكية ضد قيادات "حزب الله".
بل إنها تفعل
أكثر مما هو مطلوب منها بعد أن تحوّلت إيران إلى عدو أخذ مكان "إسرائيل"
التي تبرع وزير خارجية البحرين بإعطائها الحق في قتل الغزاويين في مسيرات العودة
الأخيرة بدعوى الدفاع عن النفس.
يريد الأمريكيون
تخويف الخليج بإيران من أجل تسهيل ارتمائه في الحضن الصهيوني فوق الطاولة بعد أن
استمر الأمر لعقود تحتها. وقد تكون العقوبات الأمريكية خطوة إضافية لتحويل
السعودية والإمارات والبحرين بشكل خاص إلى ساحات لحرب متوقعة على إيران، بعد أن
لعبت أدوارا مشابهة في العراق وسوريا.
يفهم الإيرانيون
حقيقة النوايا الأمريكية في تغيير النظام والتي لم تعد خفية بعد أن قال مستشار
الأمن القومي جون بولتون إن إيران لن تحتفل بعيد ثورتها الأربعين. وهم يعرفون أن
الحرب الأمريكية قد بدأت في سوريا من خلال الاعتداءات الإسرائيلية. أما ردودهم
فإنها تحاول التريث من أجل تبيُّن حقيقة مواقف حلفائها الصينيين والروس.
يقرع الأمريكيون
طبول الحرب بعد أن تخلص ترمب من "الحمائم" في حكومته وجاء بوجوه شرسة
وعنصرية وكارهة للإسلام والمسلمين ومستعدة لفعل أي شيء من أجل مخططات الصهيونية
العالمية في تغيير خرائط المنطقة وتحويل إسرائيل من كيان صغير ومعزول إلى دولة
كبيرة ومندمجة في المنطقة. لكن المؤكد أن إيران سيكون لها رأي آخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق