قاسم محمد
وقف عامود جلعاد في مؤتمر هرتسيليا لسنة 2013
متحدثا عن بداية تشكل الحلف "السني الصهيوني" الذي يشترك في موالاة أمريكا
بشكل مطلق، بما أن أعضاءه جميعا يعيشون تحت الحماية الأمريكية، وإسرائيل نفسها
ليست استثناء. حينها اعتبر جلعاد "حركة الإخوان" خارج هذا المحور الذي
كان يضم مصر والخليج.
بعد الاتفاق التركي الإسرائيلي وتطبيع
العلاقات من جديد انضمت تركيا إلى هذا الحلف، لكن تركيا لا يبدو أنها انضمت منفردة
بل إنها جرّت وراءها حركة الإخوان كلها بشكل علني وسافر هذه المرة. حتى حركة حماس
التي طالما قدمت نفسها حركة مقاومة باركت الخطوات التركية واعتبرتها خدمة للقضية
الفلسطينية!
اعتقد رجب طيب أردغان أنه بات محاصرا من
الجهات كلها: روسيا، ايران، العراق، سوريا، اوروبا.. وقرر أن يفك هذا الحصار بالارتماء
في الحضن الصهيوني والاعتذار من روسيا. هذا الارتماء قد يفسره أيضا شعور السلطان
العثماني أن أمريكا نصبت له فخا لتوريطه مع الروس ثم سحبت نفسها. لقد اعطته ضوءا
أخضر لإسقاط الطائرة الحربية الروسية ثم لاذت بالصمت لتتركه يواجه أخطر أزمة
سياسية مع روسيا. بل إن أمريكا رفضت تصنيف حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني
منظمة إرهابية، وهو ما دفع أردغان الى توجيه السؤال للأمريكيين: "هل أنتم
معنا أم مع التنظيم الإرهابي؟". شعر أردغان أنه كان لعبة أمريكية فقرر الهروب
إلى الأمام.
توكأ أردغان على القفزة الاقتصادية التي حققتها
تركيا واعتمد على خطاب شعبوي لمغازلة الأتراك والعرب بعد الهجوم الصهيوني على
سفينة "مرمرة"، وقدم حزبه الهجين نموذجا للأخونة السياسية التي تحتفي
بالعلمنة واقتصاد السوق والليبرالية الفجة.. حتى أنه سمح بشاطئ للعراة..
واستطاع أن يحول حزبه إلى رافعة سياسية خاصة
به بعد أن نجح في التخلص من أهم شخصيتين ساهمتا معه في تأسيس الحزب وهما عبد الله
غول وداوود أوغلو ومعهما الكثير من الخصوم السياسيين من داخل الحزب ومن خارجه.
وقبل ذلك وبعده نجح في الإمساك بالقضاء والسيطرة على الجيش وهو يطمح لتغيير
الدستور ليصبح الحاكم بأمره ويتوج بالسلطة المطلقة.
وهذه النجاحات النسبية، بالمنطق الأردغاني،
جعلته يطمح إلى التمدد خارج حدود تركيا. ففتح أبوابها لكل شذّاذ الأرض لتتحول
تركيا إلى أكبر معكسر لتدريب الدواعش والإرهابيين وإرسالهم الى سوريا. كان ذلك إشباعا
لرغبة توسعية، لكنه من ناحية أخرى كانت محاولة لإرضاء الأمريكي الذي سعى منذ
البداية إلى تحقيق الحلم التوراتي في تدمير سوريا. بل إنه يحاول الآن تجنيس
السوريين اللاجئين في تركيا ليكون ذلك ورقة إضافية قد تساعد في تحقيق حلم التوسع.
لا يمكن لأردغان التنصل من أصله الإخواني
مهما تلا على مسامعنا آيات الولاء للغرب وأنظمته. بل إنه بات واضحا اليوم أن حركة
الإخوان تأسست بدعم استخباراتي بريطاني. ولذلك تبدو الممارسة السياسية للإخوان
فارغة من أية قيم أو مبادئ. فهي لا تستلهم فقط ممارسات معاوية بن أبي سفيان، بل استمرت
وفيّة لأفكار الرعاة المؤسسين. وبسبب ذلك لا تبدو براغماية اردغان وانتهازيته مجتثة
من أصولها. تبين أن شعارات تحرير القدس ودعم القضية الفلسطينية والدفاع عن قضايا
الامة والدعوة الى العدالة الاجتماعية كان مجرد أدوات للتجارة الداخلية. وبيانات التأكيد
لخطوة أردغان التطبيعية التي صدرت عن إخوان مصر وحركة حماس تؤكد ذلك.
أصبح أردغان معاوية العصر، بحسب توصيف بعض
الكتاب. فبالنسبة له لم يجد المسكين من العرب والمسلمين إلا الصد ومن حقه باعتباره
"حاكما شرعيا" أن يناور في العلاقات الدولية. وكما كان معاوية داهية في
تعامله مع الروم البزنطيين من أجل ترتيب البيت الداخلي ومواجهة "الفتنة"،
فكذلك أردغان في تحالفه مع الصهاينة. وبالنسبة لهذا البعض فإن النظام العلماني هو
أقرب نظام ينصح به القرآن! وليس من مصلحة أردغان التمسك بالقيم
والمبادئ على حساب مصلحة بلاده.
إن هذا التوجه لا يعكس سوى ثقافة سلطانية
تبرر للحاكم أخطاءه مهما كبُرت. فحتى المصلحة التركية التي يتحدثون عنها لا شيء
يدل على أنها ستتحقق. ذلك أن مد اليد إلى الصهاينة يشبه إدخال اليد إلى جحر مليء
بالأفاعي. وإذا كان أردغان وحزبه لا يعتبرون إسرائيل عدوا، فإن الصهاينة لا يمكنهم
إلا التعامل مع الآخرين من موقع العداء مهما تلونوا.
وأمثال هؤلاء الكتّاب تزدحم بهم الساحة. فهم
منتفخون لا يرون الواقع بمقياس القيمة والمبدأ، بل بمعيار المصلحة الضيقة التي
تنتهي إلى سراب. هم لا ينظرون إلى الأفق البعيد ولا يحسبون حسابا لمآلات الأمور حتى
لو تخليْنا عن معيار القيم وحسَبنا المسألة فقط على أساس المصلحة.
كشف الأتراك، أخيرا، ومعهم الإخوان عن دورهم
الداعم لإسرائيل والمتواطئ معها ضد مصالح الأمة في محاولة لإنقاذ أنفسهم من نهاية
حتمية، تماما كما كشف عمرو بن العاص يوما عورته لإنقاذ نفسه من موت محقق. لكن ما
يتجاهله الإخوان هو أنهم لا يزيدون عن كونهم مجرد أداة، من بين أدوات أخرى، يحركها
الغرب لإفساد الناس وبيع الأرض ونشر الفوضى وتشجيع الإرهاب وترسيخ الطائفية وشرعنة
التقسيم. وهو ما يعني أن تركيا والحركة الإخوانية باتا يمثلان تهديدا استراتيجيا
لمصالح الأمة وقيمها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق