هل هي حقا الحرب على الإسلام؟ لن ننفي ذلك
بشكل مطلق بعد أن قال هنتنغتون إن العدو الجديد للغرب بعد سقوط الشيوعية هو
الاسلام. وبعد أن اعتبر برنارد لويس أستاذ هنتنغتون أن "الصراع
مع الإسلام هو صراع حضارات وأنه صراع تاريخي مؤكد مع التراث اليهودي المسيحي للحضارة
الغربية ومع تراثها العلماني وتوسعهما معا"، وهو ما ردده مفكرون وكُتّاب
أمريكيون كُثر.. غير أن ذلك ليس كل شيء بكل تأكيد. الاسلام في نظر الغرب طاقة جبارة إذا
استطاع المسلمون أن يحملوها في داخلهم فسيشكلون أكبر خطر عليهم. ولأجل ذلك كان
العمل منذ ثلاثة عقود على إنتاج "إسلام آخر" للمسلمين كما قال جيمس
وولسي رئيس الاستخبارات الأمريكية السابق:" سنصنع لهم إسلاما يناسبنا".
إن موجة الكُتّاب الذين أصبحوا فجأة متخصصين
في الإسلاميات ليست اعتباطية، بل إن وراءها مخطط. كل أولئك الذين ينظِّرون لتأويل القرآن
ونسبية الحقيقة وتاريخية النص الديني والقراءة المعاصرة والإسلاميات التطبية وروح
الحداثة.. هم في الحقيقة جزء من العدَّة الأمريكية لصناعة "إسلام جديد"
يناسب الأمريكان. أما النزعات السلفية، التي تتغذى على فكر ابن تيمية وابن عبد
الوهاب، فإنها ليس جديدة وهي تعمل منذ تأسيس المملكة السعودية. لقد صنع البريطانيون
الفكر الوهابي منذ أكثر من 100 سنة. لكنه لم يعد يستقطب إلا العوام. أما المثقفون
والطلبة والنّخب الأكاديمية المؤثرة فإنها تحتاج إلى نوع آخر من الإسلام وهو ما تم
تأمينه على مدى ثلاثة عقود من الزمن.
عندما نجد كتَّابا يعتبرون القصص القرآني أساطير
والمحرمات الإسلامية تاريخية والمثلية السدومية جائزة وتناول الخمور لا مشكلة فيه
والربا حلال، وعندما يصبح النبي مجرد رجل عبقري والوحي ايحاء نفسي وشريعة الإسلام غير
صالحة وأصول الدين خرافات.. لا يمكننا إلا أن نتوقع وجود جهات تدفع الكثير من
المال لترويج أفكارها وإظهارها أمام الناس في شكل مفكرين كبار وفلاسفة حتى أن بعضهم
تحول إلى مفتٍ يسأله الناس عن شؤون دينهم فيجيب. والمفارقة هي أن يجد الأمريكيون
في بعض اليسار العربي ضالّتهم. فأكثر الذين يسمّون أنفسهم اليوم مفكرين ويشتغلون
على نصوص الإسلام هم يساريون متحوّلون إلى النيوليبرالية. قلة منهم منحدرة من أصول
سلفية أو صوفية او إخوانية..
بل إننا نرى اليوم ماهية الإسلام الذي أصبحت
تقدمه بعض حركات "الإسلام السياسي" التي باتت تتبنى نسخة مخففة تتوخى
الذرائعية وتبرر للتبعية وتشرع للتطبيع وتتبنى الرأسمالية الجشعة وتقبل العلاقات
الشاذة والسلوكات المنحرفة على نحو ما نرى لدى أردغان الذي يقدم نموذجا لما يريده
الغرب؛ طلاءً دينيا لنظام رأسمالي ليبرالي يبيح الربا والزنا والخمور والتطبيع مع
الصهيوني.. أصبح كل شيء مبررا تقريبا، ولم يعد هناك شيء اسمه حرام لا في السياسة
ولا في الاجتماع ولا في الحياة الخاصة. إننا نتذكر تصريحات رئيس حركة النهضة التونسية
حول السدومية المثلية مثلا. ونتذكر تصويت كتلته لصالح تخفيض أسعار الخمور
المستوردة..
لا يستهدف الغرب الإسلام فحسب. لكن تخريب العقول،
الذي يتم مرة باختراع نزعات سلفية وأخرى بصناعة تيارات ليبرالية او حداثوية تتبنى قراءات
تقصي الدين من الحياة، مدخل أساسي لتحقيق بقية الأهداف. يريد الغرب ثرواتنا وأرضنا،
ويريدنا أن نبقى تابعين خاضعين. والمدخل الأساسي لذلك هو عقولنا. لا يمكننا أن
نتجاهل الدعم السخي لمنظمات المجتمع المدني في بلاد العرب والمسلمين، ولا يمكننا أن
نتجاهل دعمهم للأحزاب الموالية لهم والعمل على إيصالها إلى سدة الحكم لتكون هي
المسهل لتنفيذ مخططاتهم.
الخطوة الأولى كانت بصناعة إسلام يناسب الأمريكيين.
والخطوة الثانية تمت بصناعة ثورات سموها ربيعا عربيا، كما صرح جيمس وولسي رئيس
المخابرات الأمريكية السابق سنة 2006 حين كشف عن مخططات أمريكا لتفجير الشرق
الاوسط وإعادة احتلاله. حينها قال وهو يتحدث عن العرب والمسلمين: "سنصنع لهم اسلاما
يناسبنا ثم نجعلهم يقومون بالثورات فيتم انقسامهم على بعض لنعرات تعصبية ومن بعدها
قادمون للزحف وسوف ننتصر". وهو كلام يوضح كلاما سابقا صدر عنه سنة 2003 يقول
فيه: "إذا نجحنا في "تحرير العراق" سننتقل لسوريا وليبيا والآخرين ونضغط
عليهم لمحاولة تغييرهم. آل سعود ومبارك سيأتون إليها ليقولوا نحن متوترين جدا جدا ونحن
سنقول لهم: جيد GOOD نحن نريدكم متوترين، نحن نريدكم أن تعرفوا أنه الآن
وللمرة الرابعة خلال المائة سنة هذه الدولة وحلفائها (يقصد امريكا) قادمون للزحف وسوف
ننتصر...".
العبث بالإسلام والإطاحة بالأنظمة وتعميم الإرهاب
ليست إلا مقدمات للاجتياح الذي تعد له أمريكا لإعادة احتلال الأرض العربية
وتقسيمها على أسس جديدة. وعندما تقول هيلاري كلينتون: "إن الحرب الأهلية
السورية جيدة لإسرائيل". فإن ذلك يعني أن استهداف سوريا بعد العراق وليبيا
ودول أخرى بإشعال حروب داخلية ليس إلا مقدمة لشيء أكثر خطورة بكثير.
الإرهاب الذي
أعقب "الربيع العربي" مصنوع،
مثله تماما. والهدف ليس الأنظمة بكل تأكيد. لقد كانت أغلب تلك الأنظمة، أو ربما كلّها،
مطيعة ووفية لسيدها الأمريكي. غير أن المسألة الآن هي الدخول في مرحلة جديدة تتطلب
ممارسات جديدة وتكتيكات مختلفة. إننا لا نحلل هنا ولا نقول مجرد تخمينات بل إننا
نقل ما صرّح به أمريكيون في موقع القيادة. المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية
الأمريكية جيمس وولسي ( James Woolsey)، الذي أتينا على ذكره قبل قليل،
قال في محاضرة له في أفريل سنة 2003 في جامعة كاليفورنيا في لوس انجليس (UCLA): إن الولايات المتحدة مقبلة على خوض الحرب العالمية الرابعة (معتبراً
الحرب الباردة حرباً عالمية ثالثة). أما الهدف هذه المرّة فهو العالم الاسلامي، وصولاً
الى إعادة رسم خارطته وقال أن هذه الحرب ستكون حرب أجيال. وأضاف: "هذه الحرب هي
ضد ثلاثة أعداء: نظام الملالي في ايران والأنظمة الفاشية في كل من العراق وسوريا، والمتشددين
الإسلاميين في كل مكان". وقال: "وسنقوم
ببناء شرق أوسط جديد وسينقلب أمثال الحكام في بلاد مثل مصر والسعودية..".
وبالفعل فقد
تم احتلال العراق وتفكيكه وإخضاعه للإرهاب اليومي. واليوم هم بصدد تدمير سوريا
واستهداف حركات المقاومة في فلسطين ولبنان وأماكن أخرى. أما مصر فإنهم عبثوا بها
وأوصلوا في النهاية أحد رجالهم المفضلين. لم تبق أمامهم سوى إيران التي يتحرشون بها
الآن مستخدمين الأنظمة الوظيفية في الخليج التي تقودها السعودية. سنكون مكابرين لو
أنكرنا النجاح الذي يحققه الأمريكي في تحويل خطته إلى واقع. قالوا قبل أكثر من عقد
أنهم سيصنعون لنا ثورات ويدمرون دولا ويعممون الإرهاب. وها هم ينفذون مخططاتهم
بالدقة المطلوبة.
إن الصراع بين
الاسلام والغرب بات اليوم صراعا حضاريا. وهو ليس صراعا بين الإسلام والمسيحية التي
توارت إلى الخلف منذ انتصار الحداثة وقيمها لأن الغرب بات اليوم بعيدا عن المسيحية
في غالبيته كما بين آخر احصاء اجرته مؤسسة غالوب الدولية. حيث قال إن نسبة غير المتدينين
والوثنين تزيد عن نصف شعوبها. فالنسبة في بريطانيا هي 66% ، وفي المانيا 54% ، وفي
هولندا 66% ، وتصل في السويد الى 76% ، وفي كندا 53% .. الصراع اليوم هو بين الغرب
بحمولته الوضعية والغرائزية ونظامه الرأسمالي الجشع والإسلام بمحتواه القيمي والإنساني
ونظامه الاقتصادي والاجتماعي العادل. ولا خيار أمام المسلمين سوى الانتصار في هذا
الصراع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق