قاسم محمد
عاني العراق منذ الغزو الأمريكي في 2003، ولايزال،
من الإرهاب الأعمى الذي يحصد في كل مرة عشرات الأرواح.. ثم توسّع بعد ذلك ليشمل
سوريا وليبيا وتونس ومصر والأردن ودول أخرى في آسيا وأفريقيا. الذين زرعوا الإرهاب
ورعوه حتى قوي واشتد عوده يوسعون مجاله اليوم بأشكال غير تقليدية. دهس وطعن وذبح
ورصاص.. عمليات بسيطة ومتكررة لا تحتاج إلى إجراءات معقدة ولا يمكن للشرطة
الانتباه إليها بسهولة. تلك هي الأساليب الجديدة التي ابتكرها الإرهاب لنفسه ليملأ
قلوب الناس رعبا.
هذه الأساليب الجديدة قد تبدو، في ظاهرها،
بسيطة لكنها، في الحقيقة، سريالية تعتمد عنصر المفاجأة ويصعب توقع فاعليها. لم يعد
الإرهابي شخصا ملتحيا أو مظهِرا لبعض التديّن، بل أصبح إنسانا من عمق المجتمع يعيش كل
تلاوين الحياة الغربية التي لا تتوقف ممارسة اللذة الحرام فيها عند حدود.
والعمليات الإرهابية ليست موجهة في الغالب إلى مؤسسات الدول المحروسة جيدا بل إلى
أماكن يرتادها الناس مثل المطاعم والملاعب والساحات ووسائل المواصلات.. لكن ذلك قد
يتطور ويتوسع ليشمل أساليب جديدة قد لا تتوقعها أجهزة الامن الأوروبية، ونقاط
استهداف جديدة قد لا تخطر لها على بال.
يتركز الإرهاب الآن في مركز أوروبا: فرنسا
والمانيا وبلجيكا.. وهو ما يوحي بتحويل القارة العجوز كلها إلى ساحة قتل وتخريب. هو
يستهدف الآن البنية الاجتماعية لتفكيكها وتخريبها ليصبح كل فرد متهم وكل مواطن
مثير للريبة بقطع النظر عن دينه وعنصره. ومن الممكن أن يتوسع لاحقا ليستهدف البنية
السياسية. يصبح مسؤولو الدولة ومراكزها ومؤسساتها نقاط استهداف ليتم بذلك ضرب
الدولة برمتها وليس فقط المجتمع. شي واحد لا نتوقع ضربه هو المؤسسات الاقتصادية
الكبرى والشركات الضخمة. فصانع الإرهاب لا يمكنه أن يطمز عينه بإصبعه!
حتى الآن لم تتبن داعش كل العمليات الإرهابية
ولم تتهم أجهزة الأمن دائما داعش. كانت هناك دائما وصفة للقاتل الذي لا تتبناه
داعش أو يُزعم لها ذلك. وتلك الوصفة الجاهزة تقول: القاتل يعاني حالة اكتئاب أو هو
مختل عقليا أو مصاب باضطرابات نفسية. أي أن القاتل إذا كان من أصول عربية فهو إسلامي
في كامل قواه العقلية حتى وإن كان مختلا ومدمن مخدرات ولا علاقة له بالدين. أما
إذا كان من أصول أوروبية أو غير عربية، فإنه يصبح مريضا نفسيا! فالهدف هو الايغال في تشويه الإسلام وليس فقط خدمة مخططات
"النظام العالمي الجديد" الاستراتيجية.
من غير المتوقع أن يُفلِت اليمين المتطرف الفرصة. هو يعيش على إثارة
النزعات الشوفينية والعنصرية لكسب ودّ الناس إلى جانبه. وصعوده اليوم في أكثر من
دولة أوروبية ليس صدفة. لم يعد اليمين واليسار بالقوة نفسها التي كانت لهما. وهما
يواجهان في كل انتخابات منافسة شرسة يفرضها اليمين المتطرف. وإذا تواصل الارهاب
على وتيرة أسرع فإن الناس سيصطفون تلقائيا وراءه لتصبح أوروبا كلها يمينية متطرفة.
كل تلك الشعارات المضللة حول حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية تتراجع اليوم بقوة
في أوروبا نفسها. لم تكن قِيَمًا محترمة في دول "الهامش". ولكنها اليوم
تتراجع أيضا في دول "المركز" التي بدأت هي أيضا تعلن حالة الطوارئ وتمدد
وتكرر التمديد كما هي حالة فرنسا!.
لا نعتقد أن الإرهاب يفتعله أفراد فيما يعرف بالذئاب المنفردة، ولا هو
مرتبط فقط بجماعات إرهابية قد تتبناه في بعض المرات. الإرهاب عمل مخابراتي تنكشف
خيوطه احيانا وتطمر أحيانا أخرى . آخر تلك الفضايح، طلب الحكومة الفرنسية من
السلطات في نيس باتلاف كل صور العملية الارهابية. ماذا يعني ذلك غير وجود أدلة
تدين جهات داخل وزارة الداخلية الفرنسية. وتلك الجهات التي تخترق وزارات الأمن
والداخلية عبر العالم لا شك أنها تتبع سيدا واحدا، مايسترو واحدا..
حتى الآن رفضت الولايات المتحدة تعريف الإرهاب. فهذا لا يخدم مصالحها.
وعدم تعريف الإرهاب يعني إمكانية الصاق التهمة بمن هو برئ منها وتبرئة الإرهابي الحقيقي.
في غياب التعريف يفتقد المقياس لدى أجهزة الأمن والوزرات المعنية. وهذا ليس غريبا
بعد أن أصبحت أمريكا الدولة الأولى المصنعة للإرهاب. كتب G.chengu جي شينغو الباحث في جامعة هارفارد .” تماما مثل القاعدة، تنظيم الدولة الاسلامية
(ISIS) صُنع في أمريكا باعتباره أداة إرهاب تم تصميمها لتقسيم واحتلال الشرق
الاوسط الغني بالنفط ولمجابهة نفوذ ايران في المنطقة“. وأضاف: ”مدير وكالة الامن الوطني
NSA أيام الرئيس ريغن الجنرال
William Odem وليم اودم صرح “بأي مقياس كان، استخدمت الولايات المتحدة الارهاب
بين 1978 وسنة 1979. كان مجلس الشيوخ بصدد تمرير قانون ضد الإرهاب الدولي، وفي كل صيغة
تم تعريف الإرهاب بها، كان رأي المحاميين أن الولايات المتحدة ستكون ممارسة له“..
ويضيف الباحث من هارفارد: ”وفي السبعينات استعملت وكالة المخابرات الأمريكية CIA الإخوان المسلمين في مصر حاجزا ضد تمدد الفكر الماركسي
في الجماهير العربية. واستعملت "شركة إسلام في اندونيسيا ضد سوكارنو. وساعدت الجماعة
الاسلامية في باكستان ضد ذو الفقار على بوتو. وأخيراً وليس آخراً استعملت القاعدة ضد
الاتحاد السوفياتي"..
وعندما يستهدف الإرهاب المنظم أوروبا فإن الهدف يصبح أكبر.. نقطة
الجذب فيه مصالح الولايات المتحدة والقوى الخفية التي تحكم قبضتها عليها..